أيها الإخوة.. نتحدث إليكم حديث العقل والضمير، حديث العاطفة والشعور، حديث الوطنية والإخلاص..
لا ريب أن كل من يعيش على أرض مصر من أبنائها هم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، ينهلون من خيراتها ويعملون لمجدها وسيادتها مهما اختفلت المواقع الجغرافية والتخصصات التعليمية والثقافية والاجتماعية، ومن ثم فهم أخوة في الوطن أساسًا وقد يكونون أخوة في اعتبارات أخرى.
والله عز وجل وهب الناس مواهب مختلفة، والمجتمعات تحتاج إلى تخصصات مختلفة لتشبع حاجات الأفراد في مختلف المجالات، ومن ثم تقدم هذه المواهب لتسد حاجات المجتمع من هذه التخصصات.
ولا ريب أن الحاجة للأمن من أهم الحاجات، لذلك قامت الشعوب بإنشاء الجيوش لتحميها من العدوان الخارجي وتحافظ على حدود الوطن، وقامت بتفريغ أعداد من أبنائها ليكونوا ضباطا وضباط صف وجنودا ووفرت لهم كل أسباب القوة من سلاح وعتاد وتدريب ومؤن واحتياجات مالية، ولم تبخل عليهم بشئ وإنما تقتطع من قوتها كل ما يحتاجه جيشها، لأنها لا تستغنى أبدا عنه، وفي ذات الوقت هو لا يستغنى أبدًا عن شعبه فهو مصدر الرجال وهو صانع السلاح ومصدر المال الذي يشترى ما لا يصنعه في الداخل من السلاح والمؤن ويفي بالمرتبات.
إذًا فالجيوش هي ملك للشعوب وهذا ما نصت عليه الدساتير المختلفة حيث نصت على ما يلي:
(القوات المسلحة ملك للشعب مهمتها حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، والدولة وحدها هي التي تنشئ هذه القوات ...)، ولما كانت مهمة الجيش الحماية والدفاع وجب عليه أن يحترف هذه المهمة وأن يتقنها وأن يرفع مستواه فيها عن طريق مزيد من الدراسة والتدريب والاستعداد، وألا ينشغل بمهمة أخرى خارج هذا التخصص، فكما أن الأطباء أو المهندسين أو غيرهم لا يصلحون لقيادة الجيش ولا تدريبه ولا وضع خططه العسكرية، فكذلك لا يصلح العسكريون المحترفون لإجراء الجراحات أو تشييد البنايات، ومن هنا وجب احترام التخصص.
والسياسة هي إحدى هذه التخصصات لأنها تتعلق بالحياة المدنية وتقوم على المبادئ الديموقراطية والمنافسة بين الأحزاب وتداول السلطة وحرية الرأي والتعبير، وعلى الانتخابات، وهذا كله يتناقض مع الحياة العسكرية التي تقوم على الأمر والنهي وعلى طاعة القائد وعلى استعمال السلاح وعلى التدريب على القتال والقتل، إضافة إلى أن الجيش – كما أسلفنا – هو ملك للشعب كله وليس لحزب من الأحزاب ووظيفته حماية الشعب كله وليس فصيلًا من فصائله، لهذه الأسباب كلها كان واجبًا على الجيوش وليس جيشنا فحسب أن تبتعد عن السياسة وتتركها لأهلها.
في النظم الديمقراطية- وهي التي يحترمها العالم كله الآن- الشعب هو السيد وهو مصدر السلطات وهو الذي يختار حكامه عبر انتخابات نزيهة حرة، وهو الذي يغيرهم بغيرهم عبر نفس الوسيلة، والديموقراطية هي أحسن الوسائل وأسلمها التي تدار بها الخلافات السياسية والتعددية الفكرية، والسياسة هي أمر فطري يترتب عليها تعدد الاجتهادات وتوسعها وهي محمودة في الحياة المدنية، ولا يسمح بها بتاتًا في الحياة العسكرية لأنها تمزق الجيش وتقسمه وهذا لا يجوز على الإطلاق، ومن ثمّ كان لابد للجيش أن يبتعد عن السياسة، وأن تبتعد السياسة عنه.
وعندما اقتحم الجيش عالم السياسة وقام بانقلاب عسكري في بعض الدول فإنه أدى إلى تخلفها في كل المجالات حتى المجال العسكري نفسه، ففي عام 1952 قام الجيش بإنقلاب عسكري أيده الشعب للخلاص من الملك الفاسد والاحتلال البريطاني، إلا أن الجيش قرر الاستيلاء على السلطة وإدارة البلاد وكانت مصر والسودان دولة واحدة، فتم فصل السودان عن مصر نتيجة خلافات بين قادة حركة الجيش، وكانت مصر دائنة لبريطانيا وكان الجنية الاسترليني يساوي سبعة وتسعين قرشا مصريا، فماذا حدث بعد ستين عاما من حكم العسكريين؟ أصبحت مصر مدينة للداخل بألف وخمسمائة مليار جنية ومدينة للخارج بثلاثة وأربعين مليار دولار، وأصبح الجنية الاسترليني يساوي أكثر من أحد عشر جنيها مصريا، إضافة إلى نكبة 1967 التي أدت إلى احتلال شبه جزيرة سيناء، وعندما اسندت قيادة الجيش إلى قادة محترفين بمنأى عن الخوض في السياسة حققوا نصر 1973، الأمور التي تؤكد عدم تأهل الجيش لإدارة الحياة المدنية وأنه ينجح إذا تفرغ لمهمته الأصلية في الدفاع عن حدود الوطن .
وكما لا يجوز للجيش أن يقتحم الحياة المدنية السياسية، فإنه لا يجوز لحزب أو جماعة سياسية أن تستقوي بالجيش أو تحرضه على خصومها السياسيين لأن ذلك يدمر كل قواعد الديموقراطية والحياة المدنية ويحول الدولة إلى معسكر كبير يدار ادارة ديكتاتورية.
وإذا كانت الانقلابات العسكرية قد راجت في أزمنة سابقة إلا أنها قد أصبحت مرفوضة تماما الآن بعد انتشار وثائق حقوق الانسان، والإقرار بسيادة الشعوب، والدليل على ذلك موقف الاتحاد الأفريقي من انقلاب 3/7/2013 حيث جمد عضوية مصر في هذا الاتحاد، ورفضت دولة جنوب افريقيا استقبال أي شخص محسوب على الانقلاب للعزاء في وفاة مانديلا، واستقبلت عضوا مصريا في مجلس الشعب السابق معارضا للانقلاب للقيام بواجب العزاء، كذلك هناك العديد من الدول خارج أفريقيا لها نفس الموقف حيث انسحب ممثلوا 122 دولة عندما ألقى وزير خارجية مصر كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذا فقد انتهى زمن الانقلابات.
لكن الذي حدث أن أحزاب الأقلية والسياسين الذين فشلوا في خمسة انتخابات واستفتاءات متتالية حرضوا الجيش على القيام بانقلاب عسكري للإطاحة بالنظام الشرعي الذي انتخبه الشعب، والتقى هذا التحريض مع تطلعات بعض القادة العسكريين للاستيلاء على السلطة والوصول لكرسي الحكم – رئيس الانقلابيين تحركه الأحلام والمنامات – فخانوا الأمانة ونقضوا العهد وحنثوا بالقسم، وانحازوا للأقلية المتصلة أكثرها بالغرب ضد الأغلبية الوطنية، وزعموا استجابتهم لمتظاهري 30/6/2013 الذين كانوا يطالبون بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة فقط، فإذا بالانقلابيين يتجاوزون هذا المطلب إلى اختطاف الرئيس المنتخب واخفائه وتعطيل الدستور الذي أقسموا على احترامه وحل البرلمان.
إلا أن أخطر ما اقترفوه هي المجازر التي قتلوا فيها عدة آلاف من اخوانهم في الوطن وأحرقوا عددًا منهم أحياء وأجهزوا على مصابين، وأصابوا حوالي عشرين ألفًا وحرقوا جثث شهداء ومساجد ومصاحف في سابقة لم يرتكبها جيش مصر في كل تاريخه كله إزاء شعبه، ولقد تكررت هذه المذابح البشعة سقط فيها رجال وشيوخ وشباب ونساء وفتيات وأطفال معظمهم كانوا من المصلين الذين يقيمون الليل ويتهجدون بالأسحار، كل ذلك تحت دعوى فض الاعتصام الذي كان يمكن فضه دون إزهاق هذه النفوس .
ألا تعلمون أن هناك من القوى من يريد اضعاف الجيش واضعاف المجتمع وتمزيق مصر، وهل يمكن تحقيق هذا الهدف الخبيث بأسوء من اصطدام الجيش بالقوى المدنية المتماسكة والمخلصة للوطن، وتحويل مشاعر الشعب تجاه جيشه من حب وتقدير إلى كراهية وتنفير، وهل كانت تلك الدول الخارجية والإقليمية تريد تكرار نموذج الجزائر في التسعينيات أو سوريا الآن؟ إن الشعب المصري أحكم وأعظم وأحلم وأصبر من أن ينجر إلى هذه المهالك التي تحرق الأخضر واليابس وتدمر وطنه الحبيب مصر، ولذلك فقد تمسك بالسلمية وآثر أن يضحي بنفسه وأبنائه ودمائه من أن يضحي بوطنه أو يتصادم مع جيشه رغم ظلم الانقلابيين وبطشهم.
إننا نخاطب ضميركم الديني والانساني والوطني.... هل ما فعلتموه هو دوركم ووظيفنكم؟ هل يشتري الشعب السلاح ويوفر لكم ما تحتاجونه من عتاد ومؤن وتدريب كي تقتلوه؟
نعلم أن القادة الانقلابيين استخدموا التوجيه المعنوي والإعلام لشحنكم بالكراهية ضد إخوانكم وأبناء وطنكم بزعم أنهم إرهابيون وأنهم من الإخوان المسلمين، والآن وبعد خمس شهور وبعد اعتقالكم أنتم والشرطة نحو 15 ألف معتقل، كثير منهم من الاخوان، هل قاومكم أحد عند اعتقاله؟، هل وجدتم عندهم قطعة سلاح واحدة؟، فأين الإرهاب؟، ومن الذي يمارسه؟، ثم إن الاخوان الذين أوهمكم قادتكم أنهم أعداء للوطن، ألم ينشروا الخير في ربوع مصر ويقدموا الخدمات لمن يحتاجها ؟، ألم ينتخبهم الشعب في مجلسي الشعب والشورى والنقابات ونوادي أعضاء هيئة التدريس والاتحادات الطلابية بالجامعات؟، وأخيرا ألم ينتخب منهم رئيسا للجمهورية في انتخابات نزيهة؟، ثم ألم يلفت أنظاركم أن المعتقلين يضمون نوابًا لرؤساء بعض الجامعات وعمداء لبعض الكليات وأساتذة جامعات وأعضاء برلمان ورئيسه وأطباء ومهندسين ومحاميين وطلابًا وكل المهن والتخصصات في المجتمع؟، بل وعدد من السيدات ؟، فهل كل هؤلاء ارهابيون؟
إن القضية الآن لم تعد قضية الإخوان المسلمين ولكنها أصبحت قضية شعب يناضل من أجل حريته وكرامته وسيادته وتصحيح أوضاع دولته، واحترام كل فئة لتخصصها ودورها، وإيقاف العدوان على حقوقه حتى تستطيع الدولة أن تنهض وتتقدم بعد أن تقضي على الفساد، وتعيش كما تعيش الدول المحترمة .
من الممكن أن يقال إن الجيش يقوم على مبدأ الطاعة وأن أوامر القيادة واجبة التنفيذ، وهذا الكلام صحيح في حالة الحرب وقتال الأعداء والدفاع عن الوطن، أما إن كانت الأوامر بقتل الشعب المسالم حتى وإن كان يعبر عن رأيه بالتظاهر أو الاعتصام السلمي فهذا لا يجوز التنفيذ لأنه من المقرر قطعًا أن طاعة الله فوق طاعة الجميع، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" ويقول "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة".
وهل هناك معصية بعد الشرك بالله أكبر من قتل النفس التى حرمها الله ألم يقول الله تبارك وتعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) ألم يعتبر قتل نفس واحدة بغير حق كقتل الناس جميعا في قوله تعالى: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)، ألم يقل النبي صلي الله عليه وسلم: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل إمرئ مسلم" ألم ينسب إلى السيد المسيح عليه السلام الإنسان بنيان الله ملعون من هدم بنيان الله.
وليس الشرع وحده هو الذي يحرم طاعة القيادة في المنكر والمعصية، بل القانون أيضًا يحرم ذلك فإن من المقرر في قضاء محكمة النقض "طاعة الرئيس لا تمتد بأى حال إلى ارتكاب الجرائم.
إذا كان الدافع للانقلاب على الشرعية وقتل المواطنيين السلميين الأبرياء هو تحقيق أحلام كبير الانقلابيين للوصول إلى كرسي الحكم وهو ما صرح به لرئيس تحرير جريدة المصري اليوم ونشر في التسريبات التى اذيعت في قناة "الجزيرة"، وتحقيق المصالح الشخصية لكبار معاونيه، فهل من الوطنية تقديم المصالح الخاصة على المصلحة العامة للشعب والوطن؟، إنكم عندما تقتلون المواطنيين الذين هم إخوانكم وأبنائكم لا تقتلون أشخاصا فحسب ولكنكم تقتلون مصر ذاتها، تقتلون حاضرها ومستقبلها، تقتلون استقرارها وآمالها.
لعلكم سمعتم الثناء الجم الذي أفاض فيه قادة الكيان الصهيوني على قائد الانقلاب واعتبروه بطلًا قوميًا لإسرائيل، وتصريحات حالوتس (رئيس أركانهم السابق) الذي ذكر فيه أن اغراق الجيش المصري في السياسة سوف يضعفه لمدى طويل، فهل أسعدكم ذلك؟، وغيره كثير، وهل أسعدكم اقامتكم في الشوارع لما يقارب 6 أشهر؟، وهل يشرفكم الاستعانة بالبلطجية يقتلون ويذبحون ويصبون؟، وهل من الشرف العسكري اعتقال الفتيات القاصرات وغير القاصرات والسيدات من المظاهرات ومحاكمتهن بتهم باطلة والحكم عليهن بأحكام قاسية في الوقت الذي تتوالى أحكام البراءة على القتلة وأكابر المجرمين والمفسدين؟
هل أمنتم غضب الله وعقابه أن يحل بكم أو أولادكم أو أهليكم في أى صورة من صور العقاب؟ ألا تعلمون أن لله جنودًا لا تحصى ولا ترد على بال (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ)، وهبوا أن الله تعالى أمهلكم أفلا تعلمون أنه يمهل ولا يهمل؟، ألا تفكرون في دعوات الثكالى والأرامل واليتامي على كل من أمر بالقتل ونفذه ورضيه وكل من ظلم واعتقل ولفق التهم وحكم بالباطل؟، ألا تعلمون أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب؟، يقول تعالى: "وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين".
لا نقول هذا لكي نيئسكم من رحمة الله، ولكن لندعوكم إلى التوبة، فإن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل حت تطلع الشمس من مغربها، وباب التوبة مفتوح للعبد ما لم يغرغر، والله عزوجل يقول : (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) بيد أنه يشترط للتوبة الندم على ارتكاب الجريمة والعزم على عدم العودة إليها، وهذا يقتضى التوقف عن الظلم والقمع وعدم طاعة الأوامر بذلك، والاعتذار لشعب مصر حتى يستطيع الشعب القضاء على الانقلاب العسكري، واستعادة إرادته وسيادته وشرعيته.