
في الوقت الذي غاب فيه دور الجامعة العربية في ملف الحرب على قطاع غزة التي تعدت 600 يوما، ساد الشارع العربي حالة من الجدل حول اسم الأمين العام القادم المحتمل للجامعة العربية الذي يخلو بانتهاء مدة الأمين الحالي المصري أحمد أبوالغيط في آذار/ مارس المقبل.
وتحدثت تقارير صحفية عن ترشيح مصري محتمل لرئيس الحكومة الحالي مصطفى مدبولي للمنصب المقرر فتح الترشح له في أيلول/ سبتمبر المقبل، وذلك في الوقت الذي تبرز فيه رغبات خليجية وعربية بتغيير العرف السائد منذ نشأة الجامعة العربية عام 1945، بأن يكون الأمين العام من بلد مقر الجامعة، وهي مصر.
أجواء متوترة
إلى ذلك طالبت شخصيات سعودية بنقل مقر الجامعة العربية من مكانها القريب من نيل القاهرة إلى العاصمة السعودية الرياض، وتعيين وزير الخارجية السعودي الأسبق عادل الجبير، وسط أحاديث عن رغبة جزائرية بتقديم مرشح لمنصب الأمين العام للجامعة العربية، إلى جانب رغبات سابقة من قطر، وغيرها من الدول الأعضاء.
ودعا الكاتب السعودي عبيد العايد، إلى ما أسما وقف "احتكار" مصر للأمانة العامة، داعيا إلى إسناد هذا المنصب الذي تستأثر به مصر، إلى "أعلام العرب ودهاة السياسة"، مشيرا لاسم الجبير، ويصنع حالة من الجدل.
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، نقلت صفحات منسوبة للسعودية 15 توصية بإصلاح وتطوير الجامعة العربية، منها: تعديل الميثاق الموضوع عام 1945، وتعيين نائب للأمين العام، وإعادة النظر في مكافأة الأمين العام وهيكل رواتب موظفي الجامعة، ومصروفات بعثات الجامعة، ومراجعة النظام الداخلي والنظام الأساسي للموظفين.
في المقابل، أكد مصريون على رغبة بلادهم على "مواصلة حضورها بتقديم ولأول مرة رئيس وزراء للمنصب وليس وزيرا للخارجية كما كانت العادة منذ الأمين العام الأول عبدالرحمن عزام (22 آذار/ مارس 1945- أيلول/ سبتمبر 1952)".
وأشاروا إلى أن "تفجر الحديث عن منصب الأمين العام ونقل مقر الجامعة يأتي في ظل تأزم واضح في علاقات القاهرة والرياض، خاصة بعد تجاهل دعوة رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، لحضور القمة الأمريكية-الخليجية الشهر الماضي في الرياض، ثم لقاء السيسي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، بالقاهرة الأسبوع الماضي".
وعلى الجانب الآخر، انتقد مراقبون دور الجامعة العربية بقضايا العرب المصيرية، مؤكدين على "غيابها التام في قضايا غزة التي لم تجتمع بشأنها إلا بعد 3 أشهر من حرب الإبادة الدموية الإسرائيلية على 2.3 مليون فلسطيني المستمرة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023".
وتحدثوا عن "سلسلة إخفاقات للجامعة بقضايا حرب السودان (15 نيسان/ أبريل 2023 وحتى اليوم)، والأزمة الممتدة في ليبيا واليمن منذ أكثر من 10 سنوات، وأزمة الحصار على قطر (2017- 2021) والخلاف الجزائري المغربي، والمغربي الموريتاني".
ويعتقدون أن "ما يجري من سجال، يأتي في ظل التغييرات الإقليمية الحادثة بالشرق الأوسط، وتعاظم الأدوار الخليجية للسعودية والإمارات بشكل خاص على حساب دور مصر التي غابت عن الخريطة وتعاني أزمات سياسية واقتصادية تفاقمت بشدة خلال حكم السيسي".
ومع تصاعد السجال المصري السعودي، تحدث خبراء وأكاديميون من مصر والعراق والسودان، لـ"عربي21"، مجيبين على التساؤلات: "هل يستحق اسم أمين الجامعة العربية كل هذا الضجيج؟"، و"بعد غياب الجامعة عن الأزمات العربية هل يجب إغلاقها أم إصلاحها؟".
"الفاعيلة هي المعيار"
وفي قراءته، قال رئيس "أكاديمية العلاقات الدولية" المصري الدكتور عصام عبدالشافي: "من المنظور العام فقدت الجامعة في العقود الأخيرة الكثير من قيمتها ببعض الملفات، وتحديدا منذ الغزو العراقي للكويت 2 آب/ أغسطس 1990، فقبل ذلك التاريخ كانت هناك بعض أدوار للجامعة، وكان هناك تنسيق عربي مشترك ببعض الملفات".
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بعدة جامعات عربية وغربية، أكد لـ"عربي21"، أن "يبقى وجود الجامعة رمزيا أمر في غاية الأهمية؛ لأن هناك إطار تنظيمي يجتمع فيه العرب يناقشون بعض الأفكار، قد تكون قضية الفاعلية هي الإشكالية الكبيرة بهذه المرحلة ولكن في الأخير وجود إطار تنظيمي أفضل كثيرا من عدم وجوده، حتى لو كان محدود الدور ومحدود الفاعلية بهذه المرحلة".
وأضاف: "وبالتالي إشكالية الفاعيلة هي المعيار، وليس وجود المنظمة من عدمه؛ فيبقى وجود الكيانات والمؤسسات مهم، ولكن الإشكالية الأساسية في قضية تفعيل الفاعلية والتأثير وتحديد الدور وإعادة ضبطه".
البعد الثاني، بحسب الأكاديمي المصري في هذا الجدل المثار حاليا يرى أنه "مرتبط بخلافات سياسية أو عدم توافق سياسي في بعض الأحيان"، مستدركا: "لكن من وجهة نظري الشخصية وبالمطلق ليس عندي أي إشكال أو مانع في أن يكون الأمين العام للجامعة غير مصري، لأنه في الأخير مصر دولة مقر، وليس هناك ما ينص في الميثاق المنشئ للجامعة أن يكون الأمين العام مصريا".
ولفت إلى أن "العرف السياسي أو الدبلوماسي استقر على أن يكون الأمين العام من مصر؛ ولكن كانت هناك مرحلة أزمة بعد توقيع مصر اتفاقية السلام مع الكيان الإسرائيلي، ونقل المقر لتونس وأصبح الأمين العام تونسي (الشاذلي القليبي 1979- 1990) لفترة استثنائية 11 عاما، ولكن من وجهة نظري لا أرى أن هناك إشكال طالما أن الأمر يخضع لقرار الأغلبية عبر تصويت على أسماء مرشحين، فمن حق كل دولة أن تطرح مرشحها".
"الإصلاح وإعادة التموضع"
ويعتقد عبدالشافي، أن للأمر بعد ثالث ومهم، وهو "فكرة الميثاق المنشئ للجامعة نفسه، وإصلاح منظومة الجامعة، وإعادة النظر في الميثاق، ومحاولة تعديله بما يتوافق".
وألمح إلى أن "التخوفات الآن من الجانب المصري أن النظام بمرحلة هشاشة وضعف سياسي وتبعية وعدم استقلالية بسياسته الخارجية؛ وبطبيعة الحال إذا تمت تعديلات سياسية الآن على الميثاق لن تكون إلا من منظور الدولة الأكثر تأثيرا وهي في هذه الحالة السعودية، وهنا ستفرض أجندتها على ميثاق الجامعة".
ويرى أن "كل الأسماء المصرية المرشحة صنيعة النظام وبالتالي لا قيمة لها من وجهة نظري الشخصية، والمنافسة السياسية على المنصب من عدمه في هذا المرحلة أيضا أعتقد أنها من باب المناكفات السياسية، لأن السائد بين الدول هو التوافق السياسي، ولا يجب أن يكون الأمر محصورا بين مصر والسعودية، ولكن من حق أي دولة عربية أن تطرح مرشحها".
وختم بالقول: "المعيار والسؤال الأهم هو إلى أي مدى يستطيع أي مرشح من أي دولة أن يعيد تموضع الجامعة ويعزز من فاعليتها في ظل مرحلة التبعية المطلقة لأمريكا، وأن تكون المخاوف من أن تتحول الجامعة في المراحل القادمة إلى مجرد أداة من أدوات ترسيخ الهيمنة الأمريكية من ناحية، والأسوأ ترسيخ الهيمنة الصهيونية على المنظومة العربية من ناحية ثانية".
"منصب للأكفاء ولكل الدول"
وفي رؤيته قال الأكاديمي العراقي الدكتور حارث قطان: "على الرغم من أن الكثير من ويلات العرب ومآسيهم سببها الجامعة العربية، والتي لا تزال عالقة في الأذهان ومنها الضوء الأخضر في الحرب على العراق، لكن مسالة السجال هنا هي إحدى جوانب الفشل الذي أصاب العرب، ولا يعلم إلا الله متى يزول".