
يستبعد قسمٌ كبيرٌ من اللبنانيين شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي عدواناً واسعاً على لبنان كردٍّ على حادثة مجدل شمس، معتبرين أنّ الضربة قد تكون مؤذية لحزب الله ربطاً بالتهديدات الإسرائيلية، لكن المواجهات ستبقى برأيهم محصورة مع بعض الخروقات السابق تسجيلها خارج القرى الحدودية الجنوبية، وخاصة في البقاع على الحدود مع سورية. وعلى الرغم من هذه القناعة، فإنهم يترقّبون في الوقت نفسه التطورات بخشيةٍ وحذرٍ، باعتبار أنهم في معركة مع احتلال مجرم يمكن أن يشنّ حرباً في أي لحظة.
ويلتقي اللبنانيون حول هذه "المشهدية" رغم أنهم منقسمون بنظرتهم إلى "الميدان الأمني"، فهناك الداعمون لحزب الله وخطوته فتح الجبهة إسناداً لغزة، والمؤيدون لمواجهة الاحتلال في حال شنّه حرباً على لبنان، وفي الضفة الثانية، معارضون ناشطون وسياسيون، أطلقوا حملة "لبنان لا يريد الحرب"، رافضين استتباع البلاد لأي مشروع إقليمي خارجي، ولاتخاذ الحزب قرار الحرب منفرداً.
وتُرجم التفاؤل بـ"محدودية المعركة" منذ بدء المواجهات، بزحمة الشوارع والمطاعم والملاهي والشواطئ والمطار وحركة السياح، ما عكس مشهدين متناقضين في بلدٍ واحدٍ، الأول جنوباً، تحديداً في القرى الحدودية، حيث القصف مستمرّ منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والمواجهات إلى تصاعدٍ متواصل. أما المشهد الثاني، فيظهر حياة طبيعية، بما في ذلك في مناطق جنوبية خارج قواعد الاشتباك، في طليعتها صور، حيث يستجم اللبنانيون على الشواطئ ويشاهدون القصف على بلدات تبعد كيلومترات عنهم متمسّكين بإرادة الحياة والعيش، لا بل الحركة شبيهة بما كانت عليه قبل اندلاع المعركة، وأفضل حتى في بعض القطاعات في بيروت والمناطق الساحلية بشكل خاص.
وشهد لبنان مع بدء موسم صيف 2024 نشاطاً لافتاً من حيث المهرجانات التي استقطب العديد منها نجوماً عرباً وعالميين، وحجزت جميع تذاكرها بمجرد طرحها في السوق، وكذلك من حيث معدّل عدد المسافرين الذي وصل إلى حدود 14 ألف وافد يومياً، بحسب ما كشف رئيس نقابة أصحاب مكاتب السفر والسياحة جان عبود، في بيانٍ له، الذي لفت أيضاً إلى أنّ "نتائج يونيو/ حزيران الماضي كانت إيجابية، حيث تخطى عدد الوافدين خلال هذا الشهر الـ420 ألف وافد".
أما اليوم، وبعد حادثة مجدل شمس وارتفاع التهديدات الإسرائيلية والتحذيرات الدولية، فقد اختلف المشهد قليلاً ولا سيما على صعيد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها سلسلة واسعة من شركات الطيران بتعليق رحلاتها إلى بيروت، وقيام بعض المغتربين اللبنانيين، خصوصاً العاملين في الخارج، بتقريب مواعيد مغادرتهم لبنان مخافةً من التصعيد العسكري وإقفال المطار أو استهدافه، الأمر الذي ستكون له حتماً ارتدادات سياحية واقتصادية. كما أرجئت بعض المهرجانات والحفلات الموسيقية التي كانت منتظرة في شهر أغسطس/ آب، والتي يحييها نجوم عرب، إلى مواعيدٍ تحدد لاحقاً، وذلك ربطاً بالتطورات.
في المقابل، لم تُسجّل "حالة هلع" أو "ذعر" في صفوف "المواطنين المقيمين"، منذ يوم السبت، تاريخ إطلاق صاروخ على بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، ما أدى إلى سقوط 12 قتيلاً، وانطلاق التهديدات الإسرائيلية بعد اتهام الاحتلال حزب الله بوقوفه وراء الواقعة رغم نفي الأخير هذه الادعاءات، إذ تفتح المحال التجارية في بيروت وضواحيها، والمناطق الساحلية، أبوابها منذ يوم السبت بشكل طبيعي، فيما الطرقات مزدحمة بالسيارات كالمعتاد، والمطاعم والمؤسسات السياحية تستقبل روّادها، ولم يُقدم أصحاب العديد منها على إلغاء سهرات أو مناسبات خاصة محددة مسبقاً "إيماناً" منهم بأن لا ضربة إسرائيلية ستطاول العاصمة، وأنّ دول الخارج تضغط باتجاه عدم انزلاق الوضع نحو حرب شاملة.
أيضاً الحركة كانت شبه طبيعية في محلات السوبرماركات، إذ "لم تسجل زيادة لافتة لناحية الطلب على المواد الغذائية منذ السبت، أو ارتفاع في الأسعار"، بحسب ما أكد رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني البحصلي لـ"العربي الجديد"، خصوصاً أنّ الحرب برأيه "مستمرة منذ أكتوبر الماضي، وسبق أن حصل أكثر من تصعيد عسكري خلال هذه الفترة، وبالتالي الناس تأقلموا نوعاً ما مع الواقع، وهم يشترون حاجياتهم". كذلك، لم تتأثر أسعار المحروقات بالتطورات أو تشهد المحطات أي هجمة من قبل المواطنين، وهو ما أكده عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البركس لـ"العربي الجديد"، موضحاً أن الأسعار ستشهد تراجعاً اليوم ولن تتأثر لأن الدولار ثابت حالياً في لبنان والعامل الوحيد المؤثر هو سعر النفط عالمياً.