د. حلمي الفقي : الربيع العربى شروق لا غروب

حينما اندلعت شرارة الربيع العربى فى تونس فى ديسمبر 2010م كانت فى الحقيقة ثورة لأمة تتطاول فيها ليل الظلم ليس لعقود وإنما لقرون طويلة من الاستبداد السياسى والذى هو فى الحقيقة أم الخطايا ، ورأس البلايا التى تهوى بحياة الأمم والشعوب إلى مهاوى الردى والهلاك فى سائر ميادين الحياة ، وكان ال السابع عشر من ديسمبر 2010م موعدا فارقا فى حياة هذه الأمة لتثور على عقود وقرون طويلة من الفساد السياسى والقمع والظلم ، وكان الفساد قد عم وطم حتى وصل إلى الأجنة فى بطون الأمهات ، واستشرى فى كل مناحى الحياة وكان ذلك بأيدى الحكام من أبناء هذه الأمة مدعومين فى هذا الأمر من كل القوى العالمية بلا استثناء ، وبدا المشهد واضحا أن خلع هذا الظلم والعودة بالأمة الى العدل ضرب من المحال ، حتى كانت هذه الثورات والتى سميت بالربيع العربى فلاح لهذه الأمة بصيص أمل وشعاع نور فى بزوغ فجر جديد يسيطر فيه العدل على مشهد الحكم فى هذه الأمة ولكن الثورة المضادة عادت لتصدر المشهد من جديد والسيطرة على مقاليد الحكم بيد من حديد وكان القمع فى هذه المرة أسوأ من كل العهود التى مرت بهذه الأمة ، فهل انتهى الأمر عند هذا الحد كلا وألف كلا 0 إن الربيع العربى ماض فى طريقه بلا هوادة لقلع الظلم من جذوره والعودة بالأمة إلى العدل الذى طال انتظاره 0 إن الربيع العربى شروق لا غروب ، وصعود لا هبوط ، وبزوغ فجر العدل على هذه الدنيا كلها ولكن يجب أن يعلم الجميع أن الفساد كان منتشرا فى كل مؤسسات الدولة بلا استثناء وكان فسادا مؤسسيا متجذرا يصعب – ولا أقول يستحيل – اقتلاعه ،وفوق ذلك كان فسادا مدعوما من كل الدول الكبرى فى العالم ، واليوم أضحى العمل من أجل اقتلاع الفساد من جذوره حقيقة قائمة لاشك فيها ، والحقيقة التى لا شك فيها أن انتصار الربيع العربى حتمية كونية ، وفريضة شرعية ، وفى الوقت ذاته بشارة شرعية كذلك ، وذلك من خلال نظرة متأنية فى نصوص مصادرنا الشرعية من القران الكريم والسنة المطهرة ، ولدينا من الأدلة على صحة دعوانا ما يفوق الحصر ومنها : أولا من القران الكريم : 1 – قول الحق سبحانه وتعالى : أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﱠ الروم: ٩ 2 – وقال تعالى : أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا فاطر: ٤٤ 3- وقال تعالى : أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ {غافر 21 } 4- وقال تعالى : أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فهذه الأنظمة القمعية الفاسدة والمتكبرة لم تعى درس التاريخ وسييبيدها الله عز وجل كما أباد من قبلها من الأمم الظالمة عبر التاريخ لقد تكفل الله سبحانه وتعالى بإبادة هذه الأنظمة الباغية والظالمة فهل يشك فى ذلك مؤمن وهذه الإبادة من الخالق سبحانه وتعالى لهذه الأنظمة الظالمة تتحول إلى واقع حين تتحرك الجماهير فى ساحات التغيير وفى الشوارع والميادين معلنة رفضها للظلم والظالمين 0 فالله معكم ولن يتركم أعمالكم ، فبالله ثقوا وعليه توكلوا ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين.