
دخل النفط الفنزويلي مرحلة جديدة من الاضطرابات مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض حصار على ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات التي تدخل وتخرج من فنزويلا، ما زاد الضغط على كاراكاس في الوقت الذي تعزز فيه الولايات المتحدة وجودها العسكري في المنطقة. كتب ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الثلاثاء: "فنزويلا محاصرة تماماً بأكبر أسطول بحري جُمِّع في تاريخ أميركا الجنوبية. سيزداد حجمه، وستكون الصدمة التي سيتعرضون لها غير مسبوقة".
أعلنت الحكومة الفنزويلية في بيان نُشر مساء الثلاثاء على حساب نائبة الرئيس ديلسي رودريغيز على تطبيق تليغرام: "يعتزم ترامب فرض حصار عسكري مزعوم على فنزويلا بطريقة غير منطقية على الإطلاق، بهدف نهب ثروات وطننا. وتؤكد فنزويلا سيادتها على جميع مواردها الطبيعية". فيما وصفت الحكومة الإجراءات الأميركية بأنها محاولة للاستيلاء على احتياطيات النفط الفنزويلية، الأكبر في العالم.
وبعيداً عن تبادل الاتهامات، تهدد هذه الخطوة بخنق شريان الحياة الاقتصادي لبلد يعاني أصلاً من ضغوط مالية شديدة، وفق وكالة "بلومبيرغ". إلا أن تأثيرها في الأسواق العالمية سيكون أقل حدة، نظراً لتراجع مكانة صناعة النفط الفنزويلية.
واقع النفط الفنزويلي
عودة إلى مخاوف حكومة نيكولاس مادورو، تتربع فنزويلا على قائمة أكبر احتياطي نفطي في العالمي بحسب إحصاءات منظمة أوبك لعام 2025، مع امتلاكها 303.2 مليارات برميل بنسبة 19.4% من الاحتياطي العالمي، وبعدها السعودية بـ267.2 مليار برميل (17.1%)، ثم إيران 208.6 مليارات برميل (13.3%)، والعراق 145 مليار برميل (9.3%)، ومن ثم الإمارات 113 مليار برميل (7.2%)، وأخيراً الكويت 101.5 مليار برميل (6.5%). فيما يبلغ الاحتياطي العالمي 1,566.869 مليار برميل.
إلا أن الاحتياطي الضخم لا يعني صادرات كبيرة، إذ انخفض إنتاج النفط الخام في فنزويلا بأكثر من 70% منذ ذروته في أواخر التسعينيات، حين كان يتجاوز 3.2 ملايين برميل يومياً. وتحتل فنزويلا الآن المرتبة الـ21 فقط بين منتجي النفط في العالم، حيث تُصدّر فنزويلا، العضو في منظمة أوبك، متوسط 900 ألف برميل من النفط يومياً. ووفقاً لبيانات جمعتها بلومبيرغ، يذهب نحو 750 ألف برميل، أي 80% من هذه الكمية، إلى مشترين صينيين. وقد حمّلت ناقلات النفط ما يقارب 590 ألف برميل يومياً فقط للتصدير الشهر الماضي، مقارنةً بالاستهلاك العالمي الذي يتجاوز 100 مليون برميل يومياً. ويمرّ نحو 30% من الشحنات عبر أسطول غير رسمي من السفن الخاضعة للعقوبات.
وإضافة إلى تأميم الشركات وهروب الاستثمارات الأجنبية النفطية من البلاد، أثر الضغط الأميركي في القطاع النفطي. فقد جعل أكثر من مئة عام من التدخل الأميركي في صناعة النفط الفنزويلية فنزويلا واحدة من أقوى حلفاء واشنطن الإقليميين، وفق "بلومبيرغ". إلا أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات مالية على شركة النفط الفنزويلية (PDVSA) عام 2017، وعقوبات تشغيلية عام 2019. وتحظر هذه العقوبات معظم عمليات تجارة النفط والتمويل مع الشركة، مع السماح ببعض الاستثناءات المرخصة. وقد أدت هذه القيود إلى تدهور مرافق شركة PDVSA، التي تعتمد كثيراً على التكنولوجيا الأميركية التي مُنعت الشركة من استيرادها.
واستغرق الأمر من الرئيس نيكولاس مادورو أربع سنوات لاستعادة قدر من الاستقرار، وإنهاء التضخم المفرط، وعكس مسار أحد أعمق الركودات في التاريخ الحديث، والحد من التقلبات الحادة للعملة، وذلك إلى حد كبير من خلال السماح باستخدام الدولار على نطاق واسع.
ويمثل إنتاج النفط الفنزويلي حوالى 1٪ من الإنتاج العالمي، وبالتالي تأثير التحركات الأميركية لن يكون عميقاً في سوق النفط العالمي، لكن الإمدادات تتركز بين مجموعة صغيرة من المشترين، وهم في الأساس مصافي النفط الصينية الصغيرة والولايات المتحدة وكوبا، وتُعد الصين أكبر مشترٍ للنفط الخام الفنزويلي، الذي يمثل حوالى 4% من وارداتها.
على الرغم من وضع القطاع، تُعدّ صادرات النفط المصدر الرئيسي لإيرادات فنزويلا، بنسبة لا تقل عن 95% من إيرادات البلاد الخارجية من مبيعات النفط، ووفق التحليلات سيؤدي الحصار الأميركي إلى تصاعد الأزمة في الاقتصاد الفنزويلي الذي يعاني أساساً من ارتفاعات كبيرة في التضخم، والفقر والبطالة وتراجع حجم السيولة في السوق.