Akhbar Alsabah اخبار الصباح

وصول صواريخ "إس 400" الروسية لتركيا يربك واشنطن

صواريخ إس 400 وصول أول شحنة من منظومة "إس 400" الروسية المضادة إلى أنقرة، أمس الجمعة، خضّ واشنطن، مع أنّه كان متوقعاً. فالعملية كبيرة وقرارها التركي استراتيجي، وأبعد بكثير من صفقة أسلحة. وإدارة دونالد ترامب بدت غير جاهزة للتعامل مع تحوّل من هذا العيار، إذ
تأرجحت مواقفها، طوال نهار أمس، بين الصمت وبين التصرف المرتبك الذي عكس وجود خلافات داخلها، حول كيفية الرد.

البيت الأبيض تجاهل الأمر، وكذلك وزارة الخارجية. لا يوجد بيان ولا تصريح ولا رد على الأسئلة. البنتاغون أعلن عن لقاء مع الصحافة، قبل ظهر أمس، للتحدث عن الموضوع، ثم نقل الموعد إلى بعد الظهر. وقبل حلوله، ألغى اللقاء، ولاذ بالصمت، مع أنّ الجنرال مارك ميلّي، المرشح لتولي منصب رئاسة هيئة الأركان خلفاً لرئيسها الراهن الجنرال جوزف دانفورد، كان قد دعا في رسالة إلى الكونغرس، إلى ضرورة الرد بـ"إيقاف بيع تركيا المقاتلة الحديثة إف 35".

لكن شيئاً من هذا لم يحصل حتى الآن، ولا جاءت الإدارة على ذكر العقوبات التي سبق وهددت بفرضها على أنقرة. وحده الكونغرس تولّى بعض أقطابه من الحزبين، الرد من خلال دعوة الإدارة إلى فرض عقوبات على تركيا، ومطالبة البنتاغون بإنهاء صفقة "إف 35" معها.

يذكر أنّ الكونغرس كان، مؤخراً، قد أدخل تعديلاً على قانون موازنة البنتاغون لعام 2020، يقضي بعدم تزويد أنقرة بهذه الطائرة لو مضت في صفقة منظومة الصواريخ الروسية. ويبدو أنّ ذلك صار بحكم تحصيل الحاصل.

لكن الخلاف يدور حول العقوبات. الرئيس ترامب، خلافاً لفريق الأمن القومي في إدارته، أعطى أكثر من إشارة على عدم رغبته في فرضها، لاعتبارات وحسابات لم يفصح عنها، مع أنّ سلاح العقوبات هو وسيلته المفضلة.

فقد وعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال قمة العشرين الأخيرة، بالبحث عن صيغة تعفي بلاده من العقوبات. مهّد لذلك بوضع الملامة على الرئيس السابق باراك أوباما، بزعم أنه عرقل تزويد تركيا بشبكة "باتريوت"، ما حمل أنقرة على التوجه نحو "إس 400".

لكن المسألة، حسب العديد من القراءات، لم تكن عملية تسوّق، بقدر ما كانت خيار أردوغان في نقل تحالفه من واشنطن إلى موسكو.

ووفق هذا التقدير، ستكون الشبكة الروسية أول الغيث في التحول التركي التسليحي، بحيث يتبعها التزود بمقاتلات روسية حديثة من طراز "اليوشن" كبديل عن "إف 35" الأميركية.

وحسب هذا التعليل، حسم الرئيس التركي توجهه هذا بعد محاولة الانقلاب في 2016. ثمة اعتقاد أنه شكك في دور لواشنطن في العملية، خاصة بعد رفضها تسليمه رجل الدين فتح الله غولن، المقيم في الولايات المتحدة، والمتهم، بحسب أردوغان، بتدبير المؤامرة.

في المقابل، هناك تفسير آخر مفاده بأنّ استدارته نحو موسكو حصلت بعدما زودته هذه الأخيرة بمعلومات عن المحاولة قبل وقوعها بأيام، ما مكّنه من إفشالها.

تنبيه أدى إلى ولادة دينامية تغيير التوجه في تركيا الذي تجسّد في قيام أنقرة بعد شهرين من المحاولة، بفتح باب التفاوض مع الروس لشراء الشبكة.

ساهمت في ذلك تراكمات عززت النفور التركي من واشنطن والغرب عموماً، بدءاً من إغلاق باب الاتحاد الأوروبي في وجه أنقرة، وانتهاء بتحالف واشنطن مع أكراد سورية والخلاف معها حول الدور التركي في شمال سورية.

واشنطن تبدو الآن مشطورة بين اتجاهين: الرد بعقوبات قاسية تستهدف الاقتصاد التركي من خلال عزل القطاع المصرفي، وبما يزيد من هبوط الليرة وارتفاع البطالة، إلى جانب وقف التعاون العسكري مع تركيا وعدم بيعها "إف 35".

واتجاه آخر يمثله البيت الأبيض، ينهي عن سلوك طريق القطيعة، من دون أن يكون لديه تصور لردّ يحفظ ماء الوجه، ويرضي الكونغرس الهائج هذه الأيام ضد السياسة الشرق أوسطية للإدارة، وبالتحديد سياستها تجاه السعودية، وحتى إيران.

يميل البنتاغون إلى التشدد مع أردوغان، رغم تشابك العلاقات العسكرية بين البلدين، من التسليح إلى التواجد الأميركي في تركيا، خاصة في قاعدة انجرليك الجوية، حيث تخزن أسلحة نووية أميركية تكتيكية.

روابط يحذر البعض من التفريط فيها والانتظار لفترة، على أساس أن "إس 400" لن تعطي النتائج المرغوبة، لعدم اتساقها مع المنظومة العسكرية المعتمدة في دول حلف شمال الأطلسي ومنها تركيا، كما أنها لن تساعد على تطوير الصناعة الدفاعية التركية، لأنها لا تزود تركيا بمفاتيح تكنولوجيا هذه الشبكة"، بحسب دراسة صدرت عن مؤسسة الشرق الأوسط للدراسات في واشنطن.

وثمة تعليل في هذا المجال مفاده بأنّه إذا كان هدف الرئيس فلاديمير بوتين، من تزويد أنقرة بهذا النظام الجوي المتطور، هو دق إسفين الخلاف بين أعضاء "الناتو"، فإنّ إفشال غرضه يقتضي التروّي وعدم تفكيك العلاقات وقطع الشعرة كلياً مع تركيا.

غير أنّ مثل هذا الاجتهاد قد لا يخلو من التبسيط، لأن "السلطة التركية بحكم تركيبتها القومية الشعبوية، وسعيها إلى ضمان استمرارها في الحكم وخشيتها من الرد الروسي لو تراجع عن تقاربه معها" ليس في وارد إعادة النظر في خيارها، حسب الدراسة أعلاه.

المفارقة أنّ أنقرة بدأت علاقتها بالغرب بانضمامها إلى حلف "الناتو" عام 1952، كبوليصة تأمين ضد موسكو السوفييتية. الآن بعد 67 سنة، تستدير من جديد للتقارب مع موسكو بعيداً عن الغرب وقيادته الأميركية.
قد لا تكون قفزة أردوغان خالية من المجازفة. لكن واشنطن بدت الخاسر الأول في هذه النقلة، في حين بدا بوتين الرابح الأول، الذي تمكّن من زعزعة علاقات تركيا بواشنطن، وخلخلة حلف "الناتو".
سياسة | المصدر: العربي الجديد | تاريخ النشر : السبت 13 يوليو 2019
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com