Akhbar Alsabah اخبار الصباح

الإمارات تشتري صمت المؤسسات الأميركية

بالمال قال تقرير لموقع ريسبونسبل ستيت كرافت إن على المؤسسات الفكرية الأميركية استخدام مهاراتها وخبراتها لإدانة التجاوزات الإماراتية، بقدر ما تستخدمها في تحليل الأخبار المرتبطة بروسيا والصين وغيرهما من الدول.

وأشار التقرير إلى أن هذا المعيار المزدوج الخطير الذي تضعه أكبر المؤسسات الفكرية المنتجة للمعرفة في الولايات المتحدة، وأنه قد يساعد التزام الصمت بشأن أخطاء ممول رئيسي المؤسسات الفكرية من الناحية المالية، ولكن المؤسسات الفكرية مُلزمة بتجنب تضارب المصالح، وعدم انتهاك ثقة صناع السياسة، وتقديم تحليل ناقد لدولة الإمارات العربية المتحدة، على غرار البلدان الأخرى، بغض النظر عن مقدار الأموال التي تدفعها لها الإمارات، وذلك بصفتها مؤسسات يلجأ إليها صناع السياسات من أجل الحصول على رؤى موضوعية.

وقال التقرير إنه قبل أسبوعين، وجهت وزارة العدل الأميركية اتهامات للملياردير توم باراك، وهو صديق قديم لدونالد ترامب وأكبر جامع تبرعات لحملة ترامب الرئاسية عام 2016، بناء على مزاعم بأنه يعمل بشكل غير رسمي لخدمة مصالح دولة الإمارات العربية المتحدة. أصبح باراك أحدث شخصية في سلسلة طويلة من حلفاء ترامب المتهمين بتقديم خدمات لدول أجنبية، لكن لم يكن هناك أي نقاش جاد حول تورط الإمارات العربية المتحدة في هذا المخطط الجديد للتدخل سرا في السياسة الأمريكيّة.

وتابع: “يخيم الصمت على القطاع المؤهل أكثر من غيره للحديث عن فضائح السياسة الخارجية الأميركية، أي مراكز الأبحاث. وتعدّ هذه المراكز من أهم الأطراف المشاركة في تقديم المشورة لأعضاء حكومة الولايات المتحدة من أجل اتخاذ القرارات، وتبدي اهتماما خاصا بالنفوذ غير المشروع للدول الأخرى”.

حاول أن تبحث عن كلمة “التدخل الروسي” على مواقع المؤسسات البحثية الكبرى مثل المجلس الأطلسي وستجد عشرات المقالات والتقارير والتعليقات لكبار الباحثين حول التدخل الروسي في السياسة الأميركية. كما تم تناول محاولات التأثير الصينية على نطاق واسع من قبل الأطياف الأيديولوجية المختلفة داخل مراكز الأبحاث.

رغم الاتهامات الموجّهة لباراك التي تؤكد أن دولة ديكتاتورية أجنبية قد نفّذت حملة ناجحة للتأثير في رئيس الولايات المتحدة في قضايا السياسة الخارجية الرئيسية، إلا أن أبرز المؤسّسات الفكريّة المهتمة بالسياسة الخارجية بقيت صامتة بشأن دور الإمارات في هذه العملية غير المشروعة.

يأتي ذلك في أعقاب الصمت التام لمراكز الأبحاث عند ضبط الإمارات العربية المتحدة وهي تتآمر من أجل تقديم أكثر من 3.5 ملايين دولار من المساهمات غير القانونية في الحملات الانتخابيّة من 2016 إلى 2018، وحين أنفقت الإمارات 2.5 مليون دولار في حملة سرية لتأليب أعضاء الكونغرس ضد دولة قطر في عام 2017.

لماذا يتمّ التعامل مع تدخّل نظام استبدادي مثل نظام الإمارات العربية المتحدة، في السياسة الأميركية، بشكل مختلف عن تدخل الأنظمة الاستبدادية الأخرى مثل روسيا والصين؟ الإجابة المحتملة هي: المال.

لا توجد دكتاتورية أخرى في العالم تقدّم للمؤسسات الفكريّة الأميركية أموالا أكثر من دولة الإمارات العربية المتحدة. قد تكون هناك أسباب لا تعدّ ولا تحصى لصمت المؤسسات الفكريّة بشأن حملات الإمارات المتكررة للتأثير بشكل غير شرعي في السياسة والانتخابات الأميركية، لكن الحقيقة الواضحة هي أن العديد من تلك المؤسسات التي ما تزال صامتة تلقّت بالفعل دعما ماليا كبيرا ومباشرا من الإمارات العربية المتحدة.

على سبيل المثال، وفقا لأحدث تقرير مالي للمجلس الأطلسي، تبرعت سفارة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن بما لا يقل عن مليون دولار أميركي للمؤسّسة بين عامي 2019 و2020. وبعدها بفترة وجيزة، عقدت المؤسّسة الفكريّة المرموقة منتدى الطاقة العالمي السنوي الرابع لها بالشراكة مع شركة بترول أبو ظبي الوطنية وغيرها من شركات الطاقة والبترول. وقبل ذلك، تلقت مؤسّسة المجلس الأطلسي ما لا يقل عن 4 ملايين دولار من الإمارات العربية المتحدة بين عامي 2014 و2018، وفقا لتحليل البيانات المالية التي نشرها المجلس الأطلسي ومركز السياسة الدولية. لقد أتاح هذا التمويل لدولة الإمارات العربية المتحدة فرصة التعليق على منشورات المجلس الأطلسي قبل صدورها.

وقد تصدر المجلس الأطلسي عناوين الصحف في آذار/ مارس الماضي عندما انتقد 22 من موظفيه علنا التقرير الذي نشره اثنان من زملائهم دعما لتشارلز كوك، ووصل الأمر بأحد المنتقدين للقول بأن المدافعين عن كوك لديهم “تقريبا نفس وجهات نظر الروس”.

على الرغم من هذا النقد الصريح للتمويل من قبل مواطن أمريكي، إلا أن المجلس الأطلسي، باعتباره منظمة فكرية مرموقة، لم يعلق علنا على اتهام الإمارات مرة أخرى بإدارة عملية تأثير غير مشروعة داخل الولايات المتحدة، كما ورد في لائحة اتهام باراك. ومن بين هؤلاء الأعضاء الـ22 في المجلس الأطلسي الذين سارعوا إلى التشكيك في تمويل زملائهم، علق واحد فقط علنا على الديكتاتورية الأجنبية التي تبرعت بالملايين إلى المجلس الأطلسي في حين كُشف تدخلهم غير القانوني مرارا وتكرارا في السياسة الأميركية.

تتطلب سياسة الاستقلال الفكري للمنظمة “موافقة جميع الجهات المانحة على أن يحتفظ المجلس بالسيطرة المستقلة على المحتوى والمنتجات النهائية”. ولكن من المفترض ألا يؤدي ذلك إلى غض الطرف عن التجاوزات المحتملة للممول.

أوضح متحدث باسم المجلس الأطلسي عبر البريد الإلكتروني أن المنظمة تتسم بالشفافية بشأن مموليها، وأن “خبراءها يتمتعون باستقلال فكري كامل، وأن أي ادعاء يخالف ذلك سيكون باطلا. وقد كتب الموظفون عبر برامج المجلس الأطلسي انتقادات لسياسات الإمارات وكشفوا عن جهود التأثير – وجميعها متاحة للرأي العام”.

يروي استطلاع أجراه موقع المجلس الأطلسي على الإنترنت قصة مختلفة، فلا توجد تغطية بالغة الأهمية لدولة الإمارات العربية المتحدة بشكل عام، ولا شيء على الإطلاق يعالج عمليات التأثير غير المشروعة لدولة الإمارات في الولايات المتحدة التي حدثت في الوقت الذي استقبل فيه المجلس الأطلسي الملايين من الإماراتيين. ولم يرد المتحدث باسم المجلس الأطلسي على طلب تقديم أدلة على كتابات أعضاء المجلس الأطلسي التي يُزعم أنها متاحة للجمهور، والتي تنتقد الجهود المبذولة من الإمارات في عملية التأثير غير المشروعة.

إن التزام الصمت بشأن قضايا الأمن القومي التي تتورط فيها الإمارات يمثل نمطا تتبعه المؤسسات الفكرية التي تعترف بخبرتها في السياسة الخارجية وتتلقى التمويل الإماراتي. على سبيل المثال، دفعت الإمارات مبلغ 250 ألف دولار لمركز الأمن الأميركي الجديد في سنة 2016 لإصدار تقرير يشجع الولايات المتحدة على السماح ببيع طائرات عسكرية مُسيّرة للإمارات.

بين سنتي 2016 و2017، ساهمت الإمارات بمبلغ 20 مليون دولار في معهد الشرق الأوسط في إطار “مساهمة سرية” وقع الكشف عنها من خلال رسائل البريد الإلكتروني المسربة، لتوجيه التمويل واستخدامه لتغيير المفاهيم حول الإمارات في الولايات المتحدة. كما تلقى معهد “آسبن” أكثر من 5 ملايين دولار من الإمارات منذ سنة 2014 ونظم العديد من الفعاليات بالشراكة مع الإماراتيين، وهو يعتبر من أكبر المستفيدين من الأموال الإماراتية.

في ظل سجلهم الحافل بتلقي التمويل الإماراتي، فلا عجب أن أيا من مركز الأمن الأمريكي الجديد أو معهد الشرق الأوسط أو معهد “آسبن” لم تصدر تحليلات أو منشورا على منصات التواصل الاجتماعي لانتقاد الإمارات العربية المتحدة علنا لدورها في إدارة عملية التأثير غير المشروعة المنصوص عليها في لائحة اتهام توم باراك.

في نهاية المطاف، تعد قصة باراك مجرد حلقة جديدة في سلسلة من الأحداث التي تسلّط الضوء على ضرورة استخدام المؤسسات الفكرية لمهاراتها وخبراتها لإدانة التجاوزات الإماراتية بقدر ما تستخدمها في تحليل الأخبار المرتبطة بروسيا والصين وغيرهما من الدول.

هذا هو المعيار المزدوج الخطير الذي تضعه أكبر المؤسسات الفكرية المنتجة للمعرفة في البلاد. وقد يساعد التزام الصمت بشأن أخطاء ممول رئيسي المؤسسات الفكرية من الناحية المالية، ولكن المؤسسات الفكرية مُلزمة بتجنب تضارب المصالح، وعدم انتهاك ثقة صناع السياسة، وتقديم تحليل ناقد لدولة الإمارات العربية المتحدة، على غرار البلدان الأخرى، بغض النظر عن مقدار الأموال التي تدفعها لها الإمارات، وذلك بصفتها مؤسسات يلجأ إليها صناع السياسات من أجل الحصول على رؤى موضوعية.
سياسة | المصدر: عربي 21 | تاريخ النشر : الجمعة 13 اغسطس 2021
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com