Akhbar Alsabah اخبار الصباح

المؤسسة العسكرية وبيزنس السلطة

المؤسسة العسكرية أثار قرار قائد الانقلاب العسكري "عبدالفتاح السيسي"، بالسماح للجيش لإقامة شراكات استثمارية متحررة من كل قيود الجنسية والمدد الزمنية مع مستثمرين أجانب أو مصريين، للتصرف في الأراضي والعقارات التي كانت تشغلها القوات المسلحة ثم قررت إخلاءها، حالة من الجدل فى الداخل المصري ، حيث أشارت جريدة "العربي الجديد" إلى أن ذاك القرار يخالف العقيدة العسكرية المصرية التي كان أحد أركانها رفض تمليك أراضي الدولة لغير المصريين، وأحياناً لغير الشركات الحكومية المصرية، تأكيداً على حق الأجيال المقبلة فيها.

وبذلك يبدأ عصر جديد يتحوّل فيه الجيش من مؤسسة وطنية لا تعتمد إلا على أبنائها، إلى مؤسسة استثمارية لا تجد غضاضة في الشراكة مع أجانب، أياً كانت جنسياتهم، لا سيما أن القرار خلا من أي قيد يحدد جنسيات الأجانب الذين من الممكن للجيش المساهمة معهم، وخلا كذلك من أية آلية رقابية على عقود الشراكة هذه.
خطاب الحقبة الناصرية الذي ما زال مسيطراً على أدبيات القوات المسلحة ويتلى على المجندين الجدد في المعسكرات، وعلى الطلاب في الدورات العسكرية بالجامعات، يتناقض مع اتجاهات السيسي، فأصبح الحل النهائي للقضية الفلسطينية هو العودة لحدود الرابع من يونيو 1967 وليس على اعتبار أن الكيان الصهيوني عدو مطلق، وتحوّلت الحساسية والتوجس تجاه العناصر غير المصرية في المجال الاقتصادي إلى ترحيب بشراكات من دون شروط مع الأجانب من جميع الجنسيات.
ومنذ صعوده إلى السلطة، أحاط السيسي نفسه بمجموعة تتشكّل أساساً من نخبة عسكرية جديدة، أفرادها زاملوه خلال مراحل عمله المختلفة في الجيش، أبرزهم صهره رئيس الأركان الحالي محمود حجازي، ومدير مكتبه عباس كامل. وهم ينتمون لطبقة عسكرية تشكّلت في عهد المخلوع حسني مبارك، واستفادت أكثر من الأجيال السابقة بانفتاح الجيش على السوق والاستثمارات، وهو ما تزامن مع تراخي قبضة الدولة المتحكمة في الخدمات والسلع والصناعات الأساسية، وصعود رجال الأعمال للمناصب الحكومية، وتوقيع اتفاقيات الجات والكويز والتبادل التجاري مع الكيان الصهيوني .
دشن مبارك في بداية عهده حجر أساس البناء الاقتصادي للجيش، فسمح له بتأسيس شركات وجمعيات ربحية وصناديق خاصة، وجعل ميزانيته "رقماً واحداً"، ونأى به عن آليات الرقابة التقليدية على المال العام كالجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية، بل حوّل الهيئة الأخيرة إلى مستودع لتوظيف ضباط الجيش السابقين أو الحاليين الذين ابتعدوا لسبب أو آخر عن العمل الميداني.
وفي العقدين الأخيرين من عهد مبارك، توسّع الجيش في اقتصاده الموازي لاقتصاد الدولة، فطرق مجالات السياحة والفنادق مستغلاً الأراضي المميزة التي كان الجيش يشغلها لأغراض تأمينية أو عسكرية في فترات الحروب، وبات جهاز الخدمة الوطنية التابع مباشرة لوزير الدفاع متحكماً في قسم كبير من سوق الوقود، حيث تبيعه محطات الجهاز "المقامة على أراضي الدولة" بالسعر العادي للجمهور، كما أنشأ الجهاز سلاسل "سوبر ماركت" ووحدات لبيع السلع التموينية.
وبالتزامن مع تنفيذ آليات الخصخصة، استحوذ الجيش على عدد غير معلوم حتى الآن من الشركات التي نشأت في كنف الشركات القابضة أو جهاز الاستخبارات في الحقبة الناصرية، وتم دمجها في جهاز الخدمة الوطنية أو جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة.
وتحققت النقلة النوعية الثانية لاقتصاد الجيش بعد انقلاب 3 يوليو 2013، فخلال العام الذي تولى فيه عدلي منصور الرئاسة، ممهداً لحكم قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، صدر تعديل لقانون المزايدات يسمح للهيئات ذات القوانين الخاصة، والتي من بينها الهيئات الاقتصادية للجيش، بالتصرف في الأراضي والعقارات التي تنوب عن الدولة في إدارتها بالأمر المباشر، من دون إجراء مزادات علنية أو مناقصات أو ممارسات حسبما ينظم القانون.
وقد تضمن قرار السيسي الأخير صراحةً تطبيق هذا الأمر على جهاز مشروعات أراضي الجيش والشركات التي سينشئها. ثم أدخل تعديلاً آخر على القانون ذاته، يسمح للهيئة العربية للتصنيع التابعة للجيش بالتعامل مع كل أجهزة الدولة بالأمر المباشر.
وعلى هذا المنوال، ضرب السيسي بالقواعد الدستورية والقانونية عرض الحائط، ومنح منذ بداية حكمه للشركات التابعة للجيش أعمال المقاولات والإدارة لجميع المشروعات الكبرى في البلاد، وكل ذلك بالأمر المباشر، وعلى رأسها تطوير كل الطرق السريعة، وأعمال الحفر والتجريف في مشروع تفريعة قناة السويس الجديدة إلى جانب تحالف أجنبي، وأعمال المقاولات في التجمعات السكنية الجديدة، ومزارع سمكية في شمال سيناء، ومطار ومدينة هضبة الجلالة، انتهاء بأعمال المقاولات الخاصة بالعاصمة الإدارية الجديدة، بالإضافة إلى نقل ملكية ميناء العريش إلى الجيش.
وعلى أرض الواقع، لا يمكن للإدارة الهندسية للجيش السيطرة على كل هذه المشروعات طالما نفذها المجندون بأنفسهم، وبناء على ذلك، أصبح الجيش هو المتحكم الأول في كل عمليات المقاولات الكبرى للأجهزة الحكومية على مستوى البلاد، متمكناً عبر المقاولين الصغار من إدارة عدد لامحدود من العمليات في وقت واحد.
ولا يمكن لأي جهة رقابية مصرية الجزم بأرباح الجيش من هذه العمليات، فالعوائد التي يحصل عليها جهاز الخدمة الوطنية من إدارة الطرق ورفع أسعار تذاكر العبور وتأجير المساحات الإعلانية وغيرها من الأنشطة، هي غير خاضعة لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، ولا توجد معلومات عن مدى خضوعها للضرائب، على الرغم من أن فتاوى قانونية سابقة ألزمت الدولة بإخضاع هذه الأرباح للضريبة.
وفي خضم هذا المشهد، يسمح قرار السيسي الأخير بأن ينشئ جهاز مشروعات أراضي الجيش، شركات بالمساهمة مع مستثمرين محليين وأجانب، مما سيدخل الجيش عاجلاً أم آجلاً سوق الاستثمار العقاري من الباب الواسع، منافساً لرجال الأعمال المصريين والعرب الذين توسّعوا في إنشاء المجمعات السكنية منذ التسعينيات، ومتسلحاً بميزة مهمة هي حيوية المناطق الجغرافية التي يسيطر عليها الجيش، وسهولة التصرف فيها عكس الإجراءات المعتادة عند بيع أراضي الدولة للمستثمرين العاديين.
ولا يضرب هذا الأمر شروط التنافسية وحرية السوق فقط، بل يفاقم الضرر الذي نال من صورة الجيش جراء انخراطه في الأنشطة الربحية، ويجعله في موضع المستثمر الذي يمارس كل ما يمكنه من مضاعفة أرباحه، بما في ذلك التشارك مع مستثمرين من جنسيات أخرى، وهو ما يتصادم مع الصورة الوطنية للجيش.
ويبدو أن السيسي انتهج هذا السبيل غير المسبوق استعداداً لإبرام صفقات بعينها تتضمن إنشاء شركات مقاولات واستثمار عقاري برأسمال الجيش ومستثمرين محليين أو عرب محددين، وذلك في 3 مناطق رئيسية يروج لها النظام الحالي كمراكز استثمارية مستقبلية.
المنطقة الأولى هي العاصمة الإدارية الجديدة، والتي من المؤكد أن يشارك فيها مستثمرون ومقاولون صينيون وإماراتيون، والمنطقة الثانية هي محور تنمية قناة السويس التي يدير الجيش العطاءات الخاصة بها والأرجح أن ترسو استثمارات معظم أراضيها على شركات من أوروبا الغربية والخليج، والمنطقة الثالثة هي هضبة الجلالة والتي ستنشأ فيها مشروعات سعودية وإماراتية طويلة الأجل.

وترى دائرة السيسي أن اشتراك الجيش في تأسيس شركات مع المستثمرين في هذه المناطق ومناطق أخرى، يحقق الفائدة المالية للجيش ذاته ضماناً لاستمرار مساندته لنظام السيسي في مشاريعه التي يراهن على الجيش وحده لإنجاحها مستهدفاً زيادة شعبيته، وكذلك لاستمرار دعم سياسات حكمه القائمة أساساً على جناحي الأمن والاقتصاد وإهمال المجال السياسي وعدم الاكتراث بحقوق وحريات الأفراد.
سياسة | المصدر: جريدة الشعب | تاريخ النشر : السبت 12 ديسمبر 2015
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com