تثير التفجيرات المتلاحقة والمتسارعة في مصر، مزيداً من الشبهات حول أهدافها ومن يقف وراءها. يلصقها البعض بجماعات إسلامية ومناوئين للنظام الحالي، من دون تحقيق، ومن أول لحظة لوقوعها، في ما يصفها البعض الآخر بـ"بروباغندا حكومية" في ظل الفشل الحكومي في دفع عجلة الاقتصاد أو حل المشكلات الاجتماعية، لتقديم الهمّ الأمني ليصبح هو في الواجهة بل والمطلب الشعبي، لتخفيف المطالب الشعبية عن كاهل الحكومة، ويدعم ذلك البيئة السياسية الملبّدة بالقمع الأمني والانقسامات السياسية.
بل وهناك من يشكك في حقيقة بعض هذه التفجيرات، ويعتبرها استهدافاً لمعارضي النظام القائم، ولتبرير إجراءات مكافحة الإرهاب وعمليات التهجير القسري لأهالي سيناء في الفترة الحالية، في ضوء عدم الإعلان عن جناة أو تحقيقات قضائية معلنة.
ولعل ما شهدته مصر خلال الأيام الأخيرة من وقوع نحو ستة انفجارات في أماكن مختلفة، يأتي في هذا السياق، كما يرى الخبير الاستراتيجي المصري سامح راشد، قائلاً عبر صفحته على موقع "فيسبوك"، "تفجيران اثنان لا يكفيان، بعد حادث أتوبيس البحيرة".
ويتفق معه الخبير في الشؤون السياسية المصرية ياسر زيادة، قائلاً إن "تصاعد وتيرة التفجيرات في الفترة الأخيرة ما هو إلا وسيلة للتغطية على فشل النظام داخلياً وخارجياً، على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو يتخذ من هذه التفجيرات وسيلة لإلهاء المواطنين عن هذا الفشل، وإشعارهم بالخطر الذي يجعل مطلب الأمن عندهم مُقدّماً على أي مطلب آخر يعجز عن تحقيقه، ومن ثم يؤجل موجة الغضب المحتقن".
ويضيف زيادة لـ"العربي الجديد"، أن "النظام القائم يسعى لإثبات أن مصر تقود بالفعل حرباً ضد الإرهاب، خصوصاً بعدما افتضحت ممارسات هذا الانقلاب القمعية ضد المعارضة أمام مؤتمر جنيف الأخير، وهو يسعى من خلال التفجيرات أن يبرر هذه الانتهاكات".
أما أستاذ القانون الدولي سيد أبو الخير، فيرى أن "التفجيرات الوهمية، والتي تصاعدت حدّتها في الفترة الأخيرة لها هدفان، الأول خارجي، في رسالة إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف، لاعتبار أن ما يحدث في مصر إرهاب، بما يؤكد مزاعم الانقلاب أن الإخوان إرهابيون".
أما الهدف الداخلي، بحسب تصريحات أبو الخير لـ"العربي الجديد"، فهو "محاولة تبرير وتغطية ما يحدث من جرائم ضد الإنسانية في سيناء والتهجير القسري لسكان المنطقة، تنفيذاً للأوامر الصهيونية، والتغطية على الجنود القتلى في ليبيا الذين وصلت جثثهم قبل أيام الى مطار الماظة العسكري، شرقي القاهرة".
وكان عضو "تحالف دعم الشرعية محمد القطبان"، قد وصف التفجيرات المتتابعة بـ"السيناريوهات المفضوحة التي تكشف مدى ارتباك وفشل الانقلاب العسكري".
وقال القطبان في تصريحات إعلامية إن هذه التفجيرات تكشف على صعيد آخر "حجم استهانة النظام الانقلابي بأرواح وحياة المصريين صغاراً وكباراً وجنوداً ومدنيين، وذلك في سبيل تحقيق هدف واحد وهو تثبيت أركان هذا الانقلاب الهش، والذي فشلت كل الجهود لشرعنته".
ورأى أن "التفجيرات أصبحت وسيلة الانقلاب التقليدية التي ورثها عن أنظمة القمع الاستبدادية التي حكمت مصر، والتي كانت تلجأ لهذه التفجيرات كوسيلة للتغطية على إخفاقها وفشلها".
وأشار إلى أن "هذا النظام الانقلابي كان أكثر هذه الأنظمة غباءً في استخدام هذه الوسيلة إلى الحد الذي أصبحت فيه هذه التفجيرات مثاراً للسخرية بين المواطنين".
جانب آخر يكشف عنه أستاذ علم النفس في جامعة الزقازيق أحمد عبدالله لـ"العربي الجديد"، وهو أن أكثر شعور عند المصريين في السنوات الثلاث الماضية عقب ثورة 25 يناير هو "الخوف"، وهو "أكثر شيء تستثمره الأنظمة الشمولية". وأشار إلى أن "هناك ما يسمى ببيزنس الخوف، إذ يتم الاستفادة من هذا الشيء لتبرير سياسات أمنية، لأنه كلما زاد الخوف زادت الحاجة للأمن والبحث عمن يوفّر هذا الأمن، وبالتالي يراكم صاحب القوى الأمنية ثقة الجماهير به".
من جهة أخرى، رأى الخبير العسكري والاستراتيجي العميد صفوت الزيات، أن "طبيعة التفجيرات التي شهدتها البلاد خلال الساعات الماضية، تشير إلى أنها جماعات صغيرة تهدف بأفعالها إلى الانتقام أو الثأر".
وتابع في تصريحات إعلامية: "طالما لم تتبنَ أي جماعة منظّمة العمليات، يبقى الأمر محل شكوك".
وتبقى الاحتمالات كافة مفتوحة في ظل الانسداد السياسي والقمع الذي تشهده مصر حالياً، فيما تتصاعد المخاوف من انهيار اقتصادي كامل وهروب الاستثمارات الخارجية وتحوّل السياحة عن مصر، لغياب الأمن والاستقرار السياسي والمجتمعي.
سياسة | المصدر: العربي الجديد ــ سعيد عبد الرحيم | تاريخ النشر : الأحد 09 نوفمبر 2014