
تستمرّ جهود البحث عن المفقودين في حادثة الغرق الأخيرة، التي وقع ضحيتها مواطنون سوريين لاجئون في لبنان وهم يحاولون عبور الحدود اللبنانية في اتّجاه الأراضي السورية، بحسب ما أفادت مصادر "العربي الجديد" ووسائل إعلام سورية ولبنانية اليوم الأحد. وقد تمكّنت فرق الدفاع المدني السوري من إنقاذ ثلاثة أشخاص، امرأتان ورجل، من أصل 11 شخصاً كانوا يعبرون مجرى النهر الكبير الحدودي بين لبنان وسورية، علماً أنّ المنطقة تشهد فيضانات.
وقال قائد عمليات حمص في الدفاع المدني السوري عبيدة العثمان، وهو أحد المشرفين على عمليات الإنقاذ الراهنة، لـ"العربي الجديد" إنّ فرق البحث ما زالت تعمل للعثور على امرأتَين وطفلَين"، مشيراً إلى "تحديات كبيرة بسبب حدّة التيار وصعوبة الوصول إلى ضفاف النهر، إذ تُقدَّر المسافة بنحو كيلومترَين، بالإضافة إلى انتشار مخلفات حربية". وأكد أنّ عمليات الإنقاذ المستمرّة تجري بالتنسيق ما بين وزارة الطوارئ والكوارث السورية والجانب اللبناني المعني، للتحقّق من اتجاهات تيارات النهر الكبير وكذلك احتمالات وجود غرقى وانتشال جثثهم.
وكانت وكالة الأنباء السورية (سانا) قد أفادت، صباح اليوم، بأنّ فرق الدفاع المدني السوري تمكّنت، بمؤازرة عناصر من الجيش السوري، ليلة السبت-الأحد، من إنقاذ عدد من الأشخاص من الغرق في أثناء اجتيازهم النهر الكبير الجنوبي في محيط قريتَي الشبرونية والدبوسية بالقرب من مدينة تلكلخ في ريف حمص الغربي وسط سورية، وذلك خلال "محاولتهم العبور بطرق غير شرعية من الأراضي اللبنانية وإليها". يُذكر أنّ الدبوسية قرية في ناحية مركز قرى تلكلخ، وهي مرتبطة بأحد مراكز العبور الحدودية الرسمية الخمسة بين سورية ولبنان.
من جهته، أوضح مصدر محلّي سوري لـ"العربي الجديد" أنّ لاجئين سوريين في لبنان حاولوا العودة إلى سورية عبر نقاط التهريب، واتّهجوا نحو قرية الشبرونية التابعة لمنطقة تلكلخ في الريف الغربي لمحافظة حمص، لكنّ عدداً منهم غرق في النهر الكبير عند الشريط الحدودي بين البلدَين، مؤكداً أنّ النهر في حالة فيضان بسبب الأمطار الأخيرة.
في الإطار نفسه، قال المسؤول الإعلامي لدى مديرية الدفاع المدني السوري في حمص أحمد بكّار لـ"العربي الجديد" إنّ فرق الدفاع المدني تلقّت بلاغاً من حرس الحدود في الجيش العربي السوري قبل منتصف ليل أمس (السبت 27 ديسمبر/ كانون الأول الجاري)، يفيد بوجود مدنيين عالقين في مجرى نهر الكبير الجنوبي بقرية الدبوسية في ريف حمص الغربي، عند الحدود السورية اللبنانية، الذي يشهد فيضانات نتيجة الأمطار الغزيرة في المنطقة. أضاف بكّار أنّ فرق البحث والإنقاذ توجّهت فوراً إلى الموقع، وتمكّنت من إنقاذ امرأتَين وشاب، وقدّمت لهم الإسعافات الأولية ونقلتهم إلى مستشفى تلكلخ الوطني لتلقّي العلاج.
ونقلت وكالة سانا عن قائد فريق مركز تلكلخ التابع لوزارة الطوارئ وإدارة الكوارث منير قدور قوله إنّ الناجين أفادوا بأنّ مجموعتهم كانت تضمّ 11 شخصاً، عاد أربعة منهم إلى الأراضي اللبنانية، فيما "جرفت المياه الآخرين". وبالتالي، فإنّ أربعة أشخاص ما زالوا في عداد المفقودين، وفقاً لشهادات الناجين. وأوضح قدور، في حديثه إلى وكالة سانا، أنّ المركز تلقّى بلاغاً بخصوص غرق أشخاص بالقرب من قرية الشبرونية، في "منطقة تشهد محاولات عبور غير شرعية، فتحرّكت على الفور الفرق المختصّة بالمعدّات اللازمة إلى الموقع". أضاف أنّ غزارة المياه في المصبّات التي تغذّي النهر الكبير وارتفاع منسوب الجريان أجبرا الفرق على استكمال العملية سيراً على الأقدام، برفقة عناصر من الفرقة 52 في الجيش السوري.
وأشار قدور إلى أنّ فرق الدفاع المدني حاولت استكمال عمليات البحث عبر الدخول إلى مجرى النهر، إلا أنّ انتشار الألغام من مخلفات النظام السابق عند ضفافه، بالإضافة إلى ارتفاع منسوب المياه وشدّة التيار، كلّها أمور حالت دون متابعة العمل في موقعَي الشبرونية والدبوسية. وأكمل قائلاً إنّ وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث أرسلت فريق دعم، يضمّ غوّاصين وآليات مخصّصة للإنقاذ، إلا أنّ استكمال العمليات أُجّل بسبب خطورة المنطقة، متوقّعاً التنسيق مع الجانب اللبناني، اليوم الأحد، للدخول إلى الطرف الآخر ومتابعة البحث من الجهة اللبنانية.
ولفت المصدر السوري المحلّي "العربي الجديد" إلى أنّ اجتياز النهر الكبير يُعَدّ خطوة إجبارية في حال التنقّل بين لبنان وسورية من خلال المعابر غير الشرعية، مبيّناً أنّه في فصل الصيف يكون مستوى المياه منخفضاً ويستخدم العابرون ألواحاً خشبية مثبّتة على إطارات سيارات. أمّا في فصل الشتاء، فيكون مستوى المياه مرتفعاً، بحسب المصدر، الذي قدّر تجاوزه متراً ونصف متر في عدد من مواقع العبور، الأمر الذي يضطرّ الأشخاص إلى اجتيازه بطريقة فردية. وبيّن مصدر "العربي الجديد" أنّ المواطنين السوريين يلجأون إلى مثل هذا النوع من المعابر غير الشرعية في العادة للدخول إلى الأراضي اللبنانية والخروج منها، في حال عدم توفّر أوراق ثبوتية في حوزتهم تمكّنهم من التنقّل من خلال المعابر الرسمية بين البلدَين.
في سياق متصل، تداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك مواقع إخبارية معلومات حول إجبار الجيش اللبناني هؤلاء المواطنين السوريين المذكورين على عبور النهر الكبير والعودة إلى بلادهم، الأمر الذي تسبّب تالياً في غرقهم. وفي ردّ على ذلك، أصدرت قيادة الجيش - مديرية التوجيه بياناً، نقلته الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية اليوم الأحد، نفت فيه ما جرى تداوله حول "إجبار سوريين على عبور مجرى النهر (الكبير) من قبل الجيش اللبناني، في أثناء محاولتهم عبور الحدود اللبنانية السورية الشمالية بطريقة غير شرعية".
أضافت مديرية التوجيه: "توضح قيادة الجيش أنّ الوحدات العسكرية لم تتدخّل في المنطقة المذكورة، إذ لم ترد أيّ معلومات حول محاولة عبور غير شرعية فيها، ولم تُجبر هذه الوحدات أيّ شخص على العودة عبر مجرى النهر، وأنّها تقوم حالياً بعمليات بحث عن الأشخاص الذين تعرّضوا للغرق، بالتنسيق مع السلطات السورية". كذلك لفتت، في البيان نفسه، إلى أنّ الجيش اللبناني "يسهّل العودة الطوعية للسوريين إلى الأراضي السورية عن طريق المعابر الحدودية الشرعية، بما يراعي سلامتهم، كما يتمّ التأكد من وصولهم إلى الجانب السوري بأمان، بالتنسيق مع السلطات السورية المختصّة".
وفي شهادات الناجين التي نقلتها وكالة سانا، قالت المواطنة السورية ماريا السمان إنّها كانت من ضمن مجموعات عدّة حاولت العبور من سورية إلى لبنان، مؤكدة صعوبة الطريق، ولا سيّما في ظلّ المصبات المائية الشتوية. وأشارت إلى أنّ عناصر الجيش السوري تمكّنوا من الوصول إليهم قبل استكمال عبور النهر، وسلّموهم إلى الدفاع المدني الذي نقلهم إلى مستشفى تلكلخ لتلقي الرعاية الصحية اللازمة. بدورها، أفادت الناجية السورية لينا شرف الدين بأنّ مجموعتها كانت تحاول العبور إلى لبنان بواسطة أحد المهرّبين، إلا أنّ ارتفاع منسوب المياه وشدّة جريان النهر كادا أن يتسبّبا في غرق أفراد المجموعة، قبل أن تصل فرق الجيش السوري وتنقذهم.
من جهته، قال اللاجئ السوري الناجي نايف ريا إنّه أُوقف من قبل قوى الأمن الداخلي اللبناني في أثناء توجّهه إلى داخل الأراضي اللبنانية، واقتيد مع مجموعة من اللاجئين إلى نقطة حدودية في مقابل قرية الدبوسية، للعودة إلى الأراضي السورية. أضاف ريا أنّ الأمطار الغزيرة وشدّة التيار حالت دون عبور معظمهم النهر، فعاد عدد منهم إلى الجانب اللبناني، في حين تمكّن هو من النجاة بعد أن أنقذه عناصر من الجيش السوري.