صافرات إنذار، وبث معطل لموجات الراديو، وتحذيرات على الهواتف المحمولة كل بضع ثوان، ورسائل تحذيرية على شاشات التلفزيون، هذا هو الحال لملايين الصهاينة الذين يعيشون في مناطق جنوب ووسط فلسطين المحتلة، على مدار الأيام الماضية.
لكن إذا ما قورن هذا الوضع بما يعيشه الفلسطينيون في قطاع غزة، فسنرى أن الصهاينة يتمتعون برفاهية كبيرة، فلا صافرات إنذار، ولا تحذيرات على هواتفهم، بل إن الموت يدخل بيوتهم، ويحصد الأطفال والنساء بلا أي رحمة.
الخوف لا يفارقهم حتى وهم يحتمون تحت الأرض
ليور دابوش (37 عاماً)، مستوطنة تعيش في مدينة عسقلان، الواقعة على بعد 12 كيلومتراً تقريباً شمالي غزة، قالت "هذا ليس أمراً طبيعياً يمكنك أن تعتاد عليه". وأضافت من غرفة "الحماية" حيث تنام مع طفليها "نادراً ما نغادر المنزل". وغرف الحماية هذه جزء إجباري في تصميم كل المنازل الجديدة.
كما أضافت ليور لرويترز "نستحم لفترة وجيزة ولا يمكن أن تبعد عن البيت… في بعض الأحيان ابني البالغ من العمر ثمانية أعوام لا يرغب في مغادرة غرفة الحماية".
كانت حركة حماس قد بدأت بإطلاق الصواريخ يوم الإثنين، بعد غضب فلسطيني واسع النطاق إزاء انتهاكات قوات الاحتلال للفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس بشكل خاص، بسبب إجراءات طرد محتملة لأسر فلسطينية من القدس الشرقية، إضافة إلى اقتحامات الشرطة الصهيونية للمسجد الأقصى والاعتداء على المصلين والمعتكفين فيه.
الموت في كل مكان في غزة
لكن في المقابل، وجد المدنيون الفلسطينيون في قطاع غزة أنفسهم محاصرين بصواريخ الاحتلال الفتاكة، التي تنسف البيوت على ساكنيها، حيث لا يوجد أي مكان أو ملجأ يحميهم من القصف المتعمد على بيوتهم، كما هو الحال في المستوطنات والمدن الصهيونية.
فإذا كانت صافرات الإنذار والقبة الحديدية تبعد جزءاً كبيراً من الخطر عن الصهاينة، عندما تحذرهم من الصواريخ القادمة من غزة، ما قد يعطيهم فرصة للاحتماء، فإن المدنيين في غزة لا يتمتعون بهذا النوع من الأمان.
فكثير من العائلات الفلسطينية نُسفت بيوتهم على رؤوسهم دون سابق إنذار، وقُتل جميع أفراد الأسرة عندما ينزل صاروخ يحمل عشرات الكيلوغرامات من المتفجرات القوية، فتحول أجساد النساء والأطفال إلى أشلاء.
كان آخر هذه المشاهد عندما استشهد ثمانية أطفال وامرأتان جميعهم من عائلة أبو حطب، جراء انهيار مبنى من ثلاثة طوابق في مخيم الشاطئ للاجئين بعد ضربة صهيونية، وفق ما أفادت مصادر طبية فلسطينية صباح السبت 15 مايو/أيار.
هذا الوضع دفع سكاناً فلسطينيين في شمال غزة للفرار من ديارهم، فلم يجدوا ملجأً من جحيم القصف إلى مدارس تديرها الأمم المتحدة للاحتماء بها، على الرغم من عدم وجود ضمان لدى أي أحد بعدم قصفها من قبل قوات الاحتلال، حيث كانت هذه المدارس هدفاً مقصوداً لدى الطيران الصهيوني في حروب سابقة.
أضرار نفسية
بمجرد انطلاق صواريخ المقاومة من قطاع غزة، ويتم رصدها من قبل الاحتلال الصهيوني، فإن صافرات الإنذار تدوي في المستوطنات، لكن ذلك ليس كافياً على الإطلاق، فما بين صافرات الإنذار وسقوط الصواريخ ثوان معدودة، لا تكفي لأخذ أي احتياطات.
هذا الأمر يخلق حالة من الهستيريا لدى الصهاينة، فكثير من الإصابات وقعت خلال تدافعهم أثناء محاولات وصولهم إلى الملاجئ بعد سماعهم صافرات الإنذار.
كما أظهرت العديد من الفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي حالات الرعب والصراخ التي يعيشها الصهاينة في المدن التي تتعرض للقصف، فقد ناشد العديد منهم حماس بالتوقف عن القصف.
وفي منطقة نتيف هعسراه، شمالي الشريط الحدودي الفاصل بين فلسطين المحتلة وقطاع غزة، وصف المرشد السياحي راز شميلوفيتش (45 عاماً) تأثير الأعمال الأخيرة قائلاً "أسرتي ليست هنا الآن، نقلتهم إلى مكان بعيد أكثر أمناً".
وأضاف لرويترز "على المدى الطويل، وبعد انتهاء الحرب سيتعين علينا أن نتعامل مع آثار ما بعد الصدمة على الأطفال".
وأردف قائلاً "إن عشت كل طفولتك تحت تهديد الصواريخ التي تنزل في فناء منزلك ولا يفصلك عن صافرات الإنذار سوى خمس إلى سبع ثوان، وأن يكون هذا هو الواقع الذي ينبغي أن تعتاد عليه، فهذا يعبث بعقلك".