Akhbar Alsabah اخبار الصباح

حتى لا تلحق الليبرالية بالشيوعية

معتز بالله عبد الفتاح هذا حوار هادئ مع الأصدقاء من الليبراليين، مثلما كتبت من قبل، حواراً هادئاً مع الأصدقاء من الإسلاميين.

وسأبدأ الحوار بخطبة يوم الجمعة الماضى والتى كانت جيدة إجمالاً إلى أن صدمنى الخطيب بدعائه: «اللهم عليك بالملحدين والشيوعيين والعلمانيين والليبراليين». وطبعاً معظم الحضور يقولون «آمين» وكأن كل هؤلاء على قلب رجل واحد. ولما فرغنا من الخطبة سألت صديقاً عن هوية الشيخ السياسية، فقال لى إنه لا يبدو أن له انتماءً سياسياً محدداً. حاولت أن أتعرف على الشيخ أكثر، ولكن تعذر ذلك. فأخذت هذا الملمح من الدعاء، وناقشته مع عدد من الأصدقاء، فوجدت أن هناك رؤية لا أعرف مدى شيوعها لكن أسجل وجودها بين أناس أحسبهم غير إسلاميين، بأن الفكر الليبرالى يبدو «غريباً» على المجتمع ولا يعبر عنه بالقدر الكافى. الليبرالية مصطلح متعدد الجوانب ولكن جوهرها الاعتقاد فى حرية الفرد (السياسية والاقتصادية والاجتماعية) إلا فى حدود القانون، والاعتقاد فى التسامح مع الآراء المخالفة مهما كانت شاذة. وأعتقد أن الليبراليين المصريين إجمالاً يتفقون على هذه الأمور لكن هناك أكثر من مشكلة فى التيار الليبرالى المصرى تحتاج منهم المعالجة العاجلة قبل أن تتحول الليبرالية فى العقل الجمعى المصرى إلى أيديولوجية بائدة ومتعارضة مع الدين.

أولاً: مشكلة «لبرلة» الليبراليين فى علاقاتهم التنظيمية والحزبية. أحزاب كثيرة ورموز كثيرة وائتلافات كثيرة تردد كلاماً متشابها تحت عباءة الليبرالية، لكنهم فى النهاية لا ينتظمون فى حزب واحد أو ائتلاف واحد. وقد يكون عدم انتظامهم مسألة تفضيل منهم، ولكن معظم من أتناقش معهم فى هذا الأمر يقولون كلاماً مشابهاً عن حتمية التحالف وأهمية التنسيق والتعاون لمواجهة تيار الإسلام السياسى. ويكون السؤال: إذا كنتم شاعرين بهذه المسئولية، لماذا لا تترجمون ليبراليتكم إلى عمل جماعى يخلق توازناً فى الساحة السياسية المصرية؟

ثانياً: مشكلة «تمصير» الليبرالية بأن تكون لها رموز وطنية من طين الأرض المصرية تعبر عنها دون الاستناد بالضرورة إلى كتابات غربية حتى وإن تأثرت بها. الليبراليون المصريون إجمالاً أناس وطنيون، ويوم أن تقوم حرب بين مصر وأعدائها سيخوضون غمارها دفاعاً عن وطنهم الذى يعيشون فيه ويعيش فيهم. ولكن المعضلة ليست فى «وطنيتهم» لأنها مسألة مفروغ منها، مع رفضى التام للتشكيك فى وطنية أحد، وإنما المعضلة فى «تمصير» المقولات الليبرالية لتبدو وكأنها معبرة عن واقعنا المصرى دون تصادم مع مكوناته الثقافية الرئيسية. لذا أرجو أن يتحسب بعض الليبراليين فى بعض تصريحاتهم الصادمة للرأى العام المصرى والتى يبدو معها وكأن جذور الليبرالية فى الخارج وأن ثمارها المترجمة يتم استيرادها للداخل.

ثالثاً: مشكلة «توطين» الليبرالية المصرية. الليبرالية المصرية لها جذور معقولة فى بعض الأحياء الراقية فى بعض المدن المصرية ولكنها بعيدة عن أغلب المصريين خارج هذا الإطار. وهو ما يجعلنا نواجه مأزقاً أن الانتخابات ستكون «استفتاءً» على تيار الإسلام السياسى. ولن ينتخب الليبراليون لأسباب تتعلق بكونهم ليبراليين وإنما لأسباب تتعلق بفشل الإسلاميين، وبالتالى سيتصور بعض الليبراليين أن دورهم هو «إفشال» الإسلاميين لأن نجاح الإسلاميين يعنى استمرارهم فى السلطة. وهنا ستدخل البلاد فى حالة من التدمير المتبادل، والخاسر سيكون الوطن. وهذه نقطة ضعف أساسية لأن الليبراليين، لو صدق هذا التحليل، لم يقدموا حتى الآن بديلاً تاماً، وإنما هم بديل فقط إن غاب البديل الأصلى. وهذا مما لا يليق بالرموز الوطنية الكبيرة المنتمية لهذا التيار المهم.

لى مصلحة مباشرة كمصرى أن يكون هناك تيار ليبرالى وطنى قوى قادر على أن يقود معارضة عاقلة ضد الأغلبية من التيارات المحافظة دينياً، وهو ما أسمعه من بعض أنصار هذا التيار أيضاً، وأن يكون لهم إسهام حقيقى يثرى الجدل والنقاش السياسى والمجتمعى فى مصر.
سياسة | المصدر: معتز بالله عبد الفتاح | تاريخ النشر : الثلاثاء 09 اكتوبر 2012
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com