Akhbar Alsabah اخبار الصباح

مرشح شيوعي لرئاسيات تشيلي حاملاً رسالة فلسطين

مرشح شيوعي لرئاسيات تشيلي بأصوله الفلسطينية وفكره الشيوعي، وعدائه المعلن للحركة الصهيونية والسياسة الأميركية، يعتزم دانيال حنا إبراهيم الحذوة الترشح للانتخابات الرئاسية في تشيلي بعد بضعة أشهر. خليط أفكار يحمله في أميركا اللاتينية، التي لطالما اعتبرتها الولايات المتحدة الأميركية ساحتها الخلفية بتدخلاتها ضد إرادة شعوبها واستقوائها عليهم في الماضي والحاضر، لكن الحذوة يجيب بابتسامة كبيرة "أنا قادم من المستقبل، وأنحاز للشعوب ضد القهر، والاستعمار، والرأسمالية، وهي أفكار غير قابلة للحياة، لأنها ضد قيم العدالة والمساواة".

من مكتبه في سانتياغو، يتحدث الحذوة مع "العربي الجديد" من رام الله، عن نشأته وتجربته السياسية والاجتماعية قبل وصوله للترشح إلى الانتخابات.

"البيت جالي" المهاجر
الحذوة مولود لأبوين فلسطينيين وجداه لأمه وأبيه فلسطينيان أيضاً، كان أجداده من أوائل من هاجروا من مدينة بيت جالا في محافظة بيت لحم، جنوب الضفة الغربية، عام 1920 إلى تشيلي. يوم ولادة دانيال الحذوة في 28 يونيو/ حزيران 1967، كان حدثاً لا تنساه العائلة، وهو اليوم الذي قرر فيه الاحتلال الصهيوني ضم شطري مدينة القدس المحتلة. يقول الحذوة: "كان يوماً مراً وحلواً، كان هناك حزن على ما فعله الاحتلال، ولكن في الوقت ذاته كانت عائلتي سعيدة بقدومي للحياة".

في عمر الثالثة انفصل والدا الحذوة الذي عاش مع أمه، واختبر في عمر صغير الفكر الذكوري الشرقي ضد المرأة، لكنه انحاز للمرأة وحقوقها، وربته أمه مجدولين الحذوة، التي كانت تمتلك محلاً صغيراً للملابس في حي "باتروناتو"، وهو أهم وأكبر تجمّع للفلسطينيين في سانتياغو. وعندما بدأ يتشكّل وعي دانيال الحذوة، كان الحديث الدائم في البيت هو عن فلسطين وإجراءات الاحتلال ضد أقارب العائلة في بيت جالا، وكانت أخبار اعتقال أبناء العمومة والاعتداء عليهم ومصادرة أراضيهم هي كل ما تحمله الرسائل الآتية من بيت جالا شهرياً، والتي كان يقرأها الجدان سواء من طرف الأم أو الأب على مسمع الجميع.

العربية لغة الأسرار
"اللغة العربية كانت لغة رسائل العائلة الآتية من فلسطين، وهي لغة الأسرار أيضاً"، يقول الحذوة ضاحكاً. لكن الأبوين وكذلك الأجداد حرصوا على التحدث باللغة الإسبانية أمام الأطفال الذين كبروا في عهد الديكتاتور أوغستو بينوشيه، في مجتمع بدأ يميل للعنصرية، لذلك حرصوا على أن تكون لغتهم من دون أي "لكنة" تعرّضهم للتنمر. يقول الحذوة: "عندما كان أحد أجدادي أو أحد والديّ يريد أن يتحدث حول أمر سري، لا يريدون إطلاعي عليه أنا وشقيقي وشقيقتي، كانوا يتحدثون باللغة العربية، هذه لغة الأسرار العائلية". لا يتحدث الحذوة العربية لكنها يفهمها جيداً، ويقول: "بعد عدة أيام من وجودي في فلسطين أستطيع أن أفهم كل كلمة، وكأن الكلمات كانت مخبأة في عقلي وقلبي". كانت آخر زيارة للحذوة إلى فلسطين عام 2019، لكنه يؤكد أنه سيقوم بزيارة أخرى قبل دخوله سباق الرئاسة في تشيلي، خريف هذا العام.

الهوية الفلسطينية اليسارية منذ الصغر
عندما بلغ الحذوة ست سنوات من العمر عام 1973، حدث الانقلاب في تشيلي بقيادة الديكتاتور أوغستو بينوشيه، وبدأ الطفل يسمع في الشارع والمدرسة ومن الجيران ما كان يسمعه في البيت من أخبار اعتقالات وقتل، لكن هذه المرة في تشيلي، وليس في بيت جالا. بعد سنوات قليلة، يؤكد الحذوة أنه أدرك أن من هم وراء القتل والتدمير وانتهاك حقوق الإنسان في فلسطين، هم ذاتهم الذين دعموا القتل والعنف والاعتقالات في تشيلي، أي الولايات المتحدة، وهذا ما بنى هويته اليسارية منذ الصغر.

بدأ الحذوة نشاطه السياسي في عمر الحادية عشرة، عام 1978، إبان العدوان الصهيوني على لبنان، كان يشارك في المحاضرات عن فلسطين، ويرسم البوسترات للتظاهرات، وبدأ فعلياً يلقي الكلمات والمحاضرات في ذلك العمر، وعندما أصبح في الخامسة عشرة، كان قد أتقن إلقاء المحاضرات حول فلسطين أمام الجمهور بتعليم ودعم من الفلسطينيين الناشطين في العمل السياسي في تشيلي حينها، أبرزهم ميشيل مرزوقة ونيكولا الحذوة.

"أوسلو" نقطة التحوّل
نشط الحذوة في المؤسسات الفلسطينية، خصوصاً المكتب الإعلامي الفلسطيني في تشيلي، والذي كان قريباً من الجبهة الشعبية لتعرير فلسطين، الفصيل الفلسطيني الذي ارتبط به الحذوة، حتى عام 1993، أي تاريخ توقيع اتفاقية أوسلو، والذي شكّل نقطة تحوّل في حياته. يقول الحذوة: "صحيح أنني بدأت عملي السياسي في المؤسسات الفلسطينية، لكن في اليوم التالي لتوقيع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو قدّمت استقالتي من جميع هذه المؤسسات التي كنت أتطوع فيها، احتجاجاً على الاتفاقية، وفي اليوم ذاته أصبحت عضواً في الحزب الشيوعي التشيلي". لماذا الحزب الشيوعي التشيلي؟ يرد: "لأنه أقرب حزب إلى فكر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين".

وعلى الرغم من كل هذه السنوات، لم يتغير موقف الحذوة من اتفاقية أوسلو التي يرى أنها "خدعة أميركية إسرائيلية لن تحقق الحرية ولا الاستقلال للفلسطينيين".

مفتون بثورات الشعوب
الحذوة مفتون بتاريخ ثورات الشعوب، ويستلهم نضاله اليومي من شخصيات مثل: جورج حبش، أحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وفيدل كاسترو، وسلفادور أليندي، الرئيس الاشتراكي المنتخب في تشيلي والذي دعمت الولايات المتحدة انقلاباً عسكرياً ضده أدى لمقتله عام 1973 على يد بينوشيه، والأمينة العامة للحزب الشيوعي في تشيلي التي ناضلت ضد الديكتاتورية كلاديس مارين، "هؤلاء وغيرهم من الثائرين من تربيت وأنا أتطلع إليهم، هؤلاء هم الذين صقلوا شخصيتي"، يقول الحذوة لـ"العربي الجديد". ولا يعتبر الحذوة انتماءه للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في شبابه تهمة، ويقول بتحدٍ: "إذا وصفت الولايات المتحدة منظمة فلسطينية بالإرهاب، فهذا يعني أنها تقاوم من أجل الحرية، وأنا لا أهتم لما يقوله الأميركيون، ولا أخشاهم".

الحذوة معروف بأوساط أصدقائه والسياسيين بأنه قارئ نهم، ومن الصعب أن يتحدث من دون أن يقتبس أفكاراً ومقولات من كتّاب ومفكرين، منهم على سبيل المثال أمين معلوف، وخوسيه ساراماغو، وسمير أمين، والعديد من الكتّاب الذين صاغوا وعيه مبكراً.

فلسطين أبرز أجنداته
في حال أصبح دانيال الحذوة رئيساً لدولة تشيلي، فإن فلسطين ستكون في موقع بارز على أجندته، إذ يقول: "لن تشارك تشيلي في دفع فاتورة الاحتلال الإسرائيلي، ولن يكون هناك أي دعم للاحتلال من أي نوع، وتحديداً للمستوطنات ومنتجاتها". ورداً على سؤال عما إذا كانت الدبلوماسية الفلسطينية قد تواصلت معه أم لا؟ يجيب: "حتى الآن لا"، لكنه يوجّه رسالتين إلى القيادة الفلسطينية: "ركزوا في بناء منظمة التحرير الفلسطينية من جديد، ويجب أن يكون هناك مشروع تحرر وطني حقيقي، هذه أولويات القيادة الفلسطينية اليوم، وليس أي شيء آخر".

سر وصوله مرشحاً لرئاسة تشيلي
الحذوة من الجيل الثالث في تشيلي الذي درس في الجامعات، وشارك في العمل السياسي، وتخصص بالهندسة المعمارية وعلم الاجتماع، وكانت هذه الخلطة هي سر نجاحه الكبير في إدارة بلدية ريكوليتا بعدما أخفق في الانتخابات البلدية مرتين، لكن مع إصراره فاز عام 2012، وحل مشاكل لطالما عانى منها السكان، أبرزها غلاء أسعار الأدوية، فقام بشراء الأدوية عبر البلدية وبيعها للأهالي بسعر الكلفة، وتم استنساخ تجربته في 130 بلدية في تشيلي، وقاموا لاحقاً بتأسيس اتحاد الصيدليات الشعبية عام 2018.
الفكرة نفسها كررها الحذوة مع الكتب التي كانت تباع مثل الأدوية بأسعار باهظة بسبب الضرائب، وقامت بلدية ريكوليتا بشرائها وإعادة بيعها بأسعار الكلفة، مستفيدة من قانون الإعفاء الضريبي للبلديات. الأصدقاء حول الحذوة الذين يعرفون مثابرته لطالما قالوا له "إنه لن يصل لأي منصب سياسي كبير طالما بقي في الحزب الشيوعي"، لكنه ظل دوماً وفياً لأفكاره وانتمائه، وأصر على الوصول من الطريق الصعب، أي من خلال الحزب الشيوعي وليس أي حزب شعبوي أو رأسمالي.
سياسة | المصدر: العربي الجديد | تاريخ النشر : السبت 26 يونيو 2021
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com