Akhbar Alsabah اخبار الصباح

ما يجري في مصر من منظور مختلف

عزمي بشارة بالمنظور التاريخي، ما يجري في مصر حاليا هو إثارة قضايا أساسية كانت مكبوتة في غرف الاستبداد الخلفية، أو مطمورة في أقبيته، أو ممنوعة من الحسم على الأقل. لقد انكشف غطاء الاستبداد، وفُسِح المجال للخصومة والتحاور بين أصحاب المواقف والآراء بشأن هذه القضايا، وذلك للتمايز وإعادة بناء الوحدة الوطنية المتمايزة في داخلها على درجة أعلى. وسوف تستمر هذه العملية حتى تجد الديمقراطية المصرية ذاتها وشخصيتها. ويفضّل أن تستمر لتستكمل في البرلمان والانتخابات والإعلام، وكذلك في النضال الشعبي اذا لزم الأمر.
هذه صيرورة طبيعية. وسوف تستقر في النهاية على عملية سياسية ذات قواعد متفق عليها.
المشكلة في حدّة ما نشهده أن القوى السياسية المختلفة، الحاكمة والمعارضة، بدأت من النهاية، أي من الصراع الحزبي على الحكم. في حين أن بناء الديمقراطية في بدايته الهشة يحتاج الى قدر كبير من التوافق، وإخضاع الخلافات الحزبية للمصلحة الوطنية المشتركة المتمثلة ببناء النظام الديمقراطي. الحزب الحاكم أراد أن ينتهز فرص فوزه الانتخابي بأكثرية حرجة للحكم حزبيا بالأغلبية، كما في دولة ديمقراطية عريقة، ولم يحاول أن يشرك حتى القوى التي ساهمت في وصوله الى الحكم عندما كان وضعه عسيرا بين جولتي الرئاسة الأولى والثانية. كما أراد أن يحسم قضايا مبدئية في الجمعية التأسيسية معتقدا ان الدولة مقسومة كما في عهد الاستبداد بين الدولة والإسلاميين، وأنه مع الإطاحة بالنظام السابق خلت الساحة للإسلاميين. في حين ان المجتمع المصري أكثر تنوعا وحيوية من هذا، كان عليه أن يقرأ نتائج انتخابات الجولة الرئاسية الأولى بشكل أدق.
أما القوى الثورية والمعارضة للنظام السابق، وبسبب إقصائها من قبل من تقمص شخصية "الحزب الحاكم"، فتحوّلت فورا إلى معارضة غير انتقائية في تحالفاتها كما في نظام حزبي عريق. تعارض كل شيء بحق وبغير حق، تعارض وتدين حتى خطوات النظام الصحيحة، كأن خلف الخطوة الصحيحة مؤامرة تربطها بالخطوات غير الصحيحة. لقد أصبح هدف هذه القوى إضعاف الحكم وفضحه تمهيدا للانتخابات المقبلة. وهذه لعبة حزبية مبكرة. أسوأ ما فيها أنها تضحي بالنقاش الحقيقي على مذبح التنافس. ولهذا لم نشهد نقاشا حقيقيا ومطولا وعلنيا حول بنود الدستور، بل نقاشا متأخرا، وغالبا كجزء من الصراع بعد صدور الإعلان الدستوري.
لقد اختلطت هذه اللعبة الحزبية قبل أوانها بقضايا مبدئية يجب ان تثار وتناقش. ومنها ما يحسم، ومنه ما يتم التوافق عليه.
سوف يطيل هذا الانحراف عن مسار الثورة الطريق قليلا، كما جرى في إعاقة المجلس العسكري عملية وضع الدستور بعد الثورة مباشرة، ومن قبل القوى الثورية ذاتها التي يشكل توافقها الإجماع الثوري المطلوب لوضع الدستور.

ولكنها صيرورة وسوف تستقر في النهاية. ولا توجد عودة الى الخلف. مصر سوف تصبح دولة ديمقراطية قوية. ولا شيء يمكنه ان يحتوي حيوية الشارع السياسي المصري وتعدديته.
يدعي البعض ان الثورات عززت من قوة الإسلاميين، وأنا أرى أنها عززت قوة الجميع. الإسلاميون والعلمانيون، اللبراليون والقوميون، كلهم عززوا قوتهم بزوال الاستبداد. التعددية هي التي ظهرت وبانت، ويشتد عودها كل يوم. ومن هنا يخطئ خطأ فادحا من ينعى الثورة المصرية، أو يدعي ان الإسلاميين صادروها. فمتى رأيتم العلمانيين واللبراليين بهذا القوة والتنظيم في مصر؟ ولكن علينا أن نذكر أنه لا هم يمكنهم أن يلغوا الإسلاميين، ولا الاسلاميون يمكنهم أن يلغوا اللبراليين واليسار والقوميين وغيرهم.

مخطئ كل من يفكر بالثنائيات، وبضرورة ان ينتصر طرف على طرف. سوف يكون على الجميع أن يتعايشوا ويتنافسوا في إطار نظام ديمقراطي. ولكن الصراع هو على قواعد هذا النظام، وقواعد النظام الديمقراطي لا تقتصر على حكم الأغلبية، بل تتضمن أمورا كثيرة أخرى، ومنها ما يضع قيودا على الأغلبية. وهذا ليس صراعا سهلا، والأجدى أن يتحول الى حوار. فهذا هو الطبيعي بين قوى خاضت الثورة سوية وكانت متفقة ان هدفها هو إقامة الديمقراطية، إذا كانت متفقة فعلا على هذا الهدف. فهذه المرحلة هي الامتحان.
سياسة | المصدر: عزمي بشارة | تاريخ النشر : الجمعة 07 ديسمبر 2012
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com