Akhbar Alsabah اخبار الصباح

عصفورة النظام للتغطية على تعديل الدستور

منى فاروق وشيماء الحاج أكثر من 50 ألف عملية بحث يوميا يجريها الشعب المصري على محرك البحث جوجل، كلها تختص بقضية واحدة، ألا وهي فيديوهات منى فاروق وشيماء الحاج مع المخرج خالد يوسف، وهي الحيلة التي لجأ إليها النظام لصرف المصريين عن الاهتمام بالتعديلات الدستورية التي تحول مصر إلى عزبة يحكمها السيسي بسلطات إلهية.

اللعبة قديمة ومعروفة في كل الأنظمة المستبدة، ويطلق عليها البعض اسم "نظرية بص العصفورة" وهو ربما يكون اسما دارجا يستخدمه المصريون في جلساتهم وفي منشوراتهم وتغريداتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

غير أن هذه اللعبة أخطر مما قد يتصوره البعض، وهو ما حدا بمفكر كبير بحجم واسم نعوم تشومسكي إلى إصدار كتاب خصيصا للحديث عن هذه اللعبة.

نعوم تشومسكي والعصفورة
في كتاب "أسلحة صامتة لحروب هادئة" للمفكر الامريكى نعوم تشومسكى الذى اهتم كثيرا بمسألة الإعلام وتأثيراته المرعبة على الشعوب وإدارتها وتحريك إرادتها والسيطرة عليها وابعادها عن قضاياها الجوهرية في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

يكشف نعوم تشومسكي من خلال هذا الكتاب استراتيجيات التحكم والسيطرة والتوجيه التي تعتمدها الطبقات المسيطرة عبر العالم للتلاعب بالشعوب وتوجيه سلوكهم والسيطرة على أفعالهم وتفكيرهم في مختلف بلدان العالم. وكذا التحكم في البشر وتدجين المجتمعات والسيطرة على الخيرات والثروات الشعوب.

الإستراتيجية الاولى التي تحدث عنها تشومسكي هي الإلهاء، وفيما يلي مقتطف مما كتبه عنها:
"وهي العنصر الأساسي الحاسم لتحقيق السيطرة على المجتمعات؛ وترتكز على تحويل انتباه الرأي العام عن القضايا الجوهرية والتغييرات التي تقررها النخب السياسية والاقتصادية بواسطة وابل مستمر من أساليب اللهو والتسلية والأخبار والمعلومات التافهة. إستراتيجية صرف الاهتمام والإلهاء، التي لا غنى عنها لتحقيق أهداف المخطط، ضروريةٌ أيضا لأنها تمكن من إعاقة محاولة الشعوب التركيزَ والانكباب على المعارف الأساسية في مجالات العلوم والاقتصاد وعلم النفس وعلوم البيولوجيا العصبية والسيبرانية/ علم القيادة والتحكم في الآلات والكائنات.

حافظوا على تحويل انتباه الرأي العام بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية واجعلوه مفتونا بمسائل لا أهمية جوهرية لها. أبقُوا الجمهور مشغولا، مشغولا، مشغولا دون أن يكون لديه أي وقت للتفكير والتمحيص؛ عليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات الأخرى."

السيطرة على الإعلام
كان لافتا منذ اللحظة الأولى للانقلاب العسكري في 2013، حرص السيسي على السيطرة على وسائل الإعلام، وإغلاق كافة المنابر المعارضة أو التي لا تلتزم حرفيا بكل ما يحددها لها عباس كامل المسئول عن الأذرع الإعلامية في النظام الحالي.

ومن هنا، أغلق الانقلاب في دقائقه الأولى كل صحف وقنوات ومواقع التيار الإسلامي وكل الرافضين للانقلاب، ثم تبع ذلك إغلاق العديد من المواقع والصحف والقنوات بما ذلك التي لا تنتمي لجماعة الإخوان مثل جريدة الشعب التي أغلقها النظام بدون وجه حق، واعتقل رئيس تحريرها في قضية نشر.

ثم ما لبث الحال أن ازداد تدهورا، حيث تحول الانقلاب إلى كل رفقاء 30 يونيو الذين كانوا جسرا لتمرير الانقلاب، فمنع العديد من الكتاب من النشر، وأغلقت عدة مواقع وصحف وقنوات ظنت أنها في أمان من الإغلاق. ثم بعد ذلك توصل النظام إلى حل قمعي أكثر شمولية، ألا وهو حجب كل المواقع التي لا تمجد رأس النظام وتتغنى بكوارثه على أنها إنجازات، لدرجة أن المواقع المحجوبة في مصر وصل عددها منذ مارس 2017 حتى الآن، إلى أكثر من 500 موقع إلكتروني على الأقل، بحسب ما رصدته مؤسسة حرية الفكر والتعبير.

كان الغرض الأول من سيطرة الانقلاب على كل وسائل التعبير عن الرأي هو فرض القضايا التي يريد النظام الانقلابي لها أن تكون محور حديث الرأي العام، وذلك لصرفه عن قضايا أخرى أهم وأكثر جوهرية وتأثيرا على حياة ومصير الشعب، وهو ما نجح فيه النظام بشدة منذ 2013 وحتى اللحظة.

من الخدمة المدنية لتركي آل الشيخ ومنى فاروق
قبل 3 أعوام، كانت كل وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تعج باحتفالات متزايدة ومبالغ فيها بـ"النصر المبين" الذي حققه البرلمان على الحكومة، برفض قانون الخدمة المدنية. وكان لافتا اهتمام الأذرع الاعلامية برأي الشعب في القانون على غير العادة.

كانت اللعبة كالتالي: برلمان السيسي الذي صنع على عين المخابرات الحربية، كان يفترض به مناقشة جميع القوانين التي أصدرها عبد الفتاح السيسي وعدلي منصور، والتي يتخطى عددها الـ500 قانون، كلها من المفترض دراستها ومناقشتها وإقرارها خلال 15 يوماً فقط من انعقاد أول جلسة للبرلمان حسب الدستور الذي أعده السيسي على أعين مخابراته ايضا، وهاهو يسعى إلى تفصيله على مقاسه فقط.

من بين كل هذا الكم من القوانين، اخترلت الكارثة وتلخصت المعركة في قانون الخدمة فقط، واستفاض صبيان عباس كامل في قنوات الإعلام في استضافة الرافضين للقانون، واستغلوا الرفض الشعبي للقانون، "للطرمخة" على ما هو اخطر، مثل قوانين تعديل أحكام القضاء العسكري، ومكافحة غسل الأموال، ومباشرة الحقوق السياسية، وإعفاء رؤساء الأجهزة الرقابية من مناصبهم، وتعديل الأحكام الجنائية، وقوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، وتنظيم السجون، ومعاشات القوات المسلحة، وتحصين العقود.

اختزل النظام وإعلامه وزبانيته 500 قانون أصدرها السيسي وعدلي منصور في "الخدمة المدنية"، وتناسوا 83 قانونا للاستثمار، أقرتها اللجنة الاقتصادية، الخميس، أبرزها تلك المتعلقة بالمناطق الاقتصادية الخاصة، وقيد الأوراق المالية، والسماح للجهات الحكومية بتأسيس شركات، وتعديلات على قانون 8 الخاص بالاستثمار، والمناطق الحرة.

واليوم.. تتكرر اللعبة بحذافيرها، انشغل المصريون بموضوعين فقط، الأول هو تسريبات المخرج خالد يوسف الجنسية مع الممثلتين الشابتين منى فاروق وشيماء الحاج، مع تزويد القضية كل يوم بتفصيلة جديدة حتى لا يمل منها الشعب المصري، وكانت آخر هذه التفصيلات القبض على سيدة أعمال تدعى منى الغضبان لظهورها في فيديو إباحي مع خالد يوسف.

أما الموضوع الثاني فهو أزمة تركي آل الشيخ مع مجلس إدارة النادي الأهلي، والتي يضاف إليها أيضا تفصيلات جديدة لمزيد من الجذب، مثل دخول مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك على خط الأزمة، وتصريحات إلغاء بطولة الدوري العام. بالإضافة إلى "الهشتاجات" التي يطلقها جماهير الزمالك والأهلي على تويتر والتي تحظى بعدد ضخم جدا من التغريدات بشكل يتفوق على كل القضايا السياسية في الفترة الأخيرة بما فيها تعديل الدستور.
سياسة | المصدر: جريدة الشعب | تاريخ النشر : الأربعاء 13 فبراير 2019
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com