ستظل النهاية الدموية والدامية لديكتاتور ليبيا السابق معمر القذافي مثار تساؤلات كثيرة لاسيما بعدما دفن في مكان مجهول، وأذكر أنني في كل زياراتي التي قمت بها للعاصمة الليبية طرابلس بعد مقتل القذافي كنت دائما أبحث عن إجابات عن تساؤلات النهاية الدامية لهذا الطاغية التي ستظل يتدارسها الناس عبرة لمن أراد أن يعتبر.
وقد زرت مدينة مصراته مرتين تلك المدينة الباسلة التي طالما تعرض أهلها لبطش القذافي وظلمه، وكان آخر ظهور لجسده بها، والتقيت مع بعض من شاهدوا اللحظات الأخيرة الدامية للرجل، وحاولت في تسجيل مطول مع القائد العسكري للمنطقة العقيد سالم جحا أن يروي علنا للناس كيف كانت النهاية الدموية للقذافي لكنه رفض أن يروي التفاصيل للناس، لكني تمكنت من الحصول على تفاصيل دقيقة من أكثر من شاهد ليس على قتله فقط ولكن حتى على قرار دفنه وطريقة الدفن التي تجعل من الصعب أن يتعرف أحد على مكان الدفن الذي جرى في الصحراء الشاسعة المترامية الأطراف في ليبيا، وما جعلني أذكر الموضوع هنا هو الكتاب الذي أصدره مؤخرا الصحفي البرازيلي أندري نيتو تحت عنوان «إسقاط القذافي: على الأرض مع الثوار الليبيين»، حيث التقى مع بعض الثوار الذي شهدوا مصرع القذافي ونهايته، وقد عرض موقع «إيلاف» عرضا موجزا لأهم محتويات الكتاب التي من بينها اللحظات الأخيرة للنهاية الدامية لمعمر القذافي وقد وجدتها تتطابق إلى حد كبير مع الشهادات والروايات التي جمعتها من بعض الشهود ومن القادة العسكريين الذين حضروا بعد ذلك وسمعوا من الثوار الذين أمسكوا بالقذافي وقتلوه بعد القبض عليه في 20 من أكتوبر عام 2011، وتتلخص الرواية في أنه بعد الإمساك بالقذافي الذي كان مختبئا داخل إحدى أنابيب الصرف الزراعي، لم يتمكن أحد من السيطرة على الموقف أو حمايته من الثوار الذين كانوا في حالة غضب عارم ورغبة في الانتقام حيث انهالوا عليه بالضرب من كل جانب حتى أنه كان يستجدي الكبير والصغير منهم حتى يكفوا عن ضربه، كان هناك من يضرب بيده ومن يضرب بكعب سلاحه ومن يضرب بالمدي والأسلحة البيضاء، لكن أقساهم هذا الذي قرر الانتقام لكل من انتهك القذافي عرضه أو عرض بناته أو أهله من الليبيين حيث كان القذافي يستخدم هذا السلاح القذر لإذلال الناس فينتهك أعراض البنات أمام آبائهن وأمهاتهن وينتهك أعراض الرجال أمام أبنائهم وزوجاتهم وكم أذل من عائلات كريمة وأسر فاضلة فقام أحد الثوار بإدخال سيخ من الحديد في دبر القذافي حتى يذيقه من الكأس التي طالما أذاق أهل ليبيا منها وكرر هذا الأمر عدة مرات فأصابه هذا الأمر بنزيف شديد فهوي الديكتاتور على الأرض مضرجا بالدماء حيث كان ينزف من كل مكان في جسده طالبا الرحمة، لكن لم يرحمه أحد لأنه قضى أربعين عاما في الظلم والفساد وانتهاك الأعراض والحرمات ولم يرحم أحدا من الليبيين، لذلك لم يرحمه أحد، وفي خلال أقل من ساعة فعل الثوار فيه من الأفاعيل مثلما فعل في الشعب الليبي طيلة أربعين عاما، وحينما جاءت سيارة الإسعاف كانت جروحه بليغة وينزف، حيث أصيب أيضا برصاصة في بطنه وأخرى في خده، وأخذ ينزف ببطيء حتى مات في الطريق، ووضعت جثته مع ابنه وخادمه مدير مخابراته عدة أيام في إحدى الثلاجات في سوق مصراته ليكون عبرة وليشاهده أهل المدينة وأهل المدن الأخرى الذين طالموا اكتووا بظلمه وذاقوا من ويلاته، ثم أخذ إلى قليب في الصحراء تحت جنح الليل فألقي به في حفرة في مكان غير معلوم لتنتهي حياته وتبقى سيرته عبرة لمن أراد أن يعتبر.