Akhbar Alsabah اخبار الصباح

الرئيس التونسي قيس سعيّد يحاكم نواب تونس

سعيّد يحاكم نواب تونس في حلقة جديدة من مساعي الرئيس التونسي قيس سعيّد إسكات خصومه والمعارضين له، بدأت السلطات التونسية، أمس الجمعة، التحقيق مع عدد من النواب الذين شاركوا في جلسة البرلمان التي عُقدت الأربعاء الماضي، وأقرت قانوناً ينهي الوضع الاستثنائي الذي فرضه سعيّد في 25 يوليو/تموز الماضي.

ويفسر مراقبون ما يحصل بمسعى لإسكات معارضي سعيّد عبر استعمال القضاء، وسط تخوّف من أن الرئيس يمهد لإقصاء خصومه، لا من المشاركة في الحوار فحسب، بل ربما من الانتخابات المقبلة أيضاً، بتواتر تلميحاته لذلك.
تحقيقات مع النواب التونسيين

وانطلقت التحقيقات مع عدد من النواب صباح أمس لدى الوحدة الوطنية للأبحاث في جرائم الإرهاب بتهم "تكوين وفاق إجرامي والتآمر الواقع لارتكاب الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة وإثارة الهرج بالتراب التونسي طبق أحكام القانون الجزائي".

وتوافد عدد من المحامين منذ الصباح إلى أمام مقر الفرقة الأمنية، متطوعين للدفاع عن النواب وانتصاراً لهذه القضية التي يلاحق فيها نحو 121 عضواً من كتل حزبية مختلفة، شاركوا في جلسة الأربعاء، والتي شهدت التصويت بـ116 صوتاً مع إلغاء العمل بالمراسيم الرئاسية التي أقرها سعيّد منذ 8 أشهر ورفع حالة الاستثناء واستئناف العمل بالدستور. ومن بين المستدعين، رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي.

ويخشى مراقبون من سعي سعيّد لإقصاء خصومه بشكل كامل، وهو كان قد ألمح إلى ذلك، بتشديده في كلمة له مساء الخميس، على أن الحوار "لن يكون مع من أرادوا الإطاحة بالدولة ومن نهبوا مقدراتها ومع من يلجؤون للعنف ويقسّمون الشعب"، حسب قوله. مقابل كل ذلك، كرر الرئيس التونسي في أكثر من مناسبة، الحديث عن "عدم المساس بالحقوق والحريات"، وأنه "لا يستهدف أياً من القوى السياسية في البلاد".

ونددت هيئة الدفاع عن نائب رئيس حركة النهضة، نور الدين البحيري، خلال مؤتمر صحافي أمس، بالتحقيق مع النواب الذين شاركوا في الجلسة البرلمانية، مؤكدة أن الانقلاب بصدد ارتكاب عدة تجاوزات تستهدف القانون والحقوق والحريات.

وقال البحيري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "التحقيق مع النواب تجاوز آخر يرتكبه سعيّد في حق تونس، فبحسب الدستور وحتى الفصل 72 الذي اعتمده، لا يحق له حل البرلمان"، مؤكداً أنه "لم يكتف بذلك، بل أحال النواب على التحقيق بتهم وجرائم خطيرة رغم تمتعهم بالحصانة". ولفت إلى أنه "على الرغم من الدعوات المتواترة بفتح أبواب الحوار وتجنب الحلول الفردية والدعوة لإنقاذ تونس في ظل الأزمة التي تعيشها إلا أن سعيّد يرفض ذلك".

كما رأت النائبة الثانية لرئيس مجلس النواب، سميرة الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "النواب اختاروا الامتثال للجهة التي وجهت لهم الاستدعاء مع التمسك بالحصانة المكفولة بالدستور، فهناك إجراءات لرفع الحصانة"، مبينة أن "المجلس ألغى الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها سعيّد في 25 يوليو وبالتالي النواب محصنون بالدستور ومتمسكون بالحصانة".

من جهته، شدد النائب عن "قلب تونس"، رفيق عمارة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، على أنهم "لم يخالفوا الدستور ولا القانون، ولكن رئيس الجمهورية يستهدف نواب البرلمان والسياسيين".

اتهامات لقيس سعيّد بتوظيف القضاء

وحول هذه التطورات، قال المحامي والحقوقي، عبد الرؤوف العيادي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "هذه الملاحقات لا علاقة لها بالقانون، بل هي تصفية للخصوم السياسيين وتوظيف للقضاء بشكل فظ". وأشار إلى الإخلالات القانونية والإجرائية بهذه الملاحقات، "لأنهم لم يفقدوا صفتهم كنواب عند انعقاد جلسة الأربعاء، إذا سلّمنا بتجميد البرلمان الذي كان سعيّد قد أعلنه قبل ثمانية أشهر، والذي لا يفقدهم صفة النواب".

وتساءل العيادي "أين التآمر على أمن الدولة في ممارسة المجلس لدوره الدستوري والقانوني، حتى يتم إحالة النواب على فرقة مكافحة الإرهاب للتحقيق معهم، في وقت أن معنى التآمر هو التخطيط والتخابر لقلب استقرار الدولة؟". وبيّن أن "هذا يندرج في إطار التسلّط والخروج عن القانون وتوظيف القضاء، ما يفسر اندفاع سعيّد للحصول على الاختصاص التشريعي والقضائي ليسخره لخدمة أجنداته".

وشدد على أن "هذا الأمر على قدر كبير من الخطورة والبلاد مقبلة على انشطار حول مآل الشرعية التي ستتجسد في الرئيس المنقلب أم في نواب البرلمان المنتخب". وتابع أن "هذه خطوة نحو إحداث انقسام وانشطار في الدولة، وهو أمر خطير على مستقبل تونس".

من جهته، أكد وزير حقوق الإنسان الأسبق، سمير ديلو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "التتبّعات القضائية ضد النواب، دليل إضافي على أن الرئيس يتصرّف في البلاد والعباد والسلطات تصرّف المالك في ملكه".

وقال ديلو إن "البلاد تتّجه بخطى حثيثة نحو تعميق الأزمة متعدّدة الأبعاد"، مفسراً بأن "الصراع ليس بين البرلمان والرئيس، بل بين الحكم الفردي الذي يسعى لجمع كل السلطات والصلاحيات، والدعوة للتمسك بالشرعية الدستورية وبالمؤسّسات المنتخبة والبحث عن حلول للأزمة عبر الحوار والتشارك".

وبيّن ديلو أن 'انعقاد الجلسة العامة (يوم الأربعاء الماضي) هو تطبيق حرفي للفصل 80 من الدستور التونسي الذي يفرض بقاء البرلمان في حالة انعقاد دائم طيلة مدة الإجراءات الاستثنائيّة"، مضيفاً أن "ممارسة الصلاحيات الدستورية لا يمكن أن تُعتبر تصعيداً".

كما اعتبر ديلو أنه "ليس هناك أيّ سند قانوني أو دستوري لحلّ البرلمان، فالفصل 80 من الدستور الذي فعّل سعيّد بموجبه الإجراءات الاستثنائية ينصّ على العكس تماماً بأنّه لا يمكن حل البرلمان طيلة تلك الفترة، أمّا الفصل 72 من الدّستور، الذي استند عليه الرّئيس لحل البرلمان فلا علاقة له مطلقاً بآليات وتراتيب حل البرلمان (التي ينظّمها الفصل 99 من الدستور)"، بحسب تعبيره. وتابع "قرار الرئيس غير شرعي وغير دستوري".
مواقف دولية منددة بحل البرلمان التونسي

ويتوازى استدعاء النواب للتحقيق، مع استمرار المواقف الرافضة، دولياً وتونسياً، لقرار سعيّد حل البرلمان. وأعلن مساعد رئيس البرلمان التونسي ماهر المذيوب، أمس، تقديم شكوى إلى الاتحاد البرلماني الدولي، ضد سعيّد لـ"قراره إبطال وإلغاء ولاية برلمانية تعسفياً". ونشر تدوينة على حسابه على "فيسبوك"، مرفقة بنص شكوى مطولة ضد سعيّد، موجهة إلى رئاسة لجنة حقوق الإنسان بالاتحاد البرلماني الدولي (مقره جنيف).

دولياً، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، خلال إيجاز صحافي مساء الخميس، إن "بلاده تشعر بقلق بالغ من قرار الرئيس التونسي حل البرلمان، وإزاء ما يتداول من أن السلطات التونسية تدرس اتخاذ إجراءات قانونية بحق نواب فيه". وأوضح برايس أن "العودة السريعة إلى الحكم الدستوري، ومن ذلك برلمان منتخب، أمر بالغ الأهمية لمنظومة حكم ديمقراطي ومن شأنها أيضا أن تؤمّن دعما مستمرا واسع النطاق للإصلاحات المطلوبة لمساعدة الاقتصاد التونسي على الانتعاش".

من جهتهم، اعتبر رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي غريغوري ميكس وعضو اللجنة مايكل ماكول، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي بوب مينينديز وعضو اللجنة جيم ريش، في بيان مشترك، أن محاولة سعيّد حل البرلمان "تعد بمثابة أحدث الخطوات في سلسلة من التحركات المقلقة التي تهدد المؤسسات الديمقراطية التونسية والديمقراطية وتنذر بمزيد من التدهور في سيادة القانون".

ولفتوا إلى أن ما يحصل هي "خطوات مقلقة تهدد المؤسسات الديمقراطية في تونس وتنذر بمزيد من التدهور في سيادة القانون".

كما أعربت الأمم المتحدة، عن قلقها إزاء قرار حل البرلمان. وحث المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، في مؤتمر صحافي في نيويورك، "جميع الأطراف التونسية على الإحجام عن أي أفعال تؤدي لمزيد من التوتر السياسي في البلاد".
سياسة | المصدر: العربي الجديد | تاريخ النشر : السبت 02 إبريل 2022
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com