Akhbar Alsabah اخبار الصباح

قرصنة إلكترونية لأموال المنكوبين في غزة

قرصنة إلكترونية لأموال غزة جذبت صفحة تحمل اسم شخصية خليجية معروفة، على "فيسبوك"، انتباه الثلاثيني الغزي محمود عطية في إبريل/ نيسان الماضي، إذ ادعت تقديم إعانات إغاثية عاجلة للنازحين، فسجل إعجابه بها، وما هي إلا لحظات حتى تواصل معه من زعم أنه يمثل الشخصية المذكورة، وأنه مُنح مبلغ 700 دولار مساعدة عاجلة، وللحصول عليها لا بد من تصوير البطاقة الائتمانية (فيزا)، على الوجهين، "وياليتني ما فعلت"، إذ يقول عطية إنه بمجرد إرسال المطلوب، خسر مبلغ 500 دولار كانت في حسابه، ومعها ضاعت إمكانية شراء خيمة تقيه برد الشتاء.

في الشهر نفسه، دخلت الطبيبة حنين قشطة، عبر إعلان ممول إلى صفحة أحد البنوك العاملة في فلسطين، إذ كانت ترغب في نقل تطبيق الحساب الخاص بها إلى هاتف ذكي جديد، وهو أمر لا يمكن أن يحدث من دون التواصل مع خدمة العملاء، ولذلك طلبت المساعدة، وتلقائياً حُولت إلى شخص ادعى أنه موظف في البنك، وطلب منها التواصل مع رقم هاتف زودها به، ومن ثم إرسال بيانات ستصل إليها عبر رسائل نصية، وهو ما حصل، وعقب خمس دقائق فقط من تحويل "كود وكلمة سر" وصلت رسائل نصية إلى هاتفها تفيد بسحب مبلغ سبعة آلاف دولار أميركي وتحويله، وتقول لـ"العربي الجديد": "تقدمت بشكوى لدى قسم الجرائم الإلكترونية في غزة، وأخبروني أنه يعمل، ولكن بإمكانات محدودة وفي أماكن متنقلة حتى لا يتعرض للقصف، مع ذلك حُدّدَت هوية اللص، وكان من غزة، وبعد جهود كبيرة استعدت جزءاً صغيراً من المبلغ، وما زلت ألاحقه عائلياً للحصول على الباقي".

استغلال النمط المالي الجديد
تسبب العدوان الإسرائيلي على غزة في تدمير 93% من فروع المصارف العاملة في القطاع، بحسب البنك الدولي الذي ذكر نهاية العام الماضي أن الحرب الإسرائيلية دمرت أيضاً 88% من مؤسسات التمويل الأصغر ومؤسسات الصرافة، و88% من شركات التأمين. بالتالي، وجد الغزيون أنفسهم أمام نمط مالي صار هو الأكثر انتشاراً بعد حرب الإبادة الإسرائيلية التي أجبرتهم على اللجوء إلى تطبيقات بنكية، وتعاملات مالية إلكترونية، يجهلون الطريقة الصحيحة للتعامل معها، ما شكل فرصة سانحة للصوص والمحتالين، الذين استغلوا الأمر لقرصنة حسابات الناس، كما يرصد الباحث في الشأن الاقتصادي ومدير صفحة "بلا نقود" المحلية، محمد أبو جياب، مشيراً إلى أن الفراغ المصرفي الذي خلفته الحرب، وشيوع الدفع عبر التطبيقات البنكية، خلقا عصابات متمرسة، أنشأت صفحات وهمية ومزورة تنتحل صفة البنوك وتدعي حل مشكلات يومية مثل تفعيل التطبيق، أو عمله على أكثر من جهاز، أو تعديل سقف السحوبات اليومية، ومن هنا بدأت السرقة، يضيف أبو جياب.

إضافة إلى ما سبق، يشير سمير أبو مدللة، أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة، إلى مشكلة قائمة منذ ما قبل الحرب تتمثل بضعف البنية التحتية الرقمية في القطاع، جراء الحصار والقيود على إدخال المعدات وتكرار حالات انقطاع الكهرباء والإنترنت، ويتفق أبو جياب معه، مشيراً إلى أن التعامل المالي الرقمي قبل الحرب كان محدوداً لا يتجاوز بين 5 و10% من إجمالي التعاملات، فيما زاد الاعتماد عليه، ليصل إلى 90% خلال الحرب.

أين تُحوَّل الأموال المنهوبة؟
يؤكد مصدر في شرطة غزة رفض الكشف عن هويته حتى لا يستهدفه جيش الاحتلال، أنه بعد التعامل مع مئات الشكاوى، اتضح أن 90% من اللصوص موجودون خارج القطاع، إذ تُحوَّل الأموال المسروقة إلى ثلاث جهات رئيسية، هي الضفة الغربية، والأردن، وتركيا. لذا، يرى أبو جياب أن استعادة الأموال أمر شبه مستحيل في ظل الظروف الحالية وحصار غزة.

خلال الأشهر الثلاثة الماضية حققت دائرة الجرائم الإلكترونية في 250 شكوى لضحايا سرقة حسابات بنكية، وأُنجِز بعض هذه القضايا وحُلَّ، إذ وقعت داخل غزة، كما يؤكد مصدر في إدارة المباحث العامة، مشيراً إلى أن معظم السرقات كانت من خارج حدود القطاع، وبالتالي لا يمكن الوصول إلى المتورطين، لعدم وجود تعاون حالي مع أي جهة أمنية خارجية.

ولهذا تتفاقم الظاهرة، يقول الدكتور أبو مدللة، فغزة بيئة منهارة تقنياً، وهذه العصابات تستغل الفراغ السياسي والأمني، وتجمع بيانات مالية أو شخصية من الضحايا، تمكنها من اختراق حساباتهم، وهو ما لفت انتباه الجهات الأمنية التي رصدت انتشار إعلانات مموّلة على فيسبوك وإنستغرام تدّعي تفعيل حسابات باي بال أو حل مشكلات فنية في تطبيقات مالية، كما يؤكد مصدر في قسم الجرائم الالكترونية في شرطة غزة.

تصاعد عمليات الاحتيال المالي
تصاعدت عمليات الاحتيال المالي الإلكتروني في مختلف الأراضي الفلسطينية، بالتوازي مع التوسع السريع في استخدام الخدمات المالية الرقمية، كما يؤكد مركز "صدى سوشال"، المتخصص في رصد الانتهاكات الرقمية وتوثيقها، في ورقة بحثية أصدرها في 14 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بعد تصاعد مقلق في عدد حالات الاحتيال الموثقة خلال النصف الأول من عام 2025 ليصل إلى 1608 حالات، مقارنة بـ 786 حالة في الفترة نفسها من عام 2024، وفق بيانات صادرة عن سلطة النقد.

وتؤكد الورقة البحثية أن القيمة المالية لعمليات الاحتيال الإلكتروني المصرفي الموثقة بلغت 4.611 ملايين دولار خلال النصف الأول من 2025، مقابل 2.476 مليون دولار في الفترة المقابلة من العام السابق، في وقت ارتفع فيه عدد عمليات الدفع الإلكتروني إلى نحو مليون عملية شهريًا خلال 2025، مقارنة بـ1.6 مليون حركة فقط خلال عام 2024 عبر منصة واحدة (e-Sadad).

هذا التسارع دفع البنوك العاملة في فلسطين إلى محاولة حماية حسابات العملاء، عبر وضع طبقات أمان إضافية، وتوعية العملاء بكيفية التعامل مع التطبيقات، وكل حوالة أو معاملة إلكترونية يرغب العميل في القيام بها، تتطلب عدة خطوات، أهمها إرسال رسالة تحوي "كوداً مؤقتاً"، لإتمام العملية، وهذا يعني أن الحوالة لا تتم إلا بامتلاك بيانات الحساب، وتلقي الرسالة النصية على الرقم نفسه المعتمد لدى البنك، ومع كل رسالة يُرسَل نص تحذيري بعدم مشاركة البيانات مع أي جهة، كما يؤكد مصدر مصرفي مطلع في غزة رفض الكشف عن هويته، نظراً لأنه غير مخول بالحديث للإعلام.

قراصنة محترفون
أخيراً ظهر نوع جديد من القرصنة في المتاجر ومحلات بيع البضائع داخل غزة، تحديداً التي يطلب مالكها رؤية إشعار تحويل المبلغ "ثمن السلعة"، من حساب المشتري إلى حسابه، إذ تجري برمجة تطبيقات مشابهة لتلك الحقيقية، على أن تولد إشعارات تحويل زائفة بعد تزويدها بالمعلومات عن صاحب الحساب المراد التحويل له، ليعرض المشتري الإشعار الذي يتطابق شكلاً مع إشعار التحويل الرسمي، فيأذن البائع له بأخذ السلعة، بعدما يظن أن قيمتها دخلت إلى حسابه، كما يوضح خبير البرمجيات المهندس عبد الله عقل، الذي يعمل في قسم الحاسوب بوزارة الصحة بغزة، مضيفاً أنه يمكن تسمية الظاهرة بـ"الإشعار الصفري" كناية عن أنه لا ينتج من عملية تحويل مالي حقيقية، وهو ما نجا منه البائع خالد رمضان، إذ شك في صحة الإشعار، وطلب من المشتري الانتظار ليفحص الحوالات الواردة إلى حسابه عبر تطبيق مثبت على الهاتف الذكي، فلم يجد التحويل، وهو ما دفعه إلى مواجهة المشتري، الذي غادر المكان مسرعاً.

يؤكد ما سبق أن سرقة الأموال وقرصنتها إلكترونياً تحولتا من عمل فردي عشوائي إلى أداء عصابي منظم، ويتضح ذلك لدى فحص تلك الصفحات، إذ يغلق المتورطون نافذة التعليقات على إعلاناتهم الممولة، بعدما أصبح الضحايا ينشرون عبارات تحذيرية، لها تأثير كبير في إفشال مهمتهم، ولذلك يجب تنظيم حملة بلاغات ضد الصفحات المزورة حتى تغلقها إدارة مواقع التواصل الاجتماعي، يضيف عقل.

المسؤولية الفردية
في ظل الأوضاع الحالية التي يعيشها قطاع غزة، يقع العبء الأكبر من عملية مواجهة الظاهرة على الجمهور، إذ يؤكد المصرفي السابق، أن البنوك لا تتعامل عبر صفحات مواقع التواصل، ولها بيانات تواصل رسمية على مواقعها الإلكترونية وتطبيقاتها الموثوقة، ولا يحق لأي شخص طلب حسابات وأرقام سر مصرفية حتى موظف البنك، لأنها من أبرز خصوصيات العميل، وفي حال تجاهله ما سبق، لا بد أنه سيقع في شراك المحتالين، وهو ما يؤكد استطلاع رأي ميداني غير قياسي شمل 10 من ضحايا قراصنة الأرصدة، إذ أكد جميعهم وقوعهم ضحية الإعلانات الممولة على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما أكد 8 من المستطلعة آراؤهم أنهم تواصلوا مع الإعلانات لاعتقادهم أنها تمثل البنوك، ومن خلالها يمكن حل مشكلات تتعلق بالتطبيقات البنكية، بينما أكد 2 من المشمولين بالاستطلاع انسحابهم من التواصل مع الشخص الذي ادعى تمثيل البنك، بعدما راودتهم شكوك إثر طلب معلومات سرية. وذكر 8 ضحايا أن خسارتهم راوحت ما بين ألف و10 آلاف دولار، وقال 7 منهم إنهم حاولوا استعادة الأموال وفشلوا، بسبب وجود اللصوص خارج القطاع.

يتفق الدكتور أبو مدللة مع نتائج الاستطلاع، مشدداً على أهمية المسؤولية الفردية في التصدي لهؤلاء القراصنة، ولذا يحذر من استمرار استخدام هواتف متهالكة أو قديمة وغير محدثة أو مصابة ببرامج اختراق وكذلك الاعتماد على شبكات Wi-Fi عامة، لدى إجراء المعاملات الإلكترونية في زمن الحرب، وما يشهده من غياب الرقابة التقنية بسبب الوضع المتردي جراء استهداف جيش الاحتلال لغزة ومقدراتها المدنية.
إقتصاد | المصدر: العربي الجديد | تاريخ النشر : الأحد 21 ديسمبر 2025
أحدث الأخبار (إقتصاد)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com