Akhbar Alsabah اخبار الصباح

لماذا سكت العالم على انقلاب حفتر ضد الحكومة الشرعية؟

انقلاب حفتر قبل أيام قُتِل بعدة مناطق في ليبيا عدد كبير من أفراد الجيش المصري بينهم رتب عليا، من مليشيات عبد الفتاح السيسي ليحاربوا بجوار مليشيات حفتر كمرتزقة، وهو ما دفع لافتعال معارك وهمية في سيناء، لادعاء أنهم قتلوا بها، وتثبيت كذبة وجود الإرهاب بسيناء!

ونجح الكيان الصهيوني له وكلاء محليين في البلدان العربية والدول الخليجية، منهم السيسي في مصر، وعبد الفتاح برهان في السودان، وخليفة حفتر في ليبيا، ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد في الخليج، وعلى مدار سنوات يواصل الليبيون المقاومة من أجل نيل حريتهم والتخلص من الديكتاتورية، وبعد مرور 9 سنوات على الثورة التي أطاحت بحكم القذافي، لم يتنازلوا عن حقهم في حياة كريمة بعيدًا عن حكم الانقلاب ومليشيات حفتر.

محطات

ويحيي الليبيون الذكرى التاسعة لثورة السابع عشر من فبراير التي أطاحت بنظام معمر القذافي عام 2011، لتمر ليبيا بعد ذلك بالعديد من محطات عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وهو ما هوى بالوضع الإنساني في البلاد؛ حيث ما زال المدنيون يدفعون ضريبة هذه التقلبات والأزمات المستمرة.

وتمكن الثوار من إسقاط القذافي، لكن حالة من الاستقطاب والارتهان للخارج بقيت مسيطرة على الساحة الليبية وأودت بالبلاد إلى الهاوية، ودفعت أكثر من مليون ومئتين وسبعين ألف شخص للهجرة إبان الثورة، و410 آلاف نزحوا منذ اندلاع أعمال العنف في طرابلس وبنغازي، ضريبة أعمال العنف التي قاد آخرها خليفة حفتر الذي يحاول منذ إبريل الماضي السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس، مستخدمًا في خضم ذلك القتل والدمار، مدعومًا من حلفائه الإقليميين والدوليين .

وانقلب حفتر على “اتفاق الصخيرات” بل على كل التفاهمات حتى تلك التي رعاها عرّابوه الإماراتيون والفرنسيون، فأكمل سيطرته على الشرق بدخوله مدينة درنة، ووضع يده على منطقة فزان في الجنوب.

وفي اللحظة التي انكفأت فيها الجارة الغربية الجزائر على مشاكلها، هجم على العاصمة طرابلس، بعد أن جمع حوله جنود الراحل معمر القذافي وسلفيو المدخلية، ومرتزقة الجنجويد ومتمردي دارفور وتشاد وقناصة فاغنر، وطائرات الإمارات ومدرعات مصر وخبراء فرنسا.

هجم على “عروس البحر” على حين غرة، بينما كان الجمع ينتظرونه في مدينة غدامس على مائدة الحوار، مُمَزِّقا كل المواثيق والعهود، زاحفا بقطعان جنوده من ثلاثة محاور، وفي اللحظة التي ظن الجميع أن طرابلس استسلمت لمصيرها المشئوم، أنجدها أحرار مصراتة والزنتان والزاوية بالمدد، وشكلوا بوحدتهم جدار صد تكسرت على أسواره هجمات لجماعات متعددة الأجناس.

قصة انقلاب

هذه باختصار قصة “جنرال الانقلابات” خليفة حفتر، مع هوسه المجنون بالسلطة ولو على حساب أشلاء الليبيين ومستقبلهم الحالم بالازدهار، استنجد حفتر بعدة قوى إقليمية ودولية، ومنحها قواعد جوية ليبية على غرار قاعدة “الخادم” بضواحي المرج، التي تتمركز بها الطائرات الإماراتية، وقاعدة الجفرة التي توجد بها مرتزقة من روسيا والجنجويد السودانية، وقاعدة الوطية، ويتمركز بها مرتزقة فاغنر الروسية.

وما زالت ميليشياته تخوض إلى اليوم معركة كر وفر دون أن تتمكن من دخول قلب طرابلس، ورغم إشهاره لورقة مرتزقة فاغنر في وجه الحكومة الليبية، إلا الأخيرة لا زالت تملك أوراقًا بإمكانها تحويل حلم حفتر إلى سراب.

ومع تسارع الأحداث فيما يخص الشأن الليبي بعد أن تشكلت مفارقة عالمية كبرى، يمثلها اعتراف الأمم المتحدة ودول العالم بالحكومة الشرعية الليبية في طرابلس، أما على الأرض فإن القوى الكبرى في العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى الدول الأوروبية وروسيا التي تعترف رسميا بحكومة الوفاق ولكنها تسهم، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في دعم حفتر، بينما تقوم الإمارات ومصر والسعودية بتقديم التمويل والدعم العسكري واللوجستي والسياسي له.

أمام هذا التواطؤ العالمي الخبيث الذي تعرضت له حكومة الوفاق، التي تمثل منطق التسوية السياسية الوحيد والحاضنة الأخيرة لأفكار الحرية والديمقراطية من نظام طغياني، قدمت مبادرة تركيا لحماية الحكومة الشرعية في طرابلس حبل النجاة الوحيد الممكن لليبيين الذين لا يريدون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، والانتقام، في الوقت نفسه، من أفكار الثورة في المنطقة العربية.

نظام عميل

تناسى العالم ضمن هذا السياق أن الحكومة الشرعية الليبية هي التي هزمت مشروع تنظيم “داعش”، وأنها قدمت آلاف الشهداء في حربها على ذلك التنظيم المخابراتي، في حين انتظرت قوات حفتر انتهاء المعارك للانقضاض على الحكومة الليبية، وخلق نظام عميل للقوى الإقليمية المناهضة للثورة.

عملت فرنسا خلال هذه الحقبة مقاولاً من الباطن لانقلاب حفتر، وقدمت له أشكالاً من الدعم الجوي والمخابراتي، والأغلب أن هذا بالتنسيق مع أبو ظبي، التي لعبت دور الممول والمخطط، وكان لها يد كبرى في “اختراع” الجنرال.

ولحفت تاريخ ملوث ومشبوه، من الانقلاب على الملك والهزيمة في تشاد، إلى العمل مع المخابرات الأمريكية، وصولا إلى انتظامه في المخطط الإماراتي، بموافقة ومشاركة سعودية ومصرية، ولا يستبعد أن تكون صفقات السلاح الفرنسية إلى مصر والإمارات إحدى الرسوم التي تمت جبايتها على خلفية هذا التورط.

أدت الاتفاقية البحرية والأمنية بين أنقرة وطرابلس إلى انضمام أطراف جديدة إلى هذا الحلف، على رأسها اليونان، التي استغلت ظروف ليبيا للتمدد والاستيلاء على مناطق من الحدود البحرية الليبية والمصرية، وتحشيدها للاتحاد الأوروبي ضد هذه الاتفاقية، وزيارة وزير خارجيتها الاستفزازية إلى بنغازي في نوع من الكيد السياسي الرفيع، كما قام بزيارة للقاهرة للتنسيق مع السفيه السيسي ضد حكومة طرابلس.

مصالح

وبما أن لكل فعل رد فعل، فقد لاحظ مراقبون بدء حراك إقليمي تمثل بزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تونس ولقائه الرئيس قيس سعيد، وهو ما دفع القوى التونسية المناهضة للثورة، والمحسوبة على حلف الإمارات السعودية مصر، للاستنفار والتحشيد.

ولا يمكن نسيان أن الجزائر لها مصالح أيضا في ليبيا، ويمكن احتسابها ضمنيًّا ضمن المحور المساند للحكومة الشرعية، على هذه الخلفية كلها، صار مفهوما طلب حكومة الوفاق للدعم العسكري التركي، وموافقة تركيا على ذلك.

أما اتصال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالسفيه السيسي، ودعوته لإنهاء التدخلات الخارجية، فليس غير استطالة للهراء الأمريكي والإيطالي الذي يتحدث عن مسافة واحدة من طرفي النزاع، وهو ما يصب عمليا في طاحونة حفتر، وكانت ليبيا في ذكرى ربيعها العربي التاسعة باتجاه تسوية سياسية تحفظ لشعبها دماءه، ولقواها السياسية اختلافها، ولكن العالم قرر عكس ذلك.
سياسة | المصدر: الحرية و العدالة | تاريخ النشر : الأربعاء 19 فبراير 2020
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com