Akhbar Alsabah اخبار الصباح

كيف انهارت شبكة الكهرباء والمياه بإحدى أغنى الولايات الأميركية

أغنى الولايات الأميركية فوجئ العالم بصور ومشاهد غير مألوفة تُبث من ولاية تكساس جراء العاصفة الثلجية غير الاعتيادية، والتي كشفت عن تدهور كبير في البنية التحتية في إحدى أكبر وأغنى الولايات الأميركية، حيث يبلغ متوسط الدخل السنوي قرابة 60 ألف دولار، وهي ثاني أكبر الولايات مساحة، وتقع وسط النصف الجنوبي للبلاد، ويبلغ عدد سكانها 30 مليونا.

وقد أصبحت عبارة "فضيحة تكساس" عنوانا لما شهدته الولاية خلال أيام قليلة من أحداث غير مسبوقة، في ظل تحقيقات تجري على المستوى الفدرالي وعلى مستوى الولاية ومقاطعاتها، من أجل البحث عن الأسباب التي أدت لهذه الفضيحة في ولاية عرفت بأنها "عاصمة الطاقة العالمية".

انقطعت الكهرباء عن الملايين من سكان تكساس، ولم تتوافر لهم في الوقت ذاته مياه نظيفة للشرب، وتوفي العشرات ولجأ المئات للبحث عن الدفء بالمستشفيات أو الفنادق، كما تشرد الآلاف.

كيف حدث ذلك؟
تصنف تكساس ضمن الولايات الدافئة طيلة أشهر الشتاء، ويبلغ متوسط درجات الحرارة في فبراير/شباط الحالي ما بين 9 و11 درجة مئوية، لكن انخفضت درجة الحرارة مع تعرض الولاية لعاصفة شتوية ثلجية، ووصلت لما دون الصفر (ناقص 15 درجة) في بعض المناطق، وصاحب ذلك سقوط كميات كبيرة من الثلوج، وتجمدت المياه داخل الأنابيب، وانقطعت الكهرباء عن الملايين، وقال الخبراء إن هذه العاصفة هي إحدى أكثر الكوارث الطبيعية تكلفة هذا العام.

يثول للجزيرة نت هشام عبد العزيز، وهو مدرس مصري أميركي يقطن بضواحي مدينة هيوستن التابعة للولاية "ما حدث فاق كل ما تخيلناه، كنا نعرف مسبقا أن هناك عاصفة وانخفاضا في درجات الحرارة، لكن لم يتخيل أحد هذا المستوى، نحن نعيش في تكساس، ولا نعيش في مينيسوتا".

وتسببت الثلوج في انقطاع التيار الكهربائي بصورة كاملة في بعض مناطق تكساس، وتسببت عدة عوامل بهذا الأمر، ونتج عنها عدم تلبية احتياجات الملايين من المستهلكين، والذين سارعوا إلى تدفئة منازلهم التي لم تكن مستعدة مثل منازل الشماليين، لمواجهة العواصف الثلجية القوية.

ففي العادة تشهد تكساس ذروة استخدام الطاقة أشهر الصيف، وتعتمد شبكة الولاية الكهربائية بشكل كبير على الغاز الطبيعي، والذي يصبح من الصعب الحصول عليه خلال فصل الشتاء.

وتسببت العاصفة الثلجية في انخفاض إنتاج كل مصادر الطاقة المتوافرة، ووصلت إلى حد التوقف في بعض المصادر، ولم يكن هناك استثناء سواء كان الغاز الطبيعي، أو الفحم أو الطاقة النووية أو الطاقة المتجددة مثل الرياح.

شبكة كهرباء منفصلة
يُضاف إلى ذلك أن تكساس هي الولاية الوحيدة بين الولايات الخمسين، التي تدير شبكة الكهرباء الخاصة بها، وهذا يعني أنها لا تخضع للوائح الفدرالية التي ربما أجبرت على الاستعداد لظروف قاسية بمثل هذه الحالة.

وتفاوت انقطاع الكهرباء من منطقة لأخرى في الولاية، ولكنه بلغ في المتوسط 3 أيام، ولجأ السكان إلى ارتداء عدة طبقات من الملابس، وتناول الملايين أطعمة لا تحتاج إلى الطهي على مواقد. وسجلت مقاطعة هاريس، حيث تقع هيوستن، أكثر من 300 حالة تسمم بأول أكسيد الكربون بسبب محاولة البعض تدفئة منازلهم عن طريق إدخال الشوايات والمولدات الكهربائية، واستخدامهما في منازلهم.

ولم تقتصر فضيحة تكساس على قطاع الطاقة، فقد تجمدت المياه داخل أنابيب وشبكات توصيلها للمنازل، وحذرت السلطات المحلية من احتمال تلوث المياه حال توافرها، وصدرت توجيهات بضرورة غلي المياه قبل استعمالها، أو استخدام المياه المعلبة عند توفرها.

وعاد المواطن عبد العزيز ليقول إنه استطاع الذهاب مبكرا وشراء عدة صناديق من المياه المعلبة والأطعمة من متجر شهير قبل أن يغلق أبوابه.

وحاول حاكم تكساس الجمهوري غريغ أبوت إلقاء اللوم فيما يحدث لولايته على الديمقراطيين عن طريق مهاجمة مبادرات استخدام مصادر الطاقة المتجددة، بدلا من أن يعترف بسوء البنية التحتية وعدم استعدادها لمثل هذا السيناريو.

وكتب عضو مجلس النواب جيمس تالاريكو في تغريدة على تويتر "الولاية التي تفخر بإنتاج الطاقة تركت الملايين من مواطنيها يتجمدون في الظلام. هذه جريمة". وأضاف "كنت دون كهرباء لمدة 30 ساعة، هذه ليست كارثة طبيعية، بل سنوات من نقص الاستثمار، وإلغاء القيود التنظيمية، والإهمال".

ومما فاقم من وضع تكساس أن شبكتها الكهربائية منفصلة عن شبكات الولايات الشرقية أو الغربية، وذلك أجل تجنب العمل باللوائح الحكومية، ونتج عن ذلك فشل تكساس في استيراد الكهرباء من خارج حدودها.

شركات الكهرباء والماء
وتمتلك وتدير شركات خاصة قطاع الكهرباء والمياه في تكساس، وهي لا تسعى إلا للربح، في وقت لا يمكن مطالبتها بالقيام بما يجب أن تقوم به الحكومات من توفير الطاقة والمياه بأسعار زهيدة للمواطنين.

وبسبب الأزمة ونقص المعروض، خضعت أسعار الكهرباء لنظام "التسعير طبقا لاحتياجات السوق". ومع ندرة الطاقة الكهربائية المتوفرة بسبب العاصفة، ارتفعت أسعار فواتير الكهرباء إلى آلاف الدولارات، وتضاعفت تكلفة متوسط الاستهلاك للطبقة المتوسطة -التي اعتادت على فواتير تتراوح بين 150 و200 دولار- لتتلقى فواتير بقيمة 3000 دولار، فاضطر حاكم الولاية إلى أن يأمر شركات الكهرباء بوقف إرسال الفواتير للمستهلكين.

ويقول أستاذ أكاديمي رفض الكشف عن اسمه يعمل في جامعة تكساس بمدينة أوستن العاصمة "جشع النموذج الرأسمالي هو السبب وراء ما شهدته الولاية خلال الأيام الماضية". ويضيف أن مديري شركات الطاقة "يحصلون على مرتبات وحوافز سنوية بملايين الدولارات، في حين تترك الطبقة المتوسطة لمواجهة مصيرها وحدها بالأزمات".

وأضاف "تعرضت وعائلتي لتجربة مريرة 3 أيام، ومن حسن الحظ أننا لم نضطر لشراء المزيد من الطعام، لكن تجربة فقدان الكهرباء بالمنزل، وعدم وجود تدفئة كان أليما جدا، واضطررنا لاستخدام كل ما لدينا من بطاطين وأغطية".

وواصل الأكاديمي شكاواه "انقطعت المياه ليوم واحد لم نغسل فيه أسناننا، اليوم التالي لم نستخدم المياه في الشرب أو الطهي، نحن نعتمد على المياه المعلبة كما نصحت بذلك السلطات".

ماذا بعد؟
ولا يزال من السابق لأوانه تحديد حجم الخسائر التي لحقت بتكساس، ولكن من المؤكد أن عملية تسليم وإعطاء لقاح فيروس كورونا المستجد قد توقف، وفقد أكثر من مليون من مواطني الولاية فرصة تلقي التطعيم الأيام القليلة الماضية.

وبعد ذوبان الثلج، ستحتاج الولاية لمواجهة سؤالين مهمين، الأول: هل كانت تحتاج إلى زيادة حجم الاحتياطي المتوفر من الطاقة؟ ومن سيدفع تكلفة الاستثمار المستقبلي في تحديث شبكات الكهرباء؟ ليرد المدرس المصري الأصل "نهاية المطاف سيتم توزيع التكلفة على المستهلكين أمثالنا، ودون المزيد من الاستثمار بشبكات الكهرباء، انقطاع التيار سيتكرر في المستقبل، وهذا لا يتمناه أحد".
سياسة | المصدر: الجزيرة | تاريخ النشر : الأربعاء 24 فبراير 2021
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com