Akhbar Alsabah اخبار الصباح

اتساع نطاق سيطرة "الدعم السريع" يزيد القلق في القاهرة

الدعم السريع ترفع سيطرة قوات الدعم السريع السودانية على مدن استراتيجية في غربي السودان وإقليم دارفور، إلى جانب كردفان، جنوب وسط البلاد، منسوب القلق في القاهرة، ذلك أن هذا التطور يعني عملياً أن هذه المناطق باتت خارج سيطرة الدولة المركزية، ما يعزز سيناريو الانقسام الجغرافي بين شرق البلاد وغربها. بالنسبة لمصر، فإن هذا الانقسام لا يحمل دلالات سياسية فقط، بل يخلق فراغاً أمنياً واسعاً في منطقة متاخمة لمسارات تهريب معقدة تمتد من دارفور إلى ليبيا وتشاد، وصولاً إلى تخوم الحدود الغربية والجنوبية لمصر.

وتتضاعف خطورة هذا الواقع مع انتقال الصراع إلى مناطق ذات قيمة اقتصادية واستراتيجية، في مقدمتها مناطق النفط في كردفان. فاستهداف حقول ومنشآت نفطية أو السيطرة عليها لا يعني فقط حرمان السودان من موارد حيوية، بل يفتح الباب أمام اقتصاد حرب طويل الأمد، يعتمد على التهريب والسيطرة المسلحة على الموارد. هذا النمط من الصراعات أثبت تاريخياً أنه يولّد شبكات عابرة للحدود من السلاح والوقود والبشر، وهي شبكات تدفع مصر ثمنها أمنياً، حتى وإن لم تكن طرفاً مباشراً في القتال.

بُعد عسكري واجتماعي
من زاوية مصرية، لا يقتصر التهديد على البعد العسكري، بل يمتد إلى البعد الإنساني والاجتماعي. فترسيخ سيطرة الدعم السريع في دارفور، وسط تقارير متواصلة عن انتهاكات واسعة النطاق، ينذر بموجات نزوح جديدة داخل السودان وخارجه. ومع أن مصر استقبلت بالفعل أعداداً كبيرة من السودانيين منذ اندلاع الحرب في إبريل/ نيسان 2023، فإن استمرار الصراع واتساعه غرباً يهدد بتحول النزوح إلى حالة مزمنة، ما يفرض أعباء إضافية على الدولة المصرية في مجالات الخدمات وسوق العمل والإدارة الأمنية للحدود.

في هذا السياق، يرى حسام عيسى، مساعد وزير الخارجية المصري ومدير إدارة السودان وجنوب السودان، أن التمدد الحالي لقوات الدعم السريع لم يعد مقتصراً على دارفور، بل انتقل بوضوح إلى إقليم كردفان بأقاليمه الثلاثة: غرب، وجنوب، وشمال كردفان. ويوضح عيسى، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن أهمية كردفان تنبع من كونها تمثل خط التماس الرئيسي بين المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني، المتمركز في الوسط النيلي (ولاية نهر النيل)، والشرق والشمال، وبين مناطق نفوذ الدعم السريع في دارفور، معتبراً أن السيطرة على هذا الإقليم تعني عملياً التحكم في وحدة البلاد الجغرافية أو دفعها نحو الانقسام.

ويحذر عيسى من توجه هذه القوات حالياً نحو مدينتي كادوقلي والدلنج، إذا ما تحققت لها السيطرة عليهما سيعني ذلك سيطرتها الكاملة على جنوب كردفان، تمهيداً للتحرك لاحقاً نحو مدينة الأبيض، عاصمة شمال كردفان. يضع ذلك الإقليم (كردفان) بأكمله تحت نفوذ "الدعم السريع"، ويكرس واقعاً جديداً بالغ الخطورة، وذلك بعد سيطرتها على مدينة بابنوسة، عاصمة ولاية غرب كردفان، وهغليغ النفطية في جنوب كردفان. ومن منظور مصري، لا يحمل هذا التطور أبعاداً عسكرية فقط، بل يفتح الباب أمام سيناريو التقسيم الفعلي للسودان. فترسيخ سيطرة الدعم السريع على غرب البلاد وكردفان، مقابل احتفاظ الجيش بمناطق الشرق والشمال والوسط النيلي، يعيد إنتاج خريطة نفوذ منقسمة، يصعب لاحقاً تجاوزها سياسياً. وهو ما تؤكد القاهرة أنه يمثل "خطاً أحمر" لا يمكن القبول به، نظراً لتداعياته المباشرة على الأمن القومي المصري.

وتذهب نجلاء مرعي، الخبيرة في الشؤون الأفريقية، إلى أن التصعيد الميداني الحالي ليس مجرد تطور عسكري عابر، بل يمثل وسيلة لصياغة "أمر واقع جديد" داخل الدولة السودانية. وترى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الصراع بات مركباً، يتجاوز السيطرة على المدن إلى تنازع أعمق حول الهوية وبنية السلطة وموقع الجيش في الدولة، مشيرة إلى أن القوات المسلحة السودانية أطلقت واحدة من أوسع عملياتها في كردفان، ونجحت في استعادة بعض المناطق. لكن "الدعم السريع"، وفق مرعي، ردت بهجمات مضادة في دارفور وغربي البلاد، ما يعكس حالة استنزاف متبادل وسباق تسلح مفتوحاً بين الطرفين.

نفوذ "الدعم السريع" في الغرب والجنوب
لا تنفصل هذه التطورات، بالنسبة لمصر، عن تداعيات مباشرة على الداخل. فالتصعيد في غربي السودان وكردفان يفتح مسارات جديدة للتهريب عبر الصحراء، ويمتد أثره إلى المثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر، ما يفرض تحديات أمنية معقدة. كما أن استمرار الحرب واتساعها ينذر بموجات نزوح إضافية، في وقت تستضيف فيه مصر بالفعل أعداداً كبيرة من السودانيين في ظل ظروف اقتصادية ضاغطة.

من جانبه، يحذر هاشم علي، الخبير في الشؤون الأفريقية، من أن ما يجري في السودان يرتبط بأطماع قوى دولية وإقليمية تسعى إلى إعادة تشكيل البلاد وفق "مواصفات جديدة" تخدم مصالحها على حساب الدولة السودانية. ويرى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن نجاح قوات الدعم السريع في فرض سيطرتها على غرب السودان، بدعم من أطراف خارجية، قد يمهد لتقسيم فعلي، يعيد رسم خريطة القوى في منطقة القرن الأفريقي لصالح جهات إقليمية بعينها، ويحوّل السودان من حاجز استراتيجي إلى ساحة مفتوحة للصراعات.
سياسة | المصدر: العربي الجديد | تاريخ النشر : الثلاثاء 16 ديسمبر 2025
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com