Akhbar Alsabah اخبار الصباح

«القذافي» في ثوبه الجديد.. والكتاب الأخضر سيحكم مصر

إنه القذافي لم يبق له إلا أن يؤلف رواية مثل: «القرية القرية.. الأرض الأرض.. وانتحار رائد الفضاء»، وأن يسبق ذلك بكتاب يمثل الفكر العميق مثل: «الكتاب الأخضر»، حتى يصبح عبد الفتاح السيسي «قذافي» كامل الأوصاف!
في لقائه مع ثلاثين شخصاً من مثقفيه في الأسبوع الماضي، كان السيسي في لحظة تجل، فقال: «أنا لست رئيس مصر فأنا ابنها وأكافح لاستقرارها». فتذكرت الأخ العقيد معمر القذافي وهو يقول «أنا لست رئيساً، أنا قائد ثورة»!.
في إحدى زياراته للقاهرة، حرص الأخ العقيد «معمر القذافي»، على أن تصحبه خيمته، كما اصطحب عنزاً، ونصب الخيمة في قصر القبة، وتمت دعوة عدد من الكتاب والصحافيين ورؤساء تحرير الصحف، لكي يلتقوا بالأخ القائد!
هنالك وقف «أنيس منصور» يسأل: «سيادة الرئيس…» ليقاطعه «القذافي» بطريقة أقرب للزجر: «أنا لست رئيساً». بلع «أنيس ريقه» وعاد يخاطبه: «سيادة الزعيم»، وعاد «القذافي» زاجراً: «أنا لست زعيماً». عندئذ صمت «أنيس منصور» ولسان حاله يقول له: «من تكن إذن»؟.. وهنا تمدد «معمر القذافي»: «اسمي الأخ معمر.. خاطبني بالأخ القائد.. أنا قائد ثورة.. ولست رئيساً أو زعيماً»!.
وعندما قامت الثورة الليبية، وقف «الأخ العقيد معمر القذافي» خطيباً وهو يقول للثائرين ضده: «لو كنت رئيساً لرميت بالاستقالة في وجوهكم» فهو قائد ثورة لا يستقيل، وكنا نضحك ونسخر في مصر من تصرفات العقيد قائد الثورة، الذي وصف الثوار بـ «المقملين»، ويشاء السميع العليم أن يرزقنا في مصر بقذافي صغير، لأننا لم نلتزم بالقول المأثور: «لا تسخر من أخيك فيعافيه الله ويبتليك»!.
ووصل الحال إلى حد أن يعلن «الأخ العقيد عبد الفتاح السيسي»، قائد 30 يونيو «من منازلهم»، أنه ليس رئيساً لمصر ولكنه ابنها الذي يكافح من أجل استقرارها!
«البيض بالحمص»
لقد كنت في هذا اليوم الطيب المبارك الذي التقي فيه السيسي مع رهط من المثقفين بعيداً عن التلفزيون فعدت لأبحث عن إعادة للقاء، وجلست أمام القناة الأولى الرسمية بالساعات في انتظار الإعادة، وشاهدت برامج الطهي في هذا اليوم، فلأول مرة أعرف أهمية هذه البرامج بعد التصريح «الفتاك» للواء أركان حرب «أحمد الهياتمي» محافظ السويس، بأن المرأة المصرية مثقفة، والدليل على ثقافتها الرفيعة والعميقة، أنها اخترعت «المسقعة»، و«البيض بالحمص»، وقد انشغل الرأي العام بهذا الاكتشاف الذي أنتجته العقلية العسكرية المقاتلة عن التفاصيل، لكن في اليوم التالي وجدتني مشغولاً فأنا وإن كنت أعرف «المسقعة»، فلم يسبق لي معرفة الاختراع الآخر الذي يتمثل في «البيض بالحمص» الذي استحقت المرأة المصرية بموجبه أن تصبح مثقفة بحسب المفهوم العسكري للثقافة!
وأنا في انتظار إعادة وقائع لقاء السيسي بالمثقفين الكبار، الذين التقوا بكل رؤساء مصر تقريباً منذ عهد البطالمة، كنت انتظر أن يقدم لنا «الشيف» في برامج الطهي طريقة عمل «البيض بالحمص»، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، وفكرت أن اتصل بالشيف «الشربيني» على قناة «سي بي سي» لكي أسأله عن الطريقة المثلى والمقادير المتعارف عليها في الإقليم لعمل اختراع «البيض بالحمص»، بيد أني خشيت أن أغادر من القناة الأولى إلى «سي بي سي» فيفوتني نصف عمري، بإذاعة اللقاء الطيب المبارك!
تبين لي أن التلفزيون لم يعرض ولو جانباً من هذا اللقاء، فتحول المثقفون إلى مصادر للصحف والمواقع والفضائيات التي تريد الفوز بوقائع اللقاء، وفي ليلة واحدة خرج صديقنا عبد الله السناوي من «أون تي في» إلى برنامج «حديث الساعة» على «سي بي سي»، إلى قناة «الحياة»، وهذا ما أمكن حصره، ولأن الصور التي نشرت ظهرت في اللقاء على يسار السيسي شخصية نسائية لم أتعرف عليها، ولم يذكر أحد اسمها، وراعني أنها فارعة الطول، قبل أن أتبين أنه الإحساس الكاذب فهي إن بدت كذلك فلأن السيسي قصير القامة، فضلاً عن أنها تنتعل حذاء «كعب عالي»، بما أخل بتوازن القوى في اللقاء!
ولأن المواقع والصحف التي نشرت هذه الصورة لم تذكر اسمها، فقد ظننت واللقاء مع المثقفين، أن هذه هي المرأة المصرية التي اخترعت «البيض بالحمص»، على النحو الذي انتقل بها إلى مثقفة بحسب الوعي العسكري بمفهوم الثقافة، والذي نقله إلينا اللواء أركان حرب «أحمد الهياتمي» العميد السابق لكلية الضباط الاحتياط، فاختراع من ظهرت في الصورة «للبيض بالحمص» يجعل لها موقعا استراتيجيا في لقاء السيسي بالمثقفين.. «ولا غرو»!.
بعد أيام من تكبير الصورة وتصغيرها، وقفت على أن الواقفة بجانب السيسي فأظهرت قصر قامته هي «فاطمة ناعوت»، (لا أعرف كيف تم قبوله طالبا بالكلية الحربية ومعلوم أن لها مقاييس في الطول لا تنطبق عليه)، مع أنه إذا كان من ضرورة لوجود شخصية نسائية، فإن فريدة النقاش، بحكم السن، والتاريخ، والحضور السياسي والصحافي، فضلاً عن أنها تقريبا في قامة صاحبنا هي أكثر لياقة بهذا «الجوار». وفي لقطات أخرى لا تظهر «ناعوت» في هذا الموقع الاستراتيجي، يبدو أن المراسم تنبهت لهذا في الوقت بدل الضائع!
«أنا واحد منكم»
عبد الله السناوي هو من نقل لنا في برنامج «حديث الساعة» قول السيسي: «أنا واحد منكم ولست فرعونا جديداً»، فلا أعرف من هذا الذي وصفه بالفرعون وعامله على أنه من طبقة مختلفة، فليس كونه يمارس التنكيل بخصومه في السجون وخارجها أنه صار فرعونا، فرعون كان على الأقل لديه القدرة على صياغة جملة مستقيمة، ولا يظهر في حضرة أحد منحنيا ومنكمشاً، بدءاُ من الرئيس الروسي وانتهاء بالرئيس مرسي.
في قوله: «أنا واحد منكم» قام بالسطو على شعار «حمدين صباحي» في الانتخابات الرئاسية بعد الثورة: «واحد مننا»، وجاءت الدعاية السلبية «واحد خمنا»!.
في «أون تي في»، وفي برنامج «السادة المحترمون»، قال السناوي: «السيسي استمع لكل الانتقادات والاقتراحات التي طرحها المثقفون بصدر رحب»، ولا نعرف ما هي حدود المعارضة التي قام بها القوم، ويمكن أن تغضبه فيحسب له أنه قبلها بصدر رحب، والقوم ومنذ علاقتهم بمبارك هم «الكهنة» الذين يبحثون دائماً عن «فرعون». والشهادة لله، فإن المخلوع لم يكن من بين من يحضرون لقاءاته مع المثقفين الأديبة الكبيرة «ناعوت»، وبهذه المناسبة أود التأكيد على أنني لا أعرف الإنتاج الفكري والأدبي لهذه الأديبة منذ 28 يوليو/تموز 2012؟!
فهؤلاء هم أنفسهم الذين كان مبارك قد التقى بهم قبل الثورة مباشرة، وكتبوا في اللقاء شعراً، مع أن المفكر في علم الاجتماع، ورئيس مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية السابق بـ «الأهرام»، السيد ياسين، الذي ذاب وجداً وتدحرج صبابة وهو يتحدث عن عظمة اللقاء واحترام مبارك للمثقفين، كاد يغمى عليه في القاعة، لأنه يريد أن يقضي حاجته، قبل وصول مبارك وقد حبسوهم لساعتين قبل تشريفه، ولكن الحرس رفض تماماً وعامله على أنه الجندي مجند السيد ياسين، ولم يدافع أحد من زملائه المثقفين عن هذا الحق الانساني والدستوري، للقامة الثقافية الكبرى، في دخول «دورة المياه»!
مرة واحدة، تجرأ أحد المثقفين وانتقد مبارك في لقائه بهم في معرض الكتاب، فقوبل النقد بغلظة عُرفت عن المخلوع، وبعد اللقاء تحاشى المثقفون الكبار الاقتراب من هذا الذي حلت عليه اللعنة، ولم يصافحه أحد منهم فقد تعاملوا معه على أنه أجرب ويخشون من العدوى!

وهذه هي النوعية التي التقاها السيسي، والتي يريد السناوي أن يوحي لنا في دعايته أنها انتقدت (السيسي) الذي يحسب له أنه استقبل نقدها بصدر رحب. يا له من إنسان نبيل!
إنه الإنسان إذن، الذي تجلت إنسانيته، ليس فقط فيما قاله عبد الله السناوي: «أنا واحد منكم ولست فرعونا جديداً»، ولكن أيضاً في ما قاله ضياء رشوان في حضرة لميس الحديدي من أن السيسي أكد أن كرسي الرئاسة مرهق للغاية! لا بأس، فيبدو أنه عندما حلم بحكم مصر، لم يكن يعلم أن هذا الكرسي مرهق للغاية، إذ ظن أنه «مرجيحة»، وبالتجربة تبين له أنه على خلاف ما كان يتوقع، فما الذي يجعله يستمر جالساً عليه، فقد كنت أفهم أن يضحي براحته من أجلنا إن كان قد نجح في شيء، لكن ألا وأنه قد فشل في البر والبحر، فيصبح من غير الملائم أن يستمر في حالة الإرهاق هذه!
المشكل، أن السيسي يتعامل على أنه قدر مصر، وبالتالي فينبغي على الجميع أن يفكر في حلول للمشكلات، فهو ليس بمقدوره حلها، لكنه باق، وليس مطلوباً أن يفعل شيئاً غير أنه مستمر، وهذا من جراء حالة «القذافي» التي تلبسته، فهو ليس رئيساً ليستقيل، ولو كان رئيساً لألقى باستقالته في وجوهنا معشر «المقملين»، والسيسي ليس رئيساً لمصر فهو ابنها.. «أنعم وأكرم»، ويكافح من أجل استقرارها، مع أنه سبب هذه الفوضى منذ أن تآمر على الرئيس المنتخب، وأصر أن يكون رئيساً بقوة السلاح!
الغريب أنه لا يتخيل نفسه ابنا لمصر إلا من موقع جلوسه على الكرسي المرهق، وكأنها قبل ذلك كانت مجرد «زوجة أبيه»!
إنه اختراع جديد، ولا أقصد به «البيض بالحمص»، ولكن أن يكون الرئيس هو ابن للبلد، فإذا طالبته بمهام المنصب أخبرك أنه ليس الرئيس فهو ابن مصر البار الذي يشقى من أجلها.
إنه القذافي في ثوبه الجديد!
سياسة | المصدر: سليم عزوز | تاريخ النشر : السبت 26 مارس 2016
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com