Akhbar Alsabah اخبار الصباح

حينما يكون للإسلام أثر جميل في فرنسا

فرنسا لم يأبه الناس قط بأي صعوبات قد تعيق طقوسهم وتقاليدهم الرمضانية في البلاد الإسلامية، غير أنه كان هاجس الكثيرين من المسلمين في البلدان غير المسلمة التي يقيمون فيها من غير المسلمة.

اليوم وبعد تزايد أعداد الجالية الإسلامية في فرنسا، بات تأمين احتياجاتهم الرمضانية -التي كانت بالأمس صعبة المنال- أكثر سهولة، ولأن الجالية التركية تعتبر الأقدم خصوصا في الشمال الفرنسي، فقد كان لدورها في تأمين تلك الاحتياجات نصيب الأسد، وبعد تزايد الجالية السورية مؤخرا، بدأت بصمتها تلمع في تأمين احتياجات سورية كان قد تعود عليها السوريون في بلدهم قبيل الثورة.

تأمين احتياجات الجالية العربية
في إقليم اللورين الفرنسي، تحديدا في مدينة نانسي، التقينا بأحمد الجابري أحد أصحاب المحال التجارية للبضائع السورية، وروى لنا من أين تأتيه البضائع وكيف يسعون لتأمين احتياجات الجالية السورية والعربية في المنطقة التي يرى أحمد أنها تضم أكبر جالية سورية حديثة في فرنسا بالنسبة لعدد الجالية مع مساحة المدينة.
فيقول أحمد "إن البضائع تأتيه من المعامل السورية التي انتقلت أو افتُتحت في تركيا ولبنان ومصر، إضافة إلى أن هناك معامل حديثة يجري إنشاؤها في السودان، ومن البلدان التي تأتي منها البضائع أيضا بلجيكا التي باتت تضم عددا من المعامل والمستودعات الضخمة، إضافة إلى أميركا وكندا.

أما بالنسبة للخبز السوري واللبناني الذي يعاني بعض السوريين في بعض مناطق فرنسا للحصول عليه، فكان في بادئ الأمر يأتي لمنطقة اللورين من مخابز في بلجيكا، غير أنه في الآونة الأخيرة تم افتتاح مخبز خاص في مدينة نانسي، لأن عدد العوائل هنا بات كافيا لاستهلاك إنتاجية مخبز، كما يرى أحمد.

خيرات شامية رمضانية
يروي أحمد مساعيهم لتلبية رغبات السوريين والعرب في شهر الخيرات، فبرأيه أن صيام الشهر في فرنسا وأوروبا هو أمر شاق بعض الشيء مع صيام حوالي 18ساعة، وبالتالي فمن الضروري تلبية رغبات الصائمين، وتأمين ما تشتهيه الأنفس.

يوفر أحمد في متجره في شهر الرحمة العديد من البضائع الشامية التي طالما تعود عليها السوريون في شهر رمضان، انطلاقا من مشروبات السوس والتمر الهندي، حتى بعض المأكولات ذات العراقة الشامية مثل "المعروك"، إضافة لحلويات شامية، وهنا لفت أحمد الانتباه إلى أن بعض العوائل السورية باتت تصنع بعض الأطعمة والحلويات الخاصة برمضان بمنازلها، ثم تعرضها للبيع، مما خلق دورة اقتصادية صغيرة بين السوريين أنفسهم.

يلبي متجر أحمد قسما كبيرا من احتياجات السوريين والعرب، على حد تعبيره، غير أن المستهلكين يستكملون حاجياتهم من المحال التركية التي تؤمن بضائع يغلب عليها الطابع والمنشأ التركي، إضافة لبعض الأسواق الفرنسية التي باتت تؤمن بعض المواد "الحلال" تلبية لرغبات الجالية المسلمة بعد ارتفاع عددها وانتشارها المتزايد، وكل هذه التجارة يُطلق عليها اسم "تجارة الحلال".

وبعد أن دخلنا إلى أحد المتاجر التركية التي تعمل لتأمين احتياجات الجالية التركية والمسلمة بشكل عام، التقينا "خيرت" أحد العاملين في المتجر، حيث إن البضائع الموجودة هي 100% تقريبا بضائع تركية، يتم استقطابها من بلد المنشأ، وهي تجذب أيضا قسما كبيرا من الجالية السورية والعربية وقسما من الفرنسيين في بعض الأحيان.

تجارة الحلال وجهة رمضانية
في المنطقة التي زرناها "فاندوفر" في مدينة نانسي، حيث متجر أحمد ومتاجر أخرى تعمل في تجارة الحلال، يوجد ثلاث متاجر تركية، ومع اختلافها في الحجم وتوسع البضائع التي تقدمها، إلا أن الازدحام فيها في رمضان كان سيد الموقف، في البداية كان الظن لأسباب الاستهلاك الكبير للحوم في رمضان، غير أن السبب الحقيقي ظهر بعد سؤال خيرت.

حيث تقدم المحال التركية نوعا خاصا من المعجنات التركية التي تعتبر من التقاليد القديمة في البلاد عبر التاريخ، والتي تُسمى "بيدا"، وهذه الكلمة أصلها فارسي وتعني "الفطير"، وهذا النوع ينقسم إلى قسمين: الأول يعد كالفطائر مع اللحم أو الجبن، أما الثاني فهو خبز مستدير يحمل الاسم نفسه من غير حشوه بشيء، وهي منتجات لاقى السوريون والعرب فيها مذاقا جديدا فضلا عن طلبها المستمر من الأتراك.

لم تكن الأسواق الفرنسية غائبة ضمن المتاجر التي تحتفل بشهر الخيرات في إقليم اللورين، فرغم عدم قدرتنا على لقاء أحد مسؤولي تلك المتاجر، فإن أسواقا مثل "لوكلير" و"ليدل" و"أوشان"، و"ليدر برايس" الألماني، كلها أسواق قدمت عروضا على مواد حلال خصوصا في نطاق "اللحوم والدجاج"، وهو الأمر الذي لم يحدث في كل المناطق الفرنسية.

مائدة رمضانية تمزج الثقافات
لا شك من أن تعدد جنسيات الجالية المسلمة في المنطقة الواحدة وامتزاجها عبر تبادل شراء منتجاتها أمر سيخلق لوحة جديدة للمائدة الرمضانية، كما يقول عمر سعيد أحد سكان المنطقة وهو لاجئ سوري، حيث يرى أن الأسواق العربية والفرنسية باتت توفر كل ما يحتاج إليه المسلم، وهذا يعود باعتقاده إلى ازدياد أعداد الجالية السورية والمسلمة بشكل عام.

أسماء، سورية تقيم في إقليم اللورين أيضا، تقول "بالتأكيد رمضان في فرنسا اختلف بعض الشيء لكن ليس باتجاه السلبية، سابقا كانت مائدتي الرمضانية لعائلتي هي مأكولات وحلويات شامية، اليوم هناك بعض الاختلاف، فترى على المائدة مأكولات شامية وتركية وعربية في غالبها تكون من بلاد المغرب العربي، ولأنني أفضل صناعة الحلويات بيدي فقد تعلمت من صديقاتي التركيات والعربيات بعض أنواع الحلويات الخاصة ببلدانهم والتي لاقت قبولا في منزلي من قبل عائلتي".

في حين ترى خديجة، إحدى قاطنات مدينة نانسي، من المغرب العربي، أن الأسواق الفرنسية لا تلبي سوى قدرا بسيطا من احتياجاتها وتفضل بشكل أكبر المتاجر العربية والتركية، بينما يعتقد السوري عبد الحكيم من سكان المنطقة نفسها، أنه لا صعوبات اليوم في تأمين البضائع السورية والبضائع الحلال، إلا أنه يتمنى اليوم الذي ستكون فيه هذه البضائع هي من خيرات سوريا الحرة.
سياسة | المصدر: الجزيرة | تاريخ النشر : الأحد 26 مايو 2019
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com