تمكّن الجيش السوداني، فجر اليوم الأربعاء، من القضاء على التمرد والسيطرة على مقرات هيئة العمليات بجهاز المخابرات العامة، بالعاصمة الخرطوم، وفتح المجال الجوي أمام حركة الطيران، بحسب ما أعلنه رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
جاء ذلك في تصريحات صحافية أدلى بها، البرهان، فجر الأربعاء، تعليقًا على توترات أمنية شهدتها العاصمة الخرطوم، الثلاثاء، على خلفية قيام جنود يتبعون لهيئة العمليات التابعة لجهاز المخابرات العامة، بإطلاق النار في الهواء بكثافة؛ ليعلن الجيش فيما بعد هدوء الأوضاع، ثم توترها ثانية بعد عملية إطلاق نار ثانية بالجهاز.
وقال البرهان، في تصريحاته، إنّ "الدولة السودانية، بكل مكوناتها من القوات المسلحة والقوات النظامية وقوى ومجلسي السيادة والوزراء وقوى إعلان الحرية والتغيير، وقفت صفاً واحداً ضد هذه المؤامرة المدبرة ضد ثورة الشعب السوداني".
وتابع البرهان الذي ظهر إلى جانبه رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، وقيادات من "قوى إعلان الحرية والتغيير": "أؤكد لكم أنّ القوات المسلحة بكل مكوناتها تصدت لكل محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار ولإجهاض الثورة".
وأضاف: "وعدنا أن نحمي هذه الثورة ونحمي هذا التغيير، وأن نحمي المرحلة الانتقالية".
وشدد البرهان على عدم السماح بأي انقلاب على الشرعية الثورية، مؤكداً أن "الأمور عادت لنصابها، والمجال الجوي مفتوح وعلى المواطنين أن يمارسوا حياتهم الطبيعية".
من جهته، قال رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك: "نترحم على أرواح الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم"، مضيفاً: "تابعتم الأحداث(في إشارة إلى ما جرى بجهاز المخابرات) التي قصد منها قطع الطريق أمام الشعب لبناء الديمقراطية سلسلة".
وأشاد حمدوك بـ"القوات المسلحة والدعم السريع لما قاما به من عمل كبير لوأد هذه الفتنة"، متابعاً: "نثق في هذه القوات وقدرتها، ونؤكد على الشراكة الصلبة بين المكون المدني والعسكري لتقديم تجربة صلبة وراسخة".
ووصف رئيس الأركان السوداني الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين، ما حدث من هيئة العمليات بجهاز المخابرات العامة، بـ"التمرد العسكري".
وأشار إلى قرار باقتحام المقرات بأقل قوة وبشكل متزامن، مضيفاً في تصريحات صحافية: "تم تنفيذ الخطة واستلمت القوات المسلحة وقوات الدعم السريع جميع المواقع".
وكشف عن مقتل اثنين من القوات النظامية وجرح 4 آخرين، من بينهم ضابطان، في عملية الاقتحام.
وتابع: "ستظل القوات المسلحة حامية للثورة وستظل المنظومة الأمنية متماسكة".
وأمس الثلاثاء، اتهم نائب رئيس المجلس السيادي السوداني محمد حمدان دقلو "حميدتي"، مدير المخابرات السابق صلاح قوش، بالوقوف وراء ما يجري.
ووصف دقلو، في مؤتمر صحافي في جوبا في جنوب السودان، ما حدث بأنّه "مخطط للفتنة مدروس يقف وراءه قوش عبر ضباط في الخدمة والمعاش، ضمن مخطط الزحف الأخضر في مدني، والمزمع يوم 18 الجاري بالفوله ويوم 26 بالخرطوم".
ولم يستبعد دقلو وقوف "أيادٍ خارجية" خلف المخطط، لكنه قال: "نحن لا نتهم الدولة الموجود بها صلاح قوش". وهرب قوش منذ الإطاحة بنظام عمر البشير، في إبريل/ نيسان 2019، إلى مصر حيث ظل مقيماً فيها طوال الأشهر الماضية.
إلى ذلك، أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية (غير حكومية)، اليوم الأربعاء، عن مصرع أسرة سودانية مكونة من 3 أشخاص بمنطقة سوبا جنوب شرقي العاصمة السودانية الخرطوم؛ جرّاء سقوط قذيفة على منزلهم.
وقالت لجنة الأطباء، في بيان، إنّ "القذيفة التي سقطت أدت إلى مصرع الأب في الحال، ووفاة أبنائه بعد محاولة إسعافهم في الطريق للمستشفى".
وبينما لم يشر بيان اللجنة إلى مصدر القذيفة ولا نوعها، فإنّ اللجنة سبق وأن أعلنت الثلاثاء، إصابة شاب (15 عاماً)، بعيار ناري خلال أحداث تمرد بهيئة عمليات جهاز المخابرات العامة، في العاصمة الخرطوم.
وقالت اللجنة، إن "شاباً يبلغ من العمر (15 عاماً)، أصيب بعيار ناري في الفك، جراء قيام أفراد من الأمن بإغلاق الشوارع وإطلاق الرصاص بصورة عشوائية في عدة مواقع بالعاصمة الخرطوم".
وأضافت أن "المواطنين الأبرياء في الخرطوم أصيبوا بالهلع جراء أصوات إطلاق النار التي اتضح أنها ناتجة من تمرد لهيئة عمليات جهاز الأمن المحلولة وفقاً للوثيقة الدستورية".
وناشدت لجنة الأطباء المواطنين الابتعاد عن مناطق الاشتباك العسكري، مشيرة في بيانها الجديد إلى ارتفاع إصابات تلك الأحداث إلى 6.
وكانت النيابة العامة قد أعلنت أنّ ما حدث من أفراد جهاز المخابرات العامة (هيئة العمليات) المسرحين "هو جريمة تمرد بكامل أركانها، ولا بد من التعامل مع مرتكبيها وفقاً لأحكام القانون وتقديمهم للمحاكمات العاجلة".
وشدد النائب العام مولانا تاج السر الحبر، على "ضرورة الإسراع في رفع الحصانات وتقديم المتهمين للمحاكمات العادلة عن الجرائم التي ارتكبوها في حق المواطنين".
واعتبر بيان صادر عن مكتب النائب العام، أنّ "القصور في إدارة الجهاز الذي ورد في تصريحات نائب رئيس المجلس السيادي، يجب أن يؤخذ مأخذ الجد، وطالب بإجراء التحقيقات اللازمة للكشف عما حدث بكل أبعاده وإعادة هيكلة الجهاز وفقاً لمقتضيات الوثيقة الدستورية وقرارات مجلسي السيادة والوزراء الصادرة في هذا الصدد".
وذكر الحبر أنّ "البلاد في حاجة لجهاز يصون أمنها وليس لترويع المواطنين وزعزعة أمن البلاد"، مؤكداً تمسك النيابة العامة بسيادة حكم القانون وحق المواطنين في الأمن والأمان.
وكان مصدر بالجيش، أفاد في وقت سابق، بأن جنوداً من هيئة العمليات التابعة لجهاز المخابرات بالعاصمة، أطلقوا النار بكثافة في الهواء؛ احتجاجاً على عدم تسلّم عدد منهم حقوق نهاية الخدمة كاملة.
وبحسب مصادر "العربي الجديد"، فإنّ عناصر من هيئة العمليات التابعة لجهاز المخابرات رفضت تسليم تلك المقرّات في منطقة كافوري، شرقي الخرطوم، ومنطقتَي الرياض وسوبا، جنوبي العاصمة، احتجاجاً على عدم حسم مصير الهيئة وأفرادها بعد القرار الذي اتخذه المجلس العسكري في وقت سابق، بإعادة هيكلة الجهاز وحصر مهامه في جمع وتحليل المعلومات فقط، من دون المشاركة في عمليات عسكرية، أو فض التظاهرات أو اعتقال المعارضين.
في المقابل، أوضح جهاز المخابرات العامة، في بيان، أنه "في إطار هيكلة الجهاز وما نتج منها من دمج وتسريح حسب الخيارات التي طرحت على منسوبي هيئة العمليات، اعترضت مجموعة منهم على قيمة المكافأة المالية وفوائد ما بعد الخدمة". وأضاف الجهاز: "جارٍ التقييم والمعالجة وفقاً لمتطلبات الأمن القومي للبلاد".
ويقدر عدد أفراد هيئة العمليات بـ 13 ألف عنصر، منهم قرابة 7 آلاف في ولاية الخرطوم.
وطالبت جهات في المعارضة ونشطاء سياسيون في السودان، بحل هيئة العمليات بجهاز المخابرات العامة؛ على خلفية اتهامها بالتورط في قتل متظاهرين خلال الاحتجاجات التي أطاحت بالبشير في إبريل/نيسان 2019.