Akhbar Alsabah اخبار الصباح

مبارك مهندس التوريث والثورة أفشلت تصعيد “سليمان”

حسني مبارك أكد الكاتب والباحث الأمريكي، جايسون براونلى، أن نظام المخلوع حسنى مبارك كان قمعيًّا ومستبدًا، ومع طول فترة بقائه في السلطة كان أكثر بطشًا بالمصريين.

وقال براونلي، فى كتابه «إجهاض الديمقراطية.. الحصاد المر للعلاقات المصرية الأمريكية فى أربعين عامًا»: إن المخلوع مبارك كان مهندس مشروع توريث الحكم لابنه جمال، موضحًا أنه خلال عقد التسعينيات قمع المخلوع مبارك، ومدير جهاز مخابراته عمر سليمان، حركة المعارضة العنيفة والسلمية على السواء، وتحول إلى نظام مستبد فى جوهره، ليبرالي فى مظهره، وقبل 1993 عمل جهاز المخابرات العامة بنفس الطريقة التى تعمل بها وكالة المخابرات الأمريكية «سى آى إيه»، أى وسيلة للتجسس خارج البلاد، لكن تحت إدارة عمر سليمان، وبنهاية عام 93 تجاوز عدد حالات القبض والاعتقال فى عهد مبارك 25 ألفًا، ووصل عدد ضحايا العمل السياسى إلى 2386، وفى هذه الأوقات المعتمة توج مبارك بفترة رئاسية ثالثة بحصوله على 96.3% من الأصوات، وأيدت إدارة الرئيس الأمريكي كلينتون سياسته القمعية.

ولفت الكاتب إلى أن مصر تحولت فى السنوات الأخيرة لحكم مبارك إلى شىء أشبه بضابط صغير فى نقطة شرطة بإحدى القرى، فلم يعد مسئولو البيت الأبيض يستشيرون مبارك فى قضايا الحرب والسلام، كما أنهم لم ينظروا إلى وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي على أنه حليف، بل اعتبروه شخصًا مزعجًا. موضحا أن السبب فى ذلك يعود إلى انشغال طنطاوى المفرط- من وجهة نظر الإدارة الأمريكية- بنمط الحروب التقليدية بين الدول، ورفضه إعادة تهيئة المؤسسة العسكرية لتستجيب لتحديات ما بعد الحرب الباردة .

وأضاف: خلافًا لمبارك والمشير تعامل رئيس المخابرات عمر سليمان بجدية مع قضايا الإرهاب، والتحديات المستجدة التى ابتليت بها واشنطن فى بداية القرن الواحد والعشرين، واعتمد عليه البيت الأبيض والكونجرس فى إدارة الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وفى محاربة تنظيم القاعدة، وفضل العديد من المسئولين الأمريكيين عمر سليمان لخلافة مبارك بدلاً من نجله جمال.

طاغية جديد

وكشف براونلى عن أن المخلوع حسنى مبارك نظر إلى “حماس” بوصفها امتدادًا لجماعة الإخوان المسلمين فى مصر، ولم يجد أي غضاضة فى فرض العزلة على الحركة الإسلامية فى غزة، إلا أن المسئولين المصريين تجنبوا التصريح علنًا بهذه السياسة، خشية أن يتهموا بأنهم شركاء للأمريكيين والإسرائيليين فى عدائهم للحكومة الفلسطينية، وسعى مبارك وعمر سليمان لإعادة سيطرة حركة فتح، وفى الوقت نفسه شرع سليمان فى التواصل مع حماس.

ورصد الكاتب برقية دبلوماسية صدرت فى منتصف فبراير 2006 عن السفارة الأمريكية بالقاهرة، تقول إن رئيس المخابرات المصرية ضغط على قادة حماس فى لقاء جمعه معهم من أجل «تبنى نهج واقعى وموقف مسئولية»، ووفقًا للبرقية الدبلوماسية، حذر سليمان قادة حماس من أنه ما لم تحترم الحركة الالتزامات الدولية على السلطة الفلسطينية، وتعلن تخليها عن العنف، وتعترف بإسرائيل، فإنهم لن يحصلوا على الدعم المصري.

ونقل رؤية سليمان بأن قادة حماس فهموا أنهم يحتاجون مصر، وبدا أنهم مستعدون للوفاء بالتزامات السلطة الفلسطينية، واحترام وقف إطلاق النار مع إسرائيل، لكنهم أحجموا عن الاعتراف بحق إسرائيل فى الوجود، بالإضافة إلى تأكيده بأن إدارة بوش أرادت من المصريين ممارسة المزيد من الضغوط، لكن عمر سليمان رفض فكرة تجميد المعونات الدولية للسلطة الفلسطينية، وفى الوقت نفسه ضغط المشرعون فى الكونجرس على إدارة بوش كى تظهر قدرًا أكبر من التصلب حيال حماس، يوازيه قدر أكبر من المرونة مع مبارك.

ويشير الكاتب إلى أن وجهة نظرهم فى ذلك أن المحاولات المتسرعة لتعزيز الديمقراطية يمكن أن تؤدى إلى إنتاج طاغية جديد، أو يمكن أن تؤدى- فى حالة مصر- إلى إزاحة طاغية قدّم يد العون للولايات المتحدة.

أموال المعونات

وحول المعونات الأمريكية التى كانت تخصص لمصر، والتى بلغت 4.5 مليار دولار فى الفترة من 1982 حتى 1986، يقول الكاتب إن أموال المعونات كانت تعود إلى واشنطن مرة أخرى من خلال الشركات الاستشارية الأمريكية التى كانت تجرى المسوح الميدانية والدراسات، وهى أعمال كان من الممكن للمصريين أن ينفذوها.

وأكد براونلى أنه برغم هذه الضغوط، واصل مبارك تضخيم القوة شبه العسكرية، المتمثلة فى الأمن المركزى، والتي بلغ عددها ما يقرب من نصف مليون جندى بحلول عام 1986، وانحدر نحو 60% من هؤلاء الجنود الأميين من أصول اجتماعية متواضعة، وجرى إلحاقهم بالأمن المركزى لأنهم غير مؤهلين للخدمة العسكرية التقليدية، وفاقت شروط الخدمة حالة الاستياء الطبقى لدى هؤلاء الشبان، فقد كانوا يحصلون على وجبتين فقط فى اليوم، وكانوا بالكاد يتلقون رواتب تتراوح بين 4 و6 جنيهات شهريًا، وكثيرًا ما وقف هؤلاء الجنود المحرومون ليحرسوا السفارات الأجنبية الجذابة، أو المواقع السياحية الفخمة، وعندما اقترحت الحكومة مد الخدمة العسكرية لجنود الأمن المركزى من ثلاث إلى أربع سنوات هاج نحو 17 ألفًا من المجندين فى القاهرة فى 25 فبراير 1986، مشعلين النار فى الفنادق والمحال التجارية، وأذهلت هذه الانتفاضة المخلوع مبارك وأعلن فى يوم 26 فبراير فرض حظر التجول، مما أدى إلى الحيلولة دون اتساع نطاق الشغب، ورغم نزول الملايين من سكان القاهرة، والذين قدر البعض عددهم بثلث سكان المدينة، إلى الشوارع، لكنهم لم ينضموا إلى المتمردين الذى كان عددهم كبيرًا، لكنهم كانوا منعزلين ومتفرقين عن بعضهم البعض.

المشير أبو غزالة

وتابع الكاتب الأمريكي: بناء على طلب مبارك تحرك المشير عبد الحليم أبو غزالة، وزير الدفاع حينئذ، من أجل السيطرة على الأوضاع، ووجه الجيش المصري سكان القاهرة إلى العودة إلى منازلهم، ثم قام بسحق التمرد بالدبابات وطائرات الهليكوبتر الحربية، وقوة النيران الثقيلة، وأسفر قمع التظاهرات عن مقتل 107 أشخاص، واعتقال الآلاف، وبعد نحو عشرة أيام ألغى مبارك حظر التجوال، إلا أن هيبته تأثرت سلبًا جراء هذا التمرد، وانعكست الأزمة سلبًا على نظامه المستبد.

وأشار إلى أن أبو غزالة بدا- حتى قبل تمرد الأمن المركزى- كأنه يخطف الأضواء من مبارك فى الداخل، وفى أتون أزمة تمرد جنود الأمن المركزى، بدا للمصريين كأن وزير الدفاع هو من يدير البلاد، ولهذا كانت شهرة أبو غزالة، مثل غيره من خصوم الرؤساء، سببًا فى إنهاء دوره السياسى، كما لم تشكل الأحزاب السياسية أى تهديد لمبارك، خصوصًا إذا قورنت بالتهديد الذى مثله أبو غزالة، أو تمرد جنود الأمن المركزي.

وأوضح براونلى أنه فى أواخر الثمانينيات كان مبارك على موعد مع الفرج، عندما خلف نائب الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب رونالد ريجان فى رئاسة الولايات المتحدة، وكان بوش خلال فترة توليه منصب نائب الرئيس قد تابع مبارك عن كثب وتفهم أولوياته، وخلال فترة ولايته التى أمضاها فى البيت الأبيض اقترب الرئيس الأمريكى بشكل ملحوظ من مبارك، ولم يسبق أن كانت العلاقة بين رئيس مصري ونظيره الأمريكى بمثل هذه الحميمية، إلا بين كارتر والسادات، ولم يتمتع مبارك مع أى من الرؤساء الأمريكيين التاليين بمثل هذه العلاقة التى جمعته ببوش، بحسب الكاتب الأمريكي .

وقال: بعد أن طويت صفحة الحرب الباردة بعد انهيار سور برلين فى نوفمبر 1989، ودخل الاتحاد السوفيتى فى مرحلة الكسوف، حانت فرصة ذهبية لواشنطن لإعادة رسم خريطة السياسة الدولية، وكتب بوش ومستشاره للأمن القومى “برنت سكو كروفت” عن دور مبارك فى هذا العصر الجديد، قائلَين إن مبارك كان موثوقًا به، لدرجة أن الرئيس بوش كان يهاتفه بانتظام، سواء لدردشة قصيرة أو مناقشات موسعة، ويرجع الفضل فى هذه العلاقة الشخصية القوية بين مبارك وبوش إلى قرار العراق الخاطئ بغزو الكويت، والذى أفضى فى النهاية إلى انتعاشة مفاجئة للخزينة المصرية.

مشروع التوريث

وأضاف الكاتب الأمريكي: فى عام 1999 كان المصريون على موعد مع صعود جمال، النجل الأصغر لمبارك، على المسرح السياسى برفقة حاشية من الرأسماليين لنهب خزينة مصر، ومن الناحية الظاهرية تخلت مصر عن إجراءاتها الاقتصادية البطيئة، ولهذا منحها البيت الأبيض أعلى الدرجات، وشارك نائب الرئيس الأمريكى آل جور مع مبارك فى مباحثات رفيعة لرعاية برنامج التكيف الهيكلى.

واعترف براونلى أن أيمن نور كان من دعاة تعزيز الديمقراطية بالنسبة لإدارة بوش، التى أعتبرت أن المعارض المصرى هو التغيير الذى سيحرر الولايات المتحدة من الاعتماد على مبارك، باعتباره البديل الوحيد للحكم الإسلامى.

وأكد أن المخلوع مبارك أصبح شريكًا حيويًا فى حرب إدارة بوش على الإرهاب، وحربها ضد صدام حسين، ولذلك استمرت المساعدات العسكرية والاقتصادية فى التدفق بشكل مطرد، واتسع نطاق التعاون بين مبارك والإدارة الأمريكية ليشمل تدريب عناصر من قوات الأمن المصرية فى واشنطن، وحدث كل هذا فى الوقت الذى خطط فيه مبارك وابنه لمشروع توريث القيادة الاستبدادية تحت غطاء الإصلاح السياسى.

وبالنسبة للسياسة الداخلية المصرية، يرى الكاتب الأمريكى أن قضية خلافة مبارك كانت مصدر قلق إدارة بوش الابن، ومثلما نظر البيت الأبيض فى عهد كارتر إلى التنمية الاقتصادية بوصفها درع الحماية لمصر من الاضطرابات الداخلية، كان تعزيز الديمقراطية أداة للبيت الأبيض فى عهد بوش لتحقيق الاستقرار فى مصر بعد رحيل مبارك، إذ تصورت الإدارة الأمريكية أنه، وفى ظل مجال سياسى أكثر انفتاحًا، ستكون هناك مساحة لشخصيات معتدلة مثل سعد الدين إبراهيم، وأيمن نور، فمثل تلك الشخصيات، ومعهم أى مستفيدين آخرين من أى انفتاح سياسى فى المستقبل على غرار جماعة الإخوان المسلمين، يمكن أن يكونوا بديلاً للقيادة الاستبدادية الحالية بقيادة مبارك وابنه.

وأشار براونلى إلى أنه فى عام 2006، أعاد المخلوع مبارك تفصيل النظام الانتخابى على مقاس ابنه جمال، وأصبح نجل مبارك واحدًا من ثلاثة أشخاص يتولون منصب الأمين العام المساعد فى الحزب الوطنى الديمقراطى، كما أن جمال التقى فى زيارته الخفية ديك تشينى، وكوندوليزا رايس، ومستشار الأمن القومى ستيفن هادلى، فضلًا على لقاء لم يكن مدرجًا مع الرئيس الأمريكى نفسه، وبالرغم من تحفظ بوش من إثارة موضوع الخلافة الرئاسية فى مصر علنًا، فإن لقاءه القصير مع جمال أشار إلى موافقته الشخصية على خلافة جمال لوالده .

دور عمر سليمان

وذكر الكاتب الأمريكي أنه كان من المتوقع أن يزور عمر سليمان واشنطن فى الشهر نفسه الذى زارها فيه جمال مبارك، لكن سليمان نجح فى مراوغة وسائل الإعلام، ووفقًا لبرقية دبلوماسية من السفارة الأمريكية فى القاهرة بتاريخ إبريل 2006 حول موضوع الخلافة السياسية، اعتبر الدبلوماسيون الأمريكيون أن سليمان هو المنافس المحتمل الوحيد لجمال فى خلافة مبارك، لافتا إلى برقية أخرى بتاريخ مايو 2006، ذكر فيها أن «تعاوننا الاستخباراتى مع عمر سليمان يمثل العنصر الأكثر نجاحًا فى علاقة الولايات المتحدة بمصر”

ويرى أن خبرة عمر سليمان العسكرية، وطبيعة عمله فى المخابرات جعلتا منه رهانًا موثوقًا فيه للسياسة الخارجية الأمريكية أكثر من جمال مبارك، ولو صحت المقولة الخاصة بأن «العداء لأمريكا هو عكاز السياسى الضعيف»، فإن الجاسوس المخضرم يمكن أن يحكم مصر منذ اليوم الأول دون أى غوغائية زائدة على الحد، كما أثبت سليمان أنه حليف قوى للولايات المتحدة وإسرائيل فهو يعمل على الإفراج عن شاليط، وإضعاف حماس.

وأكد براونلى أنه بعد تعيين عمر سليمان نائبًا لحسنى مبارك عقب ثورة 25 يناير، بلور البيت الأبيض موقفه الذى عبرت عنه وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون يوم الأحد 30 يناير، بأن الولايات المتحدة تساند «الانتقال المنظم» للسطلة فى مصر، وسيصبح الانتقال المنظم هذا هو شعار الولايات المتحدة خلال الفترة التى سبقت تخلى مبارك عن الحكم، وأظهرت التقارير أن أوباما سعى للحفاظ على الاستقرار فى مصر فى الوقت الذى يروج لنفسه، وكأنه يساند التحول الديمقراطى التدريجى.

ولفت إلى أن هيلارى كلينتون صورت عمر سليمان على أنه الربان الذى يقود السفينة وسط المياه المضطربة، وطالبت بدعم العملية الانتقالية التى أعلنت عنها الحكومة المصرية بقيادة نائب الرئيس عمر سليمان، ولكن بعد تصعيد الموقف من قبل الشعب المصرى بمطالبته بتنحى مبارك، تتابعت الأحداث لتصيب آفاق المستقبل السياسى لعمر سليمان بالكساح، ولتدحض أيضًا خطة الانتقال المنظم للسطلة التى كانت تتبنها الإدارة الأمريكية.
سياسة | المصدر: الحرية و العدالة | تاريخ النشر : الجمعة 28 فبراير 2020
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com