Akhbar Alsabah اخبار الصباح

انقلاب عسكري ناعم بمصر

طنطاوي إسرائيل قال الكاتب الصحفي عبد الباري عطوان رئيس تحرير القدس العربي: أثبت المجلس العسكري المصري بصدور حكمين على درجة كبيرة من الخطورة، وهما تثبيت ترشيح الفريق أحمد شفيق في انتخابات الرئاسة وحل البرلمان على أنه يلعب بأوراق تنطوي على دهاء سياسي مرعب.

وأضاف عطوان في مقاله: إن المجلس العسكري المصري بدا وكأنه دبر انقلابًا على الثورة المصرية مستخدمًا القوة الناعمة، وليس الدبابات والمصفحات، واحتلال مبنى الاذاعة والتلفزيون وإصدار البيان الأول، ولهذا لا بد من الرد عليه بالطريقة نفسها.

وأشار إلى أن هذا الدهاء ليس من سمات المؤسسات العسكرية في العالم الثالث، ومصر ليست استثناء، فإجهاض الثورة المصرية وإعادة استنساخ نظام الرئيس مبارك، وابقاء اتفاقات كامب ديفيد والعلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، كلها مصلحة أمريكية إسرائيلية عربية مشتركة؛ لأن خروج مصر من المعسكر الغربي يعني حدوث فراغ استراتيجي تملأه قوى عظمى صاعدة مثل: روسيا والصين، وإبطال مفعول تدخل حلف الناتو في ليبيا، وانهيار الحرب على الإرهاب، وتهديدًا وجوديًا لإسرائيل.

وقال: إن من يحكم مصر في الوقت الحالي هو نظام مبارك ومؤسساته الأمنية والقضائية والاعلامية، أما الثورة فقد انحصرت في ميدان التحرير. الثوار يتظاهرون ويهتفون والمجلس العسكري هو الذي يخطط وينفذ في نهاية المطاف، وما حدث بالأمس هو المثال الأبرز في هذا الخصوص.

واستطرد قائلاً: يجب أن يكون صدور حكم الأمس مناسبة لمراجعة الذات. فمن المسؤول عن كون قانون مجلس الشعب غير دستوري؟ أليس جشع بعض القوى السياسية التي أرادت أن تستحوذ على أغلبية مقاعد البرلمان بالترشيح على المقاعد الفردية؟ ومن الذي تسبب في عدم دستورية قانون العزل السياسي؟ أليس صدوره دون تدقيق في الربع الساعة الأخيرة كرد فعل على ترشح عمر سليمان؟ وأين كان البرلمان طوال الشهور الماضية، ولماذا لم يعزل الفلول خلالها؟

ولفت إلى أن الاخوان المسلمين ومعهم السلفيون والقوميون، ارتكبوا أخطاء كارثية سهّلت للمجلس العسكري أن يطبخ طبخته على نار هادئة، بما مكّنه ويمكنه من حرف الثورة عن مسارها، فبينما كان المجلس ورجالات النظام السابق ودهاقنته يبعثون أنصارهم والمتعاطفين معهم للذهاب إلى صناديق الاقتراع بكثافة، ويُخيفون المصريين من الإسلاميين ودولتهم الدينية وجشعهم في الحكم والسيطرة على كل المناصب الرئيسية، كانت نسبة كبيرة من أنصار الثورة يروجون لفكرة المقاطعة، ووضع أوراق بيضاء في صناديق الاقتراع.

هل هناك قصر نظر وغباء سياسي وعجز عن قراءة خريطة الأحداث بنظرة واعية، أكثر من ذلك؟!
وأكد أن الردّ على هذا الانقلاب العسكري الأبيض الناعم لا يتم الآن بالنزول إلى الشارع والتظاهر، وترديد الشعارات المعادية للعسكر أو لشفيق، وإنما بالذهاب إلى صناديق الاقتراع.

وأشار عطوان إلى أنه استمع إلى خطاب الفريق أحمد شفيق كاملاً، وراقب وجوه جمهوره وأنصاره واحدًا واحدًا، وقال: وجدت نفسي استمع إلى الرئيس حسني مبارك، وأشاهد سوزان مبارك، وخديجة الجمال، وأحمد عز، وحسين سالم وهشام طلعت وبقية الرهط.

ولفت إلى أن الفريق شفيق لم يكن يتحدث إلى الشعب المصري كله الذي قال إنه سيخدمه، وإنما إلى أمريكا وإسرائيل وأوروبا ليطمئنها على أنه سائر على نهج الرئيس مبارك حرفيًا، وبنبرة تنطوي على الكثير من التحدي والثقة الزائدة بالنفس.
وأوضح أن الفريق شفيق تحدث كرئيس للجمهورية، وليس كمرشح يتنافس على هذا المنصب، ولم يخفِ ذلك مطلقًا عندما قال: نحن عائدون شاء من شاء وأبى من ابى، فمن هم هؤلاء العائدون، أليسوا رجال الرئيس مبارك؟ ثم هل ذهبوا في الأساس حتى يعودوا مجددًا؟

وقال: إن الإغراق في الوعود والتعهدات ليس أمرا جديدًا في الانتخابات في أي بلد كان، ولكن من تابع خطاب الفريق شفيق وتعهداته التي أغرقها على المصريين يعتقد أن كنوز قارون في انتظار هذا الشعب إذا فاز، فقد تعهد بزيادات رواتب لكل أبناء الشعب، وتوظيف جميع العاطلين وتخفيض الضرائب، ومساعدة العمال والفلاحين، وإلغاء ديون سائقي سيارات التاكسي الأبيض، وتحقيق الأمن والاستقرار وجذب مئات المليارات كاستثمارات خارجية تخلق وظائف جديدة ودفع إعانة بطالة للعاطلين.

وتساءل الكاتب قائلا: السؤال هو من أين سيأتي الفريق شفيق بكل هذه الأموال لتلبية تعهداته؟ الرئيس أوباما الذي يتزعم أكبر اقتصاد في التاريخ لم يقدم عشر هذه الوعود والتعهدات لمواطنيه أثناء حملتيه الانتخابيتين الأولى والثانية؟ هل ستأتي هذه الأموال من أمريكا المفلسة أم أوروبا المنهار اقتصادها وعملتها ومصارفها، أم من دول الخليج العربية التي تنام على آلاف المليارات من الدولارات، وتحت أي شروط، وما هو المقابل الذي ستدفعه مصر وشعبها، هل هو رأس الثورة المصرية؟

وأضاف: إن التحدي المطروح الآن أمام الشعب المصري، والمؤمنين بالثورة وقيمها على وجه الخصوص، هو التصرف بحكمة وعقل، ومواجهة انقلاب المجلس العسكري الأبيض بمثله، والذهاب إلى صناديق الاقتراع للتصويت لمرشح الثورة محمد مرسي؛ لان البديل هو العودة للتبعية والإذلال وسحق كرامة مصر وبيت الطاعة الأمريكي الإسرائيلي.

وأكد أن مقاطعة الانتخابات تحت ذريعة عدم الرضا على أي من المرشحين في الجولة الثانية هي طعن للثورة في قلبها، والتصويت غير المباشر لصالح الفريق شفيق والثورة المضادة، والهروب من هذا الاستحقاق الأبرز والأخطر في تاريخ مصر.

وطالب في نهاية مقاله القوميين واليساريين الحقيقيين وأنصار حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح والسلفيين بأن يرتقوا إلى مستوى هذه اللحظة التاريخية ويتصرفوا بطريقة مسئولة، وإلا خسروا كل شيء، فالمؤذن السلفي لن يجد برلمانا يؤذن فيه، أو يوقف جلساته لأداء الصلاة، إنها مرحلة مراجعة الحسابات والاعتراف بالأخطاء، ووضع مصلحة مصر الثورة فوق كل اعتبار آخر.
سياسة | المصدر: قصة الإسلام | تاريخ النشر : السبت 16 يونيو 2012
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com