Akhbar Alsabah اخبار الصباح

حرب الجواسيس تنتشر في ليبيا

حرب الجواسيس بالنسبة للجالسين في الأبنية المكيفة، خلف مكاتبهم الفخمة، وكراسيهم الوثيرة، فإن اتخاذ قرار أو انتقاد آخر، عملية في غاية السهولة، إذ يكفي أن تخضعها للحسابات المجردة والنظريات الصماء والفروض العقلية، ومن ثم تخرج بالنتيجة مثل أي تجربة معملية تخضع لحسابات تثبيت عوامل وتغير أخرى . عملية سهلة جعلت من مهمة التحليل السياسي والتنظير الاستراتيجي مهنة من لا مهنة له، والفضائيات خير مثال على ذلك، فالشاشات تضج يوميا بعشرات ومئات الخبراء والمتخصصين في شتى المجالات، لا يشفون غليلا ولا يقدمون حلولا، ولا يضعون تصورا صحيحا، فقط مكلمة فارغة . في حين أن الذي يحدد المصير ويتخذ القرار، هم الواقفون في أرض الميدان، والمدركون لحقيقة الأمور وطبيعة الأوضاع على أرض الواقع، وهم وحدهم من يحق لهم الكلام، ويتوجب على غير الاصغاء والاهتمام.

الشأن الليبي اليوم يتم التعامل معه من هذا المنطلق البيزنطي العقيم. ففي الوقت الذي مازالت القوى السياسية تتشابك وتتجادل عن طبيعة المرحلة المقبلة، وأولويات العمل فيها، وشكل السلطة وتقسيماتها وتنظيم العلاقة بين أجزائها، ومن صاحب السلطة الحقيقية، البرلمان أم الحكومة أو المجلس العام، إلى آخر هذه الترهات السياسية العقيمة، يستعد الأمريكان وحلفاؤهم الأوروبيون للتدخل العسكري مرة أخرى في ليبيا من أجل مكافحة الارهاب على حد وصفهم، متجاهلين التحذيرات القوية بالتداعيات الخطيرة لمثل هذه الخطوة الجريئة.

جواسيس أمريكا:

فقد كشف مسؤولون أمريكيون أن قوات أميركية خاصة تمركزت في موقعين في شرق وغرب ليبيا منذ أواخر عام 2015، كُلفت بكسب شركاء محليين قبل هجوم محتمل ضد "تنظيم الدولة". ويتولى فريقان من حوالي 25 جنديا حول مدينتي مصراتة وبنغازي مهمة تحديد الحلفاء المحتملين من المجموعات المسلحة المحلية وجمع المعلومات الاستخباراتية عن التهديدات، أو بعبارة أخرى "تجنيد عملاء وجواسيس".

وقد وضع البنتاجون، على مدى أشهر، خطط تدخل محتمل ضد التنظيم، الذي يضم عدة آلاف مقاتلين في مدينة سرت الساحلية وغيرها من المناطق. ويكشف وجود موظفين أميركيين، الذين لم يُبلَّغ سابقا عن وجودهم المستمر، عن تحركات متسارعة تحضيرا لحملة عسكرية جديدة في ليبيا، كما إن إرسال فريق عسكري يُظهر مدى اعتماد أوباما على وحدات النخبة في تحقيق أهداف مكافحة "الإرهاب" في ما يعرف بـ"عمليات المناطق التي تتميز بانخفاض مستوى الرؤية" وهو ما يعني بعبارة أخرى ندرة الجواسيس والعملاء في هذه المناطق.

والأخطر من ذلك إن عمليات "فرق الاتصال" الأمريكية كما يسمونها تجري بالتوازي مع قوات نخبة حليفة من فرنسا ودول أوروبية أخرى في المناطق نفسها. ويأمل المسؤولون في الغرب أن يكون لهذه القوات الخاصة أثر كبير في فعالية القوات المحلية، في مهمة شبيهة بقوات العمليات الخاصة في سوريا، التي تحاول توجيه عمليات المعارضة ومساعدتهم على الاستفادة من القوة الجوية الخارجية بينما تزحف على مواقع تنظيم الدولة بليبيا.

القوات الأمريكية التي انتقلت إلى ليبيا في الربيع الماضي وأنشأت مواقعها هناك، بدأت تجني ثمار العلاقات مع جماعات حشدتها لهجوم محتمل ضد تنظيم الدولة في معقله في سرت. ورفض المتحدث باسم وزارة الدفاع بيتر كوك تقديم معلومات محددة عن فرق التقييم الأميركية، لكنه قال إن العسكريين يجتمعون دوريا مع مجموعة متنوعة من الليبيين في محاولة لمساعدتهم على إعادة تأسيس بيئة سليمة وآمنة، قائلا: أن المهمة الأساسية للبعثة هو تحديد المجموعات العسكرية التي سوف تعلن تأييدها لحكومة الوحدة الوطنية الجديدة الهشة، وتقييم الأوضاع الأمنية، بحيث يمكن للولايات المتحدة أن تتحرك بأفراد إضافيين في بيئة أكثر أمانا، إذا ما توسعت المهمة.

بعبع تنظيم الدولة بين الحقيقة والخيال:

ترقب حذر، وهدوء ربما يسبق العاصفة، هكذا تبدو الأوضاع في ليبيا بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني بقيادة فائز السراج والتي بدأت عملها رسميًا من العاصمة طرابلس أواخر شهر مارس الماضي. حكومة السراج التي جاءت في وقت عصيب تمر به ليبيا والمنطقة العربية بأسرها رآها مراقبون بداية نهاية الخلافات الأهلية الليبية، وبداية التوحد، ولكن ليس لتجاوز خلافات الماضي وبناء الدولة الليبية من جديد ، ولكن التوحد من أجل محاربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر فعليا على أجزاء من غرب ليبيا وأعلن من خلال ذلك عن تمدده الفعلي في القارة الإفريقية واتخاذ المناطق الواقعة تحت سيطرته منطلقا أو بالأحرى قاعدة لعملياته المستقبلية في المنطقة ، مما حدا بالجالسين على التلة من أسيري المكاتب المكيفة للقول بأن التنظيم قد أصبح يمتلك عدة منصات في شمال أفريقيا يستطيع أن يقصف بها من يشاء من خصومه الإقليميين والدوليين، مما يجعل مسألة قتاله ومحاربته أولوية قصوى.

ولكن من يقف على أرض الواقع في ليبيا، والمتأمل في مسيرة تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا على مدى نحو سنتين من إعلان وجوده الرسمي فيها، سيلاحظ أن الأخير لم يخرج عن قاعدة الكر والفر والتمدد والتقوقع في أغلب الأحيان، حيث إن الفرع الليبي للدولة خسر أجزاءً متفرقة من الأراضي التي كان يسيطر عليها خلال الفترة الأخيرة، فبعد هزيمته في أجزاء واسعة من بنغازي خلال الأشهر الماضية، جاء الدور على هزيمته المدوية في مدينة درنة بعد معركة عنيفة مع مجلس شورى مجاهدي درنة "الموالي" لتنظيم القاعدة.

خروج التنظيم من بنغازي ودرنة وانحصاره في مدينة سرت وغرب ليبيا، حقيقة تؤكد على أن ثمة تضخيم متعمد لحجم وقوة التنظيم في ليبيا ليكون ذلك ذريعة للتدخل الخارجي في ليبيا. فالفرع الليبي لتنظيم الدولة هو الجناح الضارب للدولة الإسلامية، يتراوح عدد مقاتليه بين الـ6 والـ10 آلاف مجهزين بأسلحة نوعية تركها نظام معمر القذافي فاستولوا عليها، وقد فشل التنظيم في الاحتفاظ بمواقعه، وخسر معظم معاركه ضد تنظيم القاعدة هناك، وبالتالي فإن الحديث عن بعبع التنظيم وقوته وانتشاره له أهداف أخرى.

حكومة وفاق وطني أم استدعاء للخارج:

لم تشهد ليبيا الاستقرار الغربي المنشود بعد سقوط القذافي ومقتله، بل سرعان ما انقسمت البلاد إلى جبهتين متصارعتين أحدهما في طرابلس العاصمة وهو المؤتمر الوطني الليبي العام، والآخر في طبرق وهو برلمان طبرق المنحل بحكم محكمة الدستورية العليا في ليبيا، ولكل منهما ذراع عسكري. هذا الخلاف الليبي الداخلي لم ينجح الغرب في فرض تصوراته عليه رغم دعمه خفية لجبهة طرابلس وحفتر، من أجل إقرار واقع يضمن المصالح الغربية في البلاد، لكن قوة طرف الإسلاميين هذه المرة في ليبيا لم تجعلهم لقمة سائغة بين تحالفات الثورة المضادة في المنطقة، ومن ثم لجأ الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة وإيطاليا إلى التلويح بالحل العسكري تحت ذريعة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا. وحكومة السراج الذي جاءت بتوافق دولي قبل توافق ليبي لن تتواني عن استدعاء الغرب لمحاربة التنظيم تحت لافتة مكافحة الارهاب، بل أستطيع أن أجزم بالقول أنها ما جاءت إلا بناء على هذه الخلفية الاستراتيجية ، ولا تستطيع أن تعترض أو تمتنع، وهذا هو السيناريو المفضل لدى الأمريكان والغرب الذين ما زالوا يتمسحون في المواثيق ويتحججون المعاهدات الأممية من أجل تبرير عدوانهم على بلاد العالم الإسلامي.

والتدخل الأجنبي في ليبيا يعني بالضرورة بالنسبة إلى الليبيين استعمارًا جديدًا وإن ادعت القوى الغربية أنه في إطار الحرب على الإرهاب ، لذلك رفضت فصائل ليبية مسلحة الموافقة عليه بل وأكد البعض أنه سيقاتل أي قوات أجنبية تدخل الأراضي الليبية . ورغم تباين مواقف الليبيين حول هذا التدخل العسكري، إلا أن حكومة الوفاق التي يقودها فائز السراج، لن تتأخر في طلب أممي بالتدخل من أجل محاربة الإرهاب والذي يتمثل أساسًا من وجهة النظر الغربية في 3 جماعات هي على التوالي "تنظيم الدولة الإسلامية" و"أنصار الشريعة" الليبية و"مجلس شورى مجاهدي درنة"، فبعض التقارير الإعلامية كشفت أن الخطط رسمت وأن التحالف الدولي الجديد ينتظر فقط الإشارة للانطلاق في قصف سرت وبنغازي ودرنة ، وذلك بعد انتهاء عملية تجنيد العملاء والجواسيس المستمرة من العام الماضي حتى كتابة هذه السطور.

هل يصمد الاعتراض التونسي والجزائري؟

التدخل الخارجي في ليبيا سيؤدي إلى مزيد من الخراب والدمار والإرهاب، ولهذا كانت تونس و الجزائر من أشد الرافضين لهذا التدخل الغربي. فقد قال وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني إن بلاده لن تقدم دعمًا لأي تدخل عسكري ضد ليبيا، مشيرًا إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية لا يشكل خطرًا مباشرًا على تونس .وقال إن تونس طالبت التحالف الدولي بضرورة الحصول على موافقة الحكومة الليبية والتنسيق مع دول الجوار في حال اعتزامه التدخل العسكري في ليبيا ، لتأثيرات هذا العدوان على دول الجوار . من جهته أكد الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي أن حل الأزمة الليبية يمر عبر الاتفاق السياسي واستخدام إمكانيات المجموعة الدولية وأهمها دول الجوار، وأوضح أن أي اقتراح حل في ليبيا يجب أن يكون عبر اتفاق بين الدول المجاورة لهذا البلد الشقيق ، مشيرًا إلى أن التفكير في التدخل العسكري في ليبيا يجب أن يراعي مصالح الدول المجاورة وفي مقدمتها تونس . في حين أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة التونسية خالد شوكات أن التدخل العسكري إن تمّ في ليبيا سيكون ارتداده على الدولة أمنيًا وإنسانيًا واقتصاديًا، مشيرًا إلى أن تونس اتخذت عدة تدابير وقائية تتعلق بتأمين الحدود عسكريًا وأمنيا تحسبًا لإمكانية حدوث تدخل خارجي . أما الرفض الجزائري فهو من منطلق خبرة وتجربة مريرة هي الأكبر والأفظع في دول المنطقة في التعامل مع أمثال هذه الملفات التي تعلم جيدا جدا مآلاتها وتداعياتها الحمراء . ولكن رغم كل هذه الاعتراضات فمن المتوقع ألا تصمد طويلا خاصة وأن الإعدادات للهجوم الغربي قد وصلت إلى مراحلها الأخيرة.

أيام وربما أسابيع وعلى الأكثر شهور، ريثما تنتهي عملية حرب الجواسيس وتجنيد العملاء، وسنرى مشهد العراق 2003 يتكرر مرة أخرى في ليبيا، من أجل إعادة إنتاج سيناريو الاخفاق العراقي الكبير في الشمال الأفريقي، ولكن بصورة أكثر تدميرا وتفتيتا ، فالتداعيات والتأثيرات لن تقتصر على الداخل الليبي فالتشظيات والانشطارات ستطال مصر وتونس والجزائر، وفي هذه الأجواء العارمة من الفوضى في الشمال الأفريقي يمكن تمرير كافة المشاريع والمخططات الصهيونية التي ظلت عصية على التنفيذ، وغير قابلة للتطبيق، وفي مقدمتها هدم الأقصى، وقيام إسرائيل الكبرى، وربما كان ذلك في عام 2017 الذي يتنادى به اليهود في العالم منذ فترة أنه عام إقامة الهيكل وقيام إسرائيل الكبرى.
سياسة | المصدر: شريف عبدالعزيز - مفكرة الإسلام | تاريخ النشر : السبت 14 مايو 2016
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com