غص ميدان التحرير والعديد من الميادين الرئيسية بمحافظات مصر بآلاف المتظاهرين الذين خرجوا للتعبير عن معارضتهم للنظام في الذكرى الثانية لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك، لكن أكثر ما لفت الأنظار هو فئة جديدة رآها المصريون للمرة الأولى وهي مجموعة من الشباب الملثمين الذين يرتدون السواد ويطلقون على أنفسهم بلاك بلوك (black block) التي تعني الكتلة السوداء.
ومع توافد المسيرات على ميدان التحرير، لوحظ أن عددا من أعضاء هذه الحركة الذين يبدو أنهم من الشباب يرافقون المسيرات للتصدي لأي اعتداء على المتظاهرين، كما يقولون، ولمواجهة مخططات الإسلاميين وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين التي وصفوها بالفاشية، مؤكدين أنهم يستهدفون هدم الفساد وإسقاط الطاغية، على حد قولهم.
وبدا أعضاء هذه الحركة أكثر عنفا من بقية المتظاهرين حيث قذفوا العديد من المقرات العامة بالحجارة وشاركوا في الهجوم على مقر الموقع الإلكتروني التابع لجماعة الإخوان المسلمين "إخوان أون لاين"، كما أغلقوا العديد من الطرق والجسور مما أثار مواجهات بينهم وبين عدد من السائقين والمارة.
وامتد نشاط المجموعة إلى قصر الاتحادية الرئاسي حيث حاولوا إشعال النار بداخله عبر إلقاء الزجاجات الحارقة، في حين جاءت الأخبار من محافظات مختلفة تفيد بمشاركتهم مع أعضاء بروابط مشجعي كرة القدم وخصوصا "ألتراس الأهلي" في المظاهرات ومحاولات الاعتداء على المقرات العامة ومقرات جماعة الإخوان، فضلا عن الاحتكاك بقوات الشرطة التي حاولت الدفاع عن هذه المقرات.
وكان لافتا أن العديد من المتظاهرين تصدوا لأعضاء "الكتلة السوداء" عندما حاولوا إزالة الأسلاك الشائكة التي وضعها الأمن أمام قصر الرئاسة ودعوهم لانتهاج أسلوب سلمي، كما وقعت احتكاكات مماثلة في ميدان التحرير بسبب السلوك العنيف لهذه المجموعة، وبينما اعتبر البعض أنهم يضرون بسلمية التظاهر، رحب بهم آخرون وأكدوا أنهم يحمون المتظاهرين ويمثلون داعما قويا لهم.
في الأثناء، حفلت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات عن هذه المجموعات ونسبت بعض الصفحات لهم المسؤولية عن حرق أحد مقرات جماعة الإخوان، وكذلك إحراق مبنى تابع للمجمع العلمي القريب من ميدان التحرير، فضلا عن التهديد باستهداف مقرات عامة بينها مجلس الشورى، والإعلان عن التوجه إلى مدينة الإنتاج الإعلامي السبت لمواجهة أنصار التيارات الإسلامية الذين أعلنوا في وقت سابق أنهم سيتظاهرون في هذا المكان.
الجزيرة نت حاولت إماطة اللثام عن هوية هذه الحركة عبر الحديث مع بعض أعضائها بميدان التحرير لكنهم رفضوا الحديث، في حين تقول المجموعة عن نفسها عبر بيان مصور على شبكة الإنترنت إنها جزء من الكل في العالم، تسعى إلى تحرير الإنسان وهدم الفساد وإسقاط الطاغية، بينما يقول شبان تحدثت إليهم الجزيرة في ميدان التحرير إن المجموعة تعتنق الفكر الفوضوي وتضم عددا من الأعضاء السابقين في حركة 6 أبريل وبعض شباب الألتراس وأنصار الحركات اليسارية.
ويؤكد مصدر تحدثت إليه الجزيرة نت أن المحرك الأساسي لهذه المجموعة هي مؤسسة يقع مقرها الرئيسي في منطقة عسكرية بصحراء النقب ويشرف عليها ضابط بالاستخبارات الإسرائيلية اسمه ميرزا ديفد ومعه جنرال سابق يدعى بيني شاحر وعقيد سابق بالخدمة السرية هو بازي زافر، إضافة إلى عدد من الخبراء في المجالات العسكرية والأمنية والنفسية.
وحسب الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم الدراوي فإن هذه المؤسسة ترتبط بحركة أوسع تنتشر في العديد من دول العالم وتحتفظ بعلاقات مع منظمات حقوقية غربية وشركات متخصصة في الأمن والحراسة، كما تحصل على دعم من مؤسسات أمنية إسرائيلية وغربية بهدف تدريب كوادر من الشباب المصري من أجل إسقاط النظام.
ويضيف الدراوي -وهو مدير مركز الدراسات الفلسطينية بالقاهرة- أن لديه معلومات توضح أن هذه المؤسسة تعتمد على خداع الشباب تحت ستار دعم الديمقراطية، وتقدم لهم تدريبات تتراوح بين تنظيم المظاهرات واستخدام المتفجرات، فضلا عن التنكر وتوجيه الحشود واستغلالها لصناعة الأزمات وخلق حالة من عدم الاستقرار.
كما يؤكد الدراوي أن بعض المؤسسات الأمنية العربية ليست بعيدة عن دعم هذه المجموعات التي تستهدف زعزعة الاستقرار في مصر، ويضيف أن الفريق أحمد شفيق -الذي كان رئيسا لآخر الحكومات في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك وخسر الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس الحالي محمد مرسي- يبدو على صلة بهذه المجموعات من مقر إقامته في الإمارات التي استقر بها مؤخرا بعيدا عن ملاحقات من القضاء المصري بتهم فساد.