Akhbar Alsabah اخبار الصباح

مركب رشيد ..قصة وطن أغرقه جيشه

مركب رشيد يسرقون رغيفك.. ثم يعطونك منه كسرة ثم يأمرونك أن تشكرهم.. يا لوقاحتهم
بتلك العبارة البليغة، أراد الروائي والصحفي الفلسطيني "غسان كنفاني" أن يصف ما يفعله الإحتلال الصهيوني البغيض في بلاده، حمدا لله أنه استشهد على يد المخابرات الصهيونية عقب تفجير سيارته في العام الــ 72، قبل أن يرى الإحتلال العسكري لمصر بقيادة عبد الفتاح السيسي وهم يسرقون رغيف المصري، ويقتلون ابنه ويعتقلون أخيه ويهدمون بيته في سيناء ثم يأمرونه ان يرفع البيادة فوق رأسه ويغني لهم تسلم الأيادي!!

خرج علينا المتحدث العسكري متبجحا يعلن في العاشرة مساء أنه أحبط عملية هجرة غير شرعية ، كانت تحاول الهروب من البلاد، لم يقل لنا كيف أحبطها، لكننا علمنا بعد ذلك أن المركب غرقت قبلها بيوم كامل، أطلقت الإستغاثات في الخامسة فجرا، وعلى بعد عشرات الأمتار منها تقف وحدة عسكرية مصرية، رفضت أن تغيثها او ترسل لها قوارب الإنقاذ، وطبقا لشهادات أهالي رشيد ، منعوا الصيادين حتى من الذهاب إليها لإنقاذ الأحياء، ساعات عدة قضاها ما يزيد عن 400 مسافر غير شرعي عبر مركب رشيد يصارعون الموت والأمواج، فقضى نحبه قرابة المئتين.

جيشنا العظيم الذي يحكم قادته البلاد، ويسيطر على كل شيء في مصر من أراضي ومناجم ومحاجر وآبار بترول و ثروات ومقدرات، والذي يتولى بنفسه مهمة كل شيء، من تصنيع المكرونة والسمن والصلصة وكعك العيد لبيع اللحوم و المنتجات الغذائية وألبان الأطفال، الذي يتولى جنرالاته مهمة إدارة كل شيء بدء من المحافظين في مختلف المحافظات للحقائب الوزارية مرورا برئاسة المؤسسات الحكومية والمجالس المحلية إلى إدارة حديقة الحيوان، لم يكتف بإغراق مركب رشيد (بدعوى إحباط محاولة الهجرة بها)، بل أمعن في قتل من كان يمكن أن يتم إنقاذه منهم، ويدخل في عداد الأحياء، وعلى مدار ثلاثة أيام، تبقى محاولات الأهالي بما يملكون من إمكانات ضعيفة، يجاهدون بها لنقل جثامين ابنائهم من المياه، ليحصلوا فقط على أبسط حقوقهم كبشر، في أن يدفنوا تحت التراب.

الأدهى والأمر أن جيشنا لم يكتف بهذا كله، بل أخرج بيانا يريد به أن يشكره الشعب على هذا الإنجاز، يا لجنونهم!!

لم تتوانى فضائيات الإعلام المصري عن دفع الناس دفعا للهروب من مصر، وتحت شعار "اللي مش عاجبه البلد يغور" عزفت سيمفونيات الإعلام المنحط، الكائن أسفل نعل حذاء عسكري ضخم، وفي قرى مصرية افتقدت لأدنى مقومات المعيشة الآدمية، حيث بيوت من صفيح تعوم فوق برك من مياه الصرف، يعاني أهلها شظف العيش، تنقطع عنها الكهرباء بالساعات، وتشرب مياه مخلوطة بكل أنواع الملوثات.
أراد شباب أن يلبي رغبة أذرع السيسي الإعلامية و"يغور" من البلد، لكن من أين له بوثيقة سفر، يرى بعينيه زميله يسقط قتيلا بطلقة في رأسه، لأنه طالب الباشا أمين الشرطة بثمن كوب الشاي، فدفع حياته وحياة زميله مقابل "واحد جنيه مصري لا غير" (مقتل عامل شاي وزميله بالرحاب في 19أبريل 2016)

وآخر أصيب برصاص في خصيته لمجرد رفضه سباب الضابط له بأمه، فأطلق عليه الأخير النار قائلا: يا تعيش "مرة" مثل أمك يا تموت (سائق ميكروباص النزهة في 29 أبريل من نفس العام) لم يقبلوا هم العيش كأمهاتهم، وأرادوا فقط الحياة بكرامة، لكن في مصر العسكر؟! أين؟! أين هي الكرامة؟!

أين تجدها في طوابير الخبز والتموين؟ أين تجدها في حافلات للنقل المهين؟!
أين تجدها وأنت تعيش في أعشاش وخرابات من صفيح؟!
أين الكرامة وأنت لا تجد قوت يومك؟!
أين الكرامة وأنت لا تملك واسطة تضمن بها حقك؟!

يبيع الرجل أثاث بيته كي يدفع ثمنا لسفر ابنه في هجرة غير شرعية عبر مراكب الموت، يعلم جيدا أنه قد يموت، ومع ذلك يقرر أن يشتري له بكل ما يملك فرصة وحيدة، لو عاش بعدها أن يعيش كإنسان، وبالأساس لديك في مصر ألف طريقة وطريقة للموت يقدمها لك النظام، فلو لم تمت بالأمراض والأوبئة من شرب المياه الملوثة أو تناول المحاصيل التي رويت بمياه صرف من فواكه وخضروات، ستموت من الفساد والإهمال داخل وحدات صحية متهالكة ومستشفيات تفتقد لأبسط الأساسيات، وإذا لم تمت تحت التعذيب داخل السجون وأقسام الشرطة على يد الضباط والأمناء، ستموت مشنوقا بحكم إعدام جماعي يخرج من فوق منصة للقضاء، حكم سيصدر في يومين بدون أدلة أومرافعات، وإذا نجوت من هذا كله، فسيأتيك الموت من بين قضبان السكك الحديدية أو على الطرقات ، في دولة هي الأولى في العالم في حوادث السيارات والقطارات.

لم يطلب شباب مركب رشيد الموت، بل فقط اختاروا له طريقة، رأوا أنها الوحيدة التي تمنحهم الفرصة؛ لنيل كرامتهم في الحياة.
سياسة | المصدر: شرين عرفة | تاريخ النشر : الأحد 25 سبتمبر 2016
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com