ساعات تفصل الميدان عن وقفٍ لإطلاق النار في لبنان بعد تصريحات وتسريبات مكثفة خرجت، أمس الاثنين، تؤكد أنّ مجلس الوزراء الأمني (الكابينت الإسرائيلي) قد يوافق اليوم الثلاثاء على الاتفاق، علماً أنّ الجانب اللبناني رغم تبنّيه غير الرسميّ "الأجواء التفاؤلية" لا يستبعد احتمال نسف الاحتلال المباحثات في ربع الساعة الأخير، ولا سيما أن هناك أصواتاً إسرائيلية تعارض وقف العدوان.
وتوالت الأنباء، مساء أمس الاثنين، لا سيما من وسائل الإعلام الأميركية والعبرية التي تفيد بأنّ لبنان والاحتلال الإسرائيلي اتفقا على شروط اتفاق وقف إطلاق النار، وصولاً إلى نقل معلومات تحدثت عن أن الرئيسين الأميركي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون سيعلنان خلال الساعات المقبلة وقفاً للعمليات العدائية لمدة 60 يوماً، قبل أن يوضح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي أنّ الاتصالات مستمرة بين إسرائيل وحزب الله لكن لا تطور يمكن الحديث عنه.
وفيما قال كيربي: "وصلنا إلى نقطة في نقاشاتنا تدفعنا للاعتقاد أن المباحثات تسير بطريق إيجابي جداً"، تحدثت أوساط رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري السياسية والإعلامية عن "إمكانية التوصل إلى وقف إطلاق نار خلال 36 ساعة"، كما سُرّبت أجواء تفيد بأنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي قد يعلن عن ذلك يوم الأربعاء.
في الإطار، اكتفى مصدرٌ مقرّب من رئيس البرلمان اللبناني بالقول لـ"العربي الجديد": "نكرّر ما يقوله الرئيس بري دائماً، "ما تقول فول ليصير بالمكيول"، بمعنى أننا ننتظر الإعلان الرسمي، ولبنان قدَّم كل ما يمكن للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار".
وبالتزامن مع إعلان حصول تقدّم كبير في المفاوضات، كثف الاحتلال الإسرائيلي من غاراته في لبنان لا سيما على المناطق الجنوبية والبقاعية وكذلك على الضاحية الجنوبية لبيروت. وقال مصدر نيابي في حزب الله لـ"العربي الجديد"، إنّ "العدو عجز عن تحقيق أهدافه في لبنان، رغم التدمير والقتل وسلسلة الجرائم التي ارتكبها والتي تعد من سياسة الإجرام التي ينتهجها"، مشيراً إلى أنّ "الميدان قال كلمته، خصوصاً المواجهات البرية التي أظهرت ما تمتلكه المقاومة من قدرات"، لافتاً إلى أنّ "لبنان رفض كلّ ما يمسّ بسيادته، ولن يقبل بأي اعتداء عليها".
وعلى الرغم من أن لبنان لم يعلن بشكل رسمي تفاصيل المقترح الأميركي وبنوده، بيد أنّه أكد أن إسرائيل وافقت على وجود فرنسا ضمن لجنة الإشراف على تطبيق الاتفاق إلى جانب الولايات المتحدة، مشدداً على أنّ القرار 1701 لا يعطي إسرائيل حرية التحرّك في لبنان، وهذه من النقاط التي كانت محل اعتراض إسرائيلي وتمسّك لبناني.
وفي قراءة لتقدّم مفاوضات إطلاق النار في هذا التوقيت بعد نسفها سابقاً من قبل الاحتلال خصوصاً في 21 سبتمبر/ أيلول الماضي، شدد الخبير العسكري اللبناني، العميد علي أبي رعد لـ"العربي الجديد"، على أنّه "ليس من باب التشاؤم لكن يجب أن نبقى حذرين في ظلّ التناقضات التي خرجت في الإعلام والمواقف، والتجارب السابقة مع الكيان الإسرائيلي سواء على صعيد لبنان، أو حتى في غزة، بانتظار الإعلان الرسمي عن الاتفاق".
عوامل أدت لتغيير موقف نتنياهو
وأشار أبي رعد إلى أنّ عوامل عدّة ومؤشرات يمكن ربطها بتغيّر موقف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بعدما كان يريد إطالة أمد الحرب، من أبرزها التطوّرات الميدانية، مضيفاً أنّ "يوم الأحد كان استثنائياً على صعيد العمليات العسكرية التي نفذتها المقاومة وتخطت الخمسين للمرة الأولى منذ بدء العدوان، وطاولت مساحة واسعة في العمق الإسرائيلي وحققت إصابات مباشرة ودقيقة ونوعية، لتثبت معادلة تل أبيب مقابل بيروت"، لافتاً إلى أنّ "نتائج كبيرة حققتها العمليات التي استخدم فيها حزب الله تكتيكاً جديداً مستهدفاً مواقع استراتيجية للعدو منها قاعدة بلماحيم الجوية، وقد بثت قنوات إسرائيلية تلفزيونية مشاهد مباشرة للدمار والحرائق".
وتابع أبي رعد: "على الرغم من أن وتيرة عمليات المقاومة تراجعت أمس الاثنين، إلا أنه في الوقت نفسه ضربت أهدافاً جديدة في منطقة الجولان، وهذا كانت له علاقة بالمواجهات البرية التي تحصل في الخيام تحديداً كونها تؤدي إلى البقاع وتشارك بها قواعد موجودة في الجولان وكفرشوبا وشبعا، فكانت بالتالي للضغط الميداني كلمته، وظهر ذلك مع تسريب القبول الإسرائيلي بالدور الفرنسي رغم رفضه التام لذلك".
وأردف أبي رعد: "من دلائل اتجاه الأمور إلى وقف لإطلاق النار أيضاً موجة الغارات الكبيرة التي نفذها العدو من أقصى الجنوب إلى البقاع وصولاً إلى الهرمل وداخل الأراضي السورية، بحجة ضرب ممر للتمويل العسكري من إيران إلى سورية فالضاحية".
ومن أسباب الرضوخ الإسرائيلي أيضاً، قال أبي رعد، "ما سُرّب حول تهديد واشنطن بالانسحاب من المفاوضات في حال لم يتم التوصل لاتفاق، وأعتقد أن نتنياهو يحاول صياغة خطاب الإعلان بطريقة معينة لتقديمه للمستوطنين بعدما بدأ الضغط عليه من الداخل، في محاولة منه للظهور بموقع المنتصر، والحكومة الإسرائيلية تضع اللمسات الأخيرة قبل اجتماع الكابينت مساء لاتخاذ القرار، مع العلم أنّ هناك مواقف رسمية ضمن قادة الكيان متناقضة مع خروج أصوات معترضة قد تكون بالشكل لهدف سياسي يرتكز على إحراج نتنياهو وإثبات فشله بإدارة الحرب".
كذلك، هناك مؤشرات يمكن التوقف عندها بحسب أبي رعد، منها مذكرة الاعتقال الصادرة بحقه ووزير أمنه المقال يوآف غالانت، وقد تكون هناك وعود أميركية بالضغط على المحكمة الجنائية الدولية لإلغائها.
كيفية تفعيل وقف إطلاق النار في لبنان
بالإضافة إلى ذلك، رأى أبي رعد أنّ "الاحتلال لم يتمكن من تحقيق أي إنجاز عسكري رغم الخروقات البرية المحدودة في جنوب لبنان؛ أكثرها الوصول إلى البياضة والمعارك الضارية مستمرة من دون أن يحتلها ولا حتى بلدة شمع، كما أن كل محاولاته خلق منطقة عازلة لم تحصل في ظلّ وجود المقاومة وتكبيده خسائر".
ولفت أبي رعد إلى أنّ من أبرز البنود التي كانت تعد خلافية هي موضوع حرية العمل للجيش الإسرائيلي بالأراضي اللبنانية وطلعاته الجوية، والاعتراض على لجنة المراقبة، وهذه الأخيرة حلّت باعتبار أن اللجنة ستكون مؤلفة من الأميركي والفرنسي والإسرائيلي واللبناني إلى جانب قوة الأمم المتحدة المؤقتة "يونيفيل"؛ "أما الأولى فقد حلّت من خلال ترؤسها من قبل الأميركي بعد طلب إسرائيلي، علماً أن هناك بنداً خفياً لن يظهر إلا بعد إعلان بنود الاتفاق كاملة، بأنه في حال لم تعالج الشكوى التي ستتقدم بها إسرائيل في حال حصول أي تحرك من جانب حزب الله، سيُسمح لها بالعمل، لكن أعتقد هذا الأمر لن يُقبل وستتم معالجة الشكوى من قبل الجيش اللبناني واليونيفيل تبعاً للاتفاق".
واعتبر أبي رعد أنه "من الصعب تحديد من انتصر في الحرب خصوصاً أننا نتحدث عن طرفين غير متناسبين، أي بين جيش منظم يصنف من أقوى جيوش العالم ومقاومة تعمل بقتال غير منتظم وتبعاً لحروب العصابات، لكن من حيث المبدأ كل جيش لا ينتصر ولا يحقق أهدافه فهو مهزوم وكل مقاومة لا تخسر فهي منتصرة"، لافتاً إلى أن "العدو لم يحقق أي هدف بالقضاء على حزب الله، ولن يتمكن من منع اللبنانيين من العودة إلى الحافة، كما أن مسألة إبعاده إلى شمال الليطاني تندرج في إطار القرار 1701 ولا تعد إنجازاً". ويبقى السؤال الأهم بالنسبة إلى أبي رعد هو مسألة فصل جبهة الجنوب عن غزة، "فهذه لا يمكن الإجابة عنها لأنها رهن اتفاق وقف إطلاق النار والأعمال العدائية وجدية الأطراف بتنفيذ الاتفاق بالشكل الذي كُتب"، ختم بالقول.