Akhbar Alsabah اخبار الصباح

اتساع أزمة الدولار يخيف المصريين

أزمة الدولار : الجنيه يواجه المزيد من التدهور تتسع أزمة شح الدولار في مصر، ما يجعل الحكومة في مواجهة أزمات تتضخم يومياً، إذ باتت عالقة بين عدم القدرة على وقف موجات الغلاء الفاحش، وحلّ أزمة توقف المصانع وتراجع أداء الشركات العامة والخاصة، التي تنتظر الإفراج عن وارداتها من الخارج، بينما تترقب إنهاء صندوق النقد الدولي إجراءات صرف قرض جديد، يعد بمثابة صك مرور نحو أسواق الدين العالمية لتسكين أوجاع الاقتصاد العليل.

وتصاعدت قيمة الدولار في البنوك الرسمية على مدار نوفمبر/تشرين الثاني، ليصل إلى 24.58 جنيهاً، بزيادة جنيهن، عن أكثر التوقعات تشاؤماً، التي طرحتها مؤسسات مالية وإعلامية دولية كبرى، وخبراء اقتصاد محليين، عندما بدأ البنك المركزي الجولة الثالثة في رحلة تعويم الجنيه المصري، في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وتتبدد آمال المستثمرين في مختلف القطاعات في حلّ أزمة الواردات، مع استمرار توقف البنوك، في تدبير العملة الأجنبية لتمويل شراء مستلزمات الإنتاج من الخارج.

وأكد أعضاء في جمعية رجال الأعمال المصريين واتحاد المستثمرين، أن الحكومة لم تلتزم بأية تعهدات أطلقتها خلال الشهرين الماضيين، بشأن تدبير العملة للموردين، مشيرين إلى أنّ الحظر الذي فرضه البنك المركزي على الواردات منذ مارس/آذار 2022، ما زال سارياً، باستثناء بعض الإفراجات الجمركية على السلع الاستراتيجية، المتعلقة بمستلزمات الغذاء والعلف وعدة شحنات كانت مكدسة بالجمارك منذ بداية الأزمة.

وأكد رجال أعمال تحدثت معهم "العربي الجديد" أنّ 95% من عمليات الاستيراد متوقفة تماماً، لافتين إلى أنه رغم استقبال البنوك لطلبات المستوردين، إلا أنها لم تلتزم بتحريك أي من الطلبات، لعدم وجود الدولار، في حوزتهم.

وأبدوا دهشتهم من انتهاء اجتماع بين رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ومحافظ البنك المركزي حسن عبد الله، قبل يومين، من دون أن يسفر عن رؤية واضحة لمواجهة أزمة وعد الطرفان بالقضاء عليها في ديسمبر/كانون الأول المقبل.

ووفق مصادر فقد أسفر الاجتماع الذي استغرق ساعتين عن بيان قصير لمجلس الوزراء أشارا فيه إلى تركيز المحادثات على استمرار التنسيق بين الحكومة والبنك المركزي فيما يتعلق بإتاحة الموارد الدولارية اللازمة لتدبير السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج المطلوبة للقطاع الصناعي، وأن زيادة الاحتياطات من النقد الأجنبي، تحتل أولوية قصوى للطرفين.

وفسر الخبير الاقتصادي هاني جنينة استمرار أزمة البحث عن الدولار، بوجود فجوة كبيرة في كمية الدولار المطلوبة، والمعروضة لدى البنوك، مشيراً إلى أنّ الفجوة نتجت عن عدم التوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، حول إقراض الحكومة، 3 مليارات دولار، حتى الآن.

وقال جنينة لـ"العربي الجديد" إن الحكومة تسرعت في تنفيذ التعويم الثالث، قبل أن تحصل على القرض الجديد، بما صعد من أزمة الطلب على الدولار، بينما كان الاحتياطي غير كاف لمواجهة هذا الطلب، ولم تحصل تدفقات استثمارية كافية لمواجهة تلك الاحتياجات.

وأضاف أنّ الحكومة عندما اتخذت قرار تعويم الجنيه في نهاية 2016، لم تواجه الشح في العملة الصعبة، رغم أنّ الجنيه انخفض حينها من 8.50 جنيهات إلى 18 جنيهاً للدولار دفعة واحدة، لأنّ الشريحة الكبرى من برنامج الدعم الذي التزم صندوق النقد بتوفيره للحكومة المصرية كان قد وصل بالفعل، بما منع أزمة وجود دولار في الأسواق رغم ارتفاع قيمته.

وأرجع الخبير الاقتصادي المصري "تلكؤ صندوق النقد في توجيه القرض المنتظر منذ 7 أشهر، لعدم الاتفاق النهائي مع الحكومة على شروط القرض، لافتاً إلى وضع الصندوق 3 شروط أساسية لاستكمال القرض، تشمل، بدء التخلص من ملكية الدولة لمشروعات اقتصادية تزاحم القطاع الخاص، ورفع القيود التي وضعها البنك المركزي على الاستيراد السلعي والتخلص من برنامج الدعم السلعي والتوجه نحو الدعم النقدي للطبقات الفقيرة وغير القادرة على الكسب.

وتابع أن الدولة التزمت بالشرطين الأوليين، لكنها مازالت غير قادرة على تنفيذ الشرط الثالث لأسباب أمنية، إذ يتوقع أن ترتفع أسعار الوقود والخبز والسلع الأساسية التي ما زالت داخل شبكة الحماية الاجتماعية من الدولة.

وتوقع استمرار أزمة الدولار وتراجع الجنيه، طالما أنّ الدولة لم تتوصل إلى حل نهائي مع صندوق النقد حول الدعم السلعي، مع إمكانية تحقيق الاستقرار في الربع الثاني من عام 2023، عندما تتمكن الدولة من بيع الشركات التي وعدت بطرحها أمام المستثمرين العرب والأجانب.

وقال إنّ من المنتظر أن يوافق البرلمان على تغيير منظومة الدعم، بخاصة الطاقة والخبز، لتتبدل الأسعار شهرياً، وفقاً لحالة السوق، وتقديم تلك الحلول لصندوق النقد، كحلّ وسط للإفراج عن القرض الجديد، نهاية ديسمبر/كانون الأول أو يناير/كانون الثاني.

من جانبه، أعرب نائب رئيس جمعية رجال الأعمال، مصطفى إبراهيم، في حديث مع "العربي الجديد" عن مخاوفه من استمرار أزمة طال انتظار انفراجها، مؤكدا توقف معظم المستثمرين عن العمل وتعطل المشروعات في ظل حالة عدم استقرار وتضخم، وتوقف عمليات البيع والشراء إلا لضرورة قصوى.

وقال إبراهيم إن هناك توقعات بأن يظل الدولار مرتفعاً، ليصل إلى الحدود الحقيقية التي يتداول بها بين التجار، بما يتراوح ما بين 26 و27 جنيهاً، بينما البنوك ما زالت تدير الدولار بنفس النمط القديم، وتحدد سعره بنحو 24.5 جنيهاً وتشتري العملة الصعبة ولا تقدر على تدبيرها للمستثمرين والموردين.

في السياق، قال رئيس شعبة المواد الغذائية بالغرفة التجارية، عمرو عصفور، إنّ البنوك لديها تعليمات بتوفير الدولار، للإفراج عن السلع الاستراتيجية بشكل خاص ومنها الزيوت والسلع الغذائية التي يحتاجها المواطن يومياً ولا تتوافر محلياً، لافتاً إلى أنّ الافراجات تجري في حدود ضيقة، وفقاً لحجم العملة المتوافرة، وبنسب توزع على طلبات المستوردين، وليس بالكم المطلوب من الكافة.

وأكد عصفور لـ"العربي الجديد" أنّ حالة الركود التي تعاني منها الأسواق، بسبب تراجع قدرة المصريين على الشراء، وانخفاض قيمة الجنيه والدخل، مع ارتفاع الغلاء، أدى إلى انخفاض الطلب على الواردات.
وأشار إلى أنّ الأسواق دخلت حالة من الكساد، والأسر غير قادرة على مواجهة تحدياتها اليومية، ولذلك قللت من كميات الشراء لكافة السلع والخدمات، معرباً عن فقدانه الأمل في حدوث انفراجه في سعر الدولار وتوافره في البنوك خلال الأمد القريب.

وتسببت أزمة الدولار في أوضاع لافتة للسلع ولا سيما المعادن النفيسة. يوم الأحد الماضي، قال رئيس شعبة الذهب في غرفة القاهرة التجارية هاني ميلاد، في تصريحات صحافية، إنه رغم تراجع سعر الذهب عالمياً إلّا أنّ تراجع المعروض في السوق المحلية وزيادة سعر الدولار أدى إلى صعوده لأرقام قياسية.

وتوقع ميلاد أن تستمر حالة التذبذب لفترة، نتيجة عدم تراجع سعر صرف العملة الأميركية أمام الجنيه.

ورصدت "العربي الجديد" إقبال شرائح من ذوي الدخول فوق المتوسطة والمرتفعة على شراء الذهب الخام، والسبائك، باعتباره وعاء للادخار في ظل عدم قدرتهم على الحصول على الدولار وتدهور الثقة في قيمة الجنيه. وبلغ سعر جنيه الذهب نحو 11.6 ألف جنيه والغرام عيار 21 الأكثر شعبية 1250 جنيهاً.

وتوقع خبراء اقتصاد أن يواجه الجنيه المزيد من التدهور في الأيام المقبلة، مع عدم قدرة النظام على تخفيف قبضة الحكومة والأجهزة الأمنية على الاقتصاد.

وأشار الخبير الاقتصادي روبرت سبرينغبورغ في دراسة نشرها في دورية أفريكان بيزنس، قبل أيام، إلى خوف الحكومة من ردة الفعل الشعبية العنيفة أدت إلى ابطائها أي تغييرات كبيرة في الهيكل الاقتصادي للبلاد، رغم تأييدها الواسع للخصخصة وإجراءات التقشف المالي.

وقال الخبير الذي شارك في اجتماعات كوب 27، الأسبوع الماضي، إنّ البيانات المتفاوتة التي تقدمها الحكومة لصندوق النقد والمؤسسات الدولية حول قيمة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، وتلكؤها في خصخصة شركة مياه صافي، والوطنية للبترول، تظهر أنّ الحكومة المصرية ليست لديها نية تذكر لتخفيف سيطرتها على الاقتصاد.

وأضاف أنه رغم توجه صندوق النقد لصرف قرض بقيمة 3 مليارات دولار، لكنّ مصر بحاجة إلى 50 مليار دولار اعتباراً من الشهر الحالي وحتى نهاية العام المقبل 2023. تظل أزمة الدولار معلقة، وفق سبرينغبورغ، على أمل تدخل "الأصدقاء" من دول الخليج للإنقاذ بالتعاون مع بنوك إقليمية، مع تعهد الحكومة بتمرير صفقات الاستحواذ من قبل شركات عربية ودولية على الشركات العامة.
إقتصاد | المصدر: العربي الجديد | تاريخ النشر : الأربعاء 30 نوفمبر 2022
أحدث الأخبار (إقتصاد)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com