Akhbar Alsabah اخبار الصباح

العدالة الغائبة وفوضى التشريع بمصر

فوضى التشريع بمصر أقرَّت حكومة الانقلاب المصرية في 1 يوليو 2015 مشروع قانون لمحاربة الإرهاب، ورفعته إلى السيسي للتصديق عليه، بحجة محاربة الإرهاب، وعلى خلفية أحداث العنف التي شهدتها البلاد خلال الفترة الماضية، ومن خلال مطالعة مقترح القانون نجد أننا أمام كارثة تشريعية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ؛ فنحن أمام 55 مادة هي عدد مواد القانون كلها، تؤسس لجمهورية ما بعد الخوف، كلها تكبل الحقوق والحريات وتنسف مكتسبات ثورة 25 يناير التشريعية والمتعلقة بالكرامة والحرية وحق التعبير والتظاهر وغيرها من الحقوق والمكتسبات.

نحن أمام سلطة اغتصبت حق التشريع أولاً ثم انحرفت بالتشريع انحرافاً فاق كل التصورات بل والديكتاتوريات. فمنذ انقلاب يوليو 2013، والسلطة الحالية في مصر تُشرعن للقمع وتُقنِّن للتنكيل والديكتاتورية بترسانةٍ من القوانين والتشريعات تجاوزت الـ510 قوانين طبقاً لتقرير صادر من المرصد المصري للحقوق والحريات.

أي أن السلطة الحالية تصدر قانوناً بمعدل يوم ونصف، وهو في الحقيقة ما يتجاوز المنطق والمعقول، ولا أدري كيف استطاعت أن تُنجز كل هذه التشريعات في هذه الفترة الوجيزة، والتي تُعجِز أي برلمانٍ منتخب.

كل هذا الكَمّ الهائل من التشريعات سيطر عليه بُعدٌ ومنظورٌ واحد فقط؛ ألا وهو البعد الأمني، وتغافلت السلطة الحالية الأبعاد الأخرى لِسَنّ التشريعات والقوانين، وتغافلت -وهي تصدر هذا الكم الهائل- عن المبادئ والأسس التي تقوم عليها فلسفة التشريع في أي دولة من دول العالم.

إذن فنحن أمام ترسانة من القوانين تُشرعن للقمع كما ذكرنا، وأمام سلطة ذهبت بعيدة في وضع قوانين وتشريعات استثنائية وفي غاية الاستبدادية. وللأسف ومن المخجل أن هذه الترسانة من القوانين القمعية والمُكبِّلة للحقوق والحريات والمُهدِرة للعدالة صدرت بمباركة القضاء المصري وبعد موافقة قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، مما يُدلِّل على تماهي السلطة القضائية الآن مع الانقلاب العسكري والسير في ركاب تعطيل العدالة وتكبيلها.

قانون الإرهاب ليس القانون الأول المُكبِّل للحريات؛ بل جاء ضمن الترسانة التي تحدثنا عنها لكنه جاء بشكل فَجٍّ، وبشكل جعل حتى مؤيدي الانقلاب العسكري ومريديه يرفضون هذا القانون جملةً وتفصيلاً، فلم تُجمع التيارات السياسية ومنظمات المجتمع المدني على رفض قانون كما أجمعت على رفض هذا القانون المشبوه، والذي يشكل اعتداءً صارخاً على الدساتير المصرية المتعاقبة، وآخرها دستور 2014، الذي وضعته السلطة الحالية، كما أنه يُشكِّل اعتداءً صارخاً على أحكام المحكمة الدستورية العليا، ويُقوِّض ما بقي من النظام القضائي المصري، ويُؤسِّس لجمهورية "ما بعد الخوف"، ويُؤسِّس لنظام قضائي استثنائي.

فرأينا المجلس القومي لحقوق الإنسان -المحسوب على النظام والذي ذهب في جلسات مجلس حقوق الإنسان الدولي ليدافع عن ملف حقوق الإنسان في مصر على خلاف الحقيقة- رأيناه يرفض هذا القانون جملة وتفصيلاً، وصرَّح أنه يصطدم بالدستور والقانون، ويضرب بهما عرض الحائط، وأبدى المجلس الملاحظات الآتية طبقاً للبيان الصادر عنهم، وجاءت كالآتي:

ملاحظات المجلس
وأكد المجلس على بعض الملاحظات، منها أنه حتى اليوم لم يتم أخذ رأي المجلس في مشروع القانون المُقترح، بالمخالفة لصريح أحكام الدستور وقانون المجلس اللذين يوجبان أخذ رأيه في أي قانون يتصل بحقوق الإنسان، وفقاً لنص المادة 214 من الدستور، وشدَّد المجلس على أن كل معلوماته عن مشروع القانون هو ما تنشره وسائل الإعلام!

مخالفة دستورية
وأضاف المجلس، أنه في ظل هذه المخالفة الدستورية لا يملك إلا أن يؤكد أن هذا المشروع الذي نُشر يمثل انتهاكات للعديد من أحكام الدستور، وطالب المجلس بضرورة التزام المُشرِّع بالدستور واحترامه نصاً وروحاً، باعتباره الوثيقة التي أقرها الشعب.

قانون وَقْتي
وأكد القومي لحقوق الإنسان، على ضرورة أن يكون القانون الجديد وقتياً ومُؤقتاً بمدى زمني، يرتبط بأسباب صدوره، وأن تتم صياغته صياغة محكمة تتفق والمعايير التي استقرت عليها المحكمة الدستورية العليا في مشروعية النص الجنائي.

نصوص دستورية
ونوَّه المجلس، إلى أن الدستور قد نَصَّ على الحق في الحرية والأمان الشخصي، وذلك في المواد 51، 53، 54، 57، 58، 59، 99، وكذلك فإن الدستور قد كفل حقوقاً وضمانات للأشخاص أثناء التحقيق بموجب المواد 55، 54،94، 95، 96، 97، 99، كما كفل الدستور وجوب محاكمة المواطن أمام قاضيه الطبيعي، وذلك بموجب المادة 204.

وأكد المجلس، أن الدستور كفل حق المواطن المصري في التنقل والسفر بموجب أحكام المادة 62، وكذلك كفل حرية الرأي والتعبير بموجب المواد 68 ،265، كما أكد على حرية الصحافة والإعلام بموجب المواد 70، 71، ومنح المواطنين الحق في التجمع السلمي، وذلك بموجب المادة 73 من الدستور.

كذلك نقابة الصحفيين ورؤساء الصحف القومية والمستقلة رفضوا هذا القانون، وخصوصاً المواد المتعلقة بحبس الصحفيين، كذلك العديد من الأحزاب المحسوبة على السلطة الحالية.

هذا بخلاف رفض كل المنظمات الحقوقية والحركات السياسية المعارضة لهذا القانون.
ورغم كل هذا الرفض المجتمعي للقانون والإجماع على أنه قانون كارثي؛ رغم ذلك.. الانقلاب يسير في مساره الذي رسمه لنفسه منذ اللحظة الأولى في تكبيل الحقوق والحريات وفي التنكيل بالمعارضين وفي القضاء على كل مكتسبات ثورة 25 يناير التي نالها الشعب.

القانون يحتاج إلى إفراد مساحة للحديث عن العَوَار الموجود به - وكله عوار -، وهذا ما سنتحدث عنه في مقالات قادمة إن شاء الله.
سياسة | المصدر: العربي الجديد | تاريخ النشر : الخميس 06 اغسطس 2015
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com