Akhbar Alsabah اخبار الصباح

«تجديد الخطاب الديني» حجة السيسي لهدم الأزهر والدين

تجديد الخطاب الديني أن يصل الأمر لأن يقف شيخ الأزهر– الذي شارك في انقلاب 3 يوليه 2013- ضد الحملة التي يقودها السيسي لما يسميه تارة “تجديد الخطاب الديني”، وتارة أخرى “تنقية النصوص الدينية”، وتارة ثالثة “تنقية السنة النبوية وإعادة قراءة تراثنا الفكري”، فهذا معناه إدراك الرجل الذي دعم الانقلاب الدموي أن القصة ليست فقط تجديد الخطاب الديني، وإنما خطة لهدم الدين وتقليص دور الأزهر باعتباره عقبة تقف ضد هذه الخطة الشيطانية، بما يضمه من آلاف العلماء الذين يعارض أغلبهم سلوكيات سلطة الانقلاب.

ولذلك يبدو أن أقوى تحدٍ يجري حاليا بين السيسي وشيخ الأزهر وإطلاق كلاب الإعلام المسعورة للهجوم على الأزهر، والدعوة إلى تغيير أسس الدين بدعاوى تجديد الخطاب الديني، قد يتسبب في رحيل شيخ الأزهر الذي يمنع دستور العسكر إقالته، ويجري الهجوم عليه لدفعه للاستقالة.

إذ يكتسب شيخ الأزهر، وفقا لقانون الأزهر الذي أُقرّ في يناير 2012، ونص على انتخاب شيخ الأزهر وانتهاء خدمته ببلوغه سن الثمانين، “حصانة” في منصبه تجعله غير قابل للعزل، إضافة إلى أن تقاعده لن يكون قبل 9 سنوات حين يتعدى الـ80 عاما، وفقًا للقانون.

ويبقى السؤال: لماذا يخرج السيسي في كل مولد نبوي ليصم المسلمين بأنهم إرهابيون ضمنًا، ويظل يهاجم التراث الإسلامي ويطالب بتغييره أو إلغائه؟ ولماذا يختار ذكرى المولد النبوي تحديدا ليبث أكاذيبه ومحاولاته لتشويه الإسلام؟.

والأهم: لماذا في كل مرة يتحدث عن الإسلام يصف المسلمين بالإرهاب ويخاطبهم بأنهم يهدفون لقتل غير المسلمين في العالم، قائلا: «يعني الـ1.6 مليار هيقتلوا الدنيا اللي فيها 7 مليار عشان يعيشوا هما؟»!!، وحديث السيسي في أكثر من مناسبة عما أسماه “التطرف والإرهاب” المنسوب للمسلمين ومهاجمته الإسلام والمسلمين، مدعيًا أن “هناك نصوصًا تم تقديسها على مدار مئات السنين تعادي الدنيا كلها”!.

في مارس 2017 وخلال مؤتمر بالأزهر عن المواطنة، رد شيخ الأزهر على السيسي بطريقة أحرجت قائد الانقلاب، حين هاجم ضمنًا تصريحات السيسي وتصريحات قيادات الكنيسة والغرب بشأن ادعاءات “الإرهاب الإسلامي”، بينما يتغاضون عن الإرهاب المسيحي واليهودي.

فقد هدم شيخ الأزهر بكلمته نظرية الإرهاب الإسلامي التي ظل السيسي يروج لها لينال الدعم من الغرب و”الرز”، وقال الطيب إنه لا يوجد إرهاب إسلامي، واتهم الغرب ومجموعات مسيحية ويهودية وعلمانية بتبني الإرهاب وتغاضي الغرب عنهم، وقال في كلمته: إن “الإرهاب والعنف المسيحي واليهودي ضد المسلمين يمر في بقاع الدنيا بردًا وسلامًا على العالم الغربي”.

ومع هذا كرر السيسي هذا العام- وللمرة الخامسة- مزاعمه عن أن الإسلام مرتبط بالإرهاب في أذهان العالم، وعاد ليطالب بمطالب تخالف الدين تحت اسم “تجديد الخطاب الديني”.

خمس سقطات ضد الإسلام

تحت اسم «تجديد الخطاب الديني» طالب قائد الانقلاب، منذ اغتصابه السلطة، بعدد من المطالب التي تخالف الدين، ورفض الأزهر توصياته أو تجاهلها، آخرها في المولد النبوي الحالي 2018، وهي على النحو التالي:

أولًا في يناير 2015:

هاجم «السيسي» ما زعم أنه “تطرف” في الإسلام، ودعا الأزهر إلى تنقية النصوص الدينية من هذا التطرف، وقال لـ«شيخ الأزهر»: “الدنيا منتظرة منكم ثورة دينية”، و«والله لأحاججكم يوم القيامة، فقد أخليت ذمتي أمام الله».

وكان هدفه الأساسي في هذه الكلمة انتقاد الإسلام واعتباره دين عنفٍ، حيث قال: «نصوص وأفكار تم تقديسها على مئات السنين وأصبح الخروج عليها صعب أوي، لدرجة أنها بتعادي الدنيا كلها»، وأضاف: «يعني الـ1.6 مليار هيقتلوا الدنيا اللي فيها 7 مليار عشان يعيشوا هما؟»!!

ثانيا ديسمبر 2015:

كرر «السيسي» هجومه على الإسلام والتراث الإسلامي؛ بزعم أنه يحوي تطرفًا ويشجع الإرهاب، وقال في كلمته بمناسبة المولد النبوي الشريف، ضمن دعوته لتجديد الخطاب الديني: «استمروا بعزم لا يلين في تصويب الخطاب الديني، أعيدوه إلى الصواب، فندوا الأفكار الخبيثة والتفاسير الملتوية”.

وكان هدف كلمته أيضا الهجوم على الدين الإسلامي واتهامه بالإرهاب، حيث كرر هجومه على المسلمين وزعم ضمنا أنهم (المسلمون) يريدون إقصاء أصحاب الأديان الأخرى، قائلا: “الوجود (الكون) ليس لنا فقط، بل هناك أديان وأمم ومذاهب مختلفة ومش ممكن هنكون لوحدنا”!.

“ثالثا” في ديسمبر 2016:

هذه المرة أظهر السيسي نواياه بصورة أكبر، وهي السماح للعلمانيين من بعض مدعي الثقافة وعلم النفس أن يشاركوا في تنقية الدين مما أسماه “التطرف”، حيث دعا في كلمته باحتفالية المولد النبوي، إلى ما أسماه “تشكيل لجنة من كبار علماء الدين والاجتماع وعلم النفس لتنقية النصوص الدينية”. (فيديو)

وزعم أنه «بتصويب الخطاب الديني لا ندافع عن الدين الإسلامي الحنيف فقط، بل عن جميع الأديان وجوهر أفكارها”!.

وفي هذا الخطاب قال كلامًا عجيبًا مثل: “اللي هيقدر على ربنا يبقى يقدر علينا»، وكأنه يساوي نفسه برب العالمين!!، وزعم أن “في شباب ابتدأت تكفر بفكرة الأديان، إحنا مش بندافع عن الإسلام، إحنا بندافع عن اللي بيحاولوا يخلوا الناس تنكر الأديان كل الأديان»!.

“رابعا” في نوفمبر 2017:

كرر السيسي في ذلك الحين دعوته إلى “المثقفين والكتاب في جميع القطاعات” لمشاركة الدولة “في عملية تجديد الخطاب الديني”!.

وزعم أن دعوته لتجديد الخطاب الديني “تستهدف تنقيته من الأفكار المغلوطة، التي يستغلها البعض لتضليل الأبناء، واجتذابهم إلى طريق الظلام والتدمير”. وفي هذا الخطاب دعا “الشعب المصري وشبابه إلى عدم التأثر بهذه الأفكار (الإسلامية التي يراها متطرفة)؛ لأنها لا تساعد على نهوض الشعوب والحضارات”.

“خامسا” في نوفمبر 2018:

دعا إلى “تنقية السنة النبوية وإعادة قراءة تراثنا الفكري”، زاعما أننا “نقتبس من هذا التراث ما ينفعنا في زماننا ويناسب متطلبات عصرنا».

كان هذا أخطر الكلام؛ لأنه دعوة صريحة لإلغاء أحاديث شريفة وعدم الأخذ بها، والمطالبة بما يطالب به العلمانيون من تنقية الأحاديث النبوية بأخذ بعضها وإنكار البعض الآخر.

5 مطالب سيساوية لم ينفذها “الطيب”

ومنذ اغتصاب عبد الفتاح السيسي الحكم، طلب من مؤسسة الأزهر والمؤسسات الدينية عدة مطالب أبرزها:

مطالبة الأزهر في 1/1/2015 بـ”ثورة في الخطاب الديني”، وإنهاء تقديس النصوص والأفكار حتى لا يعادي المسلمون العالم كله، خلال احتفال مصر بالمولد النبوي الشريف قائلا: “سأحاججكم أمام الله بالخطاب الديني”.
تكرار مطالب السيسي للأزهر في 16/12/ 2016 بـ “تجديد المفردات ومواكبة العصر في الخطاب الديني”.
مطالبة السيسي لشيخ الأزهر 2/2/ 2015، بفتوى تدعو المصريين للتوقف عن الإنجاب لعدة سنوات.
مطالبة الرئاسة للأزهر والمؤسسات الدينية في 30/11/2016، بـ”الاستمرار في تقديم النموذج الحضاري الحقيقي للإسلام في مواجهة دعوات التطرف من أجل الحفاظ على الصورة الحقيقية للدين”.
مطالبة السيسي لشيخ الأزهر في 24/1/2017، بإصدار قانون يمنع الطلاق الشفهي وعدم الاعتراف إلا بالطلاق الرسمي لدي المأذون الشرعي، بدعوى أنه سبب تزايد حالات الطلاق في مصر.
ما الفارق بين السيسي وأعداء الإسلام؟

الملاحظ هنا أن السيسي يوجه للإسلام نفس الشبهات التي يسوقها أعداء الإسلام من المستشرقين والصهاينة، ويسوق دائما أنه دين مرتبط بالإرهاب، ويتهم المسلمين بأنهم يريدون قتل غيرهم من غير المسلمين والسيطرة عليهم، بينما لم يقل أحد من المسلمين بذلك.

وقد سعى السيسي لاستقطاب عدد من شيوخ السلطان في حملته هذه، حتى إنه في احتفال المولد النبوي الأخير حدث تلاسن على الهواء مباشرة بين وزير الأوقاف وشيخ الأزهر اللذين ألقيا خطبتين عكس بعضهما تقريبا بالكامل في حضور السيسي عن “تنقية الأحاديث النبوية”، وألقى كلٌّ منهما كلامًا على الآخر بشكل غير مباشر، وكانت كلمة شيخ الأزهر أكثر تغلبا على وزير أوقاف الانقلاب، وتشير ضمنا إلى قوله إنه لن يشارك في موضوع تنقية الأحاديث النبوية الذي يريده السيسي.

وقال شيخ الأزهر، ردا على كلام وزير الأوقاف: إن “سلخ القرآن عن السنة يضعه في مهب الريح ويفتح عليه أبواب العبث”، وانتقد “الصيحات التي دأبت على التشكيك في قيمة السنة النبوية وفي ثبوتها والطعن في رواتها من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم، والمطالبة باستبعاد سنته الشريفة جملة وتفصيلا من دائرة التشريع والأحكام، والاعتماد على القرآن الكريم وحده في كل ما يأتيه المسلم من عبادات ومعاملات، وما لم نجده منصوصًا عليه في القرآن”.

خلاف السيسي مع شيخ الأزهر

“تعبتني يا فضيلة الإمام”، “أنا بقول لفضيلة الإمام كل ما أشوفه إنت بتعذبني”، “سأحاججكم أمام الله بالخطاب الدينى”.. ثلاث عبارات قالها عبد الفتاح السيسي على الملأ لشيخ الأزهر أحمد الطيب، أثارت تساؤلات عن سر غضب السيسي من الطيب.

وهل وصل الأمر لطريق مسدود بينهما، ما جعل السيسي ووسائل إعلام موالية للانقلاب ينتقلون لمرحلة الهجوم العلني عليه رغم أنه أحد أربعة أضلاع شاركت في الانقلاب، إضافة إلى الجيش والشرطة والكنيسة؟ وما السبب؟.

فقد أطلقت وسائل إعلام مقربة من النظام حملة هجوم لا على شيخ الأزهر وحده، ولكن على كل علماء الأزهر، وصلت إلى وصف صحيفة “الوطن”، لـ”هيئة كبار العلماء بالأزهر” بما أسمته “هيئة علماء الطيب”، في إشارة ساخرة لتبعيتها لشيخ الأزهر، بعد رفض العلماء إلغاء الطلاق الشفوي، ووصفهم أيضا هيئة كبار علماء الأزهر بأنهم “يعيشون في جلباب الإخوان”، ما دفع الأزهر للرد بعنف، مهاجمًا مستشار السيسي الديني ووسائل الإعلام التي تهاجمه المشيخة.

وأظهرت الخلافات المتصاعدة بين السيسي وشيخ الأزهر، أن لجنة الخطاب الديني أعمالها متوقفة بسبب خلافات الأزهر والأوقاف، بجانب الخلاف حول ثلاث قضايا أخرى تشكل أسباب غضب السيسي على شيخ الأزهر وهي:

(الأول): الزعم ببطء تفاعل الأزهر وهيئة علمائه مع مطالب السيسي المتكررة المتعلقة بـ”تجديد الخطاب الديني”، بل وتوقف اجتماعات لجنة الخطاب الديني، ففي كل مرة يجتمع السيسي والطيب ويطلب منه مطالب تتعلق بتغييرات دينية، يعده شيخ الأزهر ثم يعود ويجتمع مع “هيئة علماء الأزهر” فيرفضون ما يطالب به السيسي لأنه مخالف لثوابت الدين.

(الثاني): تزايدت التصريحات السياسية التي أطلقها شيخ الأزهر، وتتعارض مع سياسات نظام السيسي، مثل نقده الضمني لقرض صندوق النقد الدولي الذي حصلت عليه الحكومة المصرية خلال كلمته في افتتاح مؤتمر “مَن هم أهل السنة والجماعة” الذي أقيم بالشيشان، وإصدار “هيئة كبار العلماء”، بيانا يرفض طلب السيسي بإصدار فتوي أو قانون يمنع “الطلاق الشفهي”، كما رفض شيخ الأزهر “الخطبة الموحدة” في صلاة الجمعة”.

فضلا عن انتقاده السابق لمجزرة الحرس الجمهوري يوليه 2013، ومجزرة رابعة العدوية أغسطس 2013، ومطالبته بإعلان نتائج التحقيق، وتهديده بالاعتكاف في منزله ما لم يتم حقن الدماء، وتأكيد عدم علمه بفض رابعة بالقوة.



(الثالث): رفض الطيب دعوات رئاسية ضمنية بالتخلص من شيوخ في هيئة كبار العلماء بسبب معارضتهم لخطاب السيسي الديني، ما دفع وسائل إعلام حكومية لوصفهم بأنهم “إخوان” ومحسوبون على الجماعة، مثل الدكتور سعد عمارة وغيره، كما رفض محاسبة وعاظ الأزهر على انتماءاتهم السياسية، كما فعلت وزارة الأوقاف.

وهناك مظاهر ودلائل أخرى للخلافات منها:

رفض الرئاسة ترشيحات مكتب شيخ الأزهر لرئيس جامعة الأزهر، منذ شهر يوليه 2016 حتى ديسمبر 2016، وتواتر تصريحات من مصادر أزهرية تشير إلى نية الرئاسة تعيين رئيس للجامعة دون الرجوع لشيخ الأزهر.
في مارس 2016 وأثناء وجودهما معا في مسجد المشير طنطاوي لأداء صلاة الجمعة، قام أحد حراس الرئيس بالجلوس بين السيسي وشيخ الأزهر بالمخالفة للبروتوكول، حيث يحظى شيخ الأزهر بمنصب رئيس وزراء، ما اعتبر دلالة على وجود خلافات، دفعت الحرس لإبعاده عن الرئيس.
في مايو 2015، أسندت الرئاسة مهمة تنظيم مؤتمر لتصحيح مفهوم الخطاب الديني إلى وزارة الأوقاف، وغاب عنه الطيب، مثلما غاب عن مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في مايو 2016، وهذا الغياب سبق أن كرره شيخ الأزهر في الخلافات بينه وبين الرئيس مرسي، حيث رفض حضور مؤتمرات دعا إليها الرئيس مرسي.
عقب إعلان شيخ الأزهر، رفضه تكفير تنظيم داعش بشكل صريح، وقوله في بيان (يونيو 2015) بأنهم “بغاة محاربون لله ورسوله ومفسدون في الأرض، يجب على ولاة الأمر قتالهم ودحرهم وتخليص العالم من شرورهم”، لوحظ تولي دار الإفتاء مهمة تكفير الدواعش عبر ما سمي (مرصد الفتاوى التكفيرية والمتطرفة) التي كفرت التنظيم، وغيره من الجماعات والتنظيمات الإسلامية.
انتقد شيخ الأزهر بشدة في مارس 2015، المذابح التي ترتكب بحق المسلمين السنّة على يد قوات الحشد الشعبي الشيعية في العراق، واستدعت بغداد سفير القاهرة لديها للاحتجاج، وحاولت الخارجية المصرية احتواء الموقف.
يظهر شيخ الأزهر في المناسبات الرسمية صامتًا ولا يرفع يده حتى بالدعاء، على عكس كافة الموجودين في المسجد، وكثيرا ما يتم إبعاده عن السيسي بوضع وزير الدفاع أو غيره بجانب قائد الانقلاب كفاصل بينهما.
سياسة | المصدر: الحرية و العدالة | تاريخ النشر : الجمعة 30 نوفمبر 2018
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com