Akhbar Alsabah اخبار الصباح

"السيسي فرعون مصر الجديد".. وثائقي أوروبي يفكك نموذج الحكم والديون والقمع

السيسي فرعون مصر الجديد بثت قناة "Arte" الفرنسية-الألمانية عام 2025 فيلما وثائقيا سياسيا بعنوان "السيسي: فرعون مصر الجديد" (El-Sisi: Egypt’s New Pharaoh)، في عمل يمتد لنحو 53 إلى 54 دقيقة، من إخراج الصحفيتين كلير بيليت وناديا بليتري، قدم قراءة نقدية مباشرة وحادة للواقع المصري في ظل حكم رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، خارج الأطر الإعلامية التقليدية التي تروج لخطاب “الإنجاز” الرسمي.

لا يكتفي الوثائقي برصد مشاهد إنسانية من الشارع المصري، بل يقدم تحليلا سياسيا واقتصاديا بنيويا لطبيعة السلطة في مصر والعلاقة بين الدولة والمجتمع، كاشفا عن تناقض صارخ بين مشاريع عمرانية فاخرة تشيد في الصحراء، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة، وبين تدهور مستويات المعيشة واتساع رقعة الفقر داخل المدن والأحياء الشعبية.

ويعرض الفيلم العاصمة الجديدة بوصفها مدينة استعراضية شبيهة بنماذج خليجية، تضم أبراجا شاهقة وكنائس ومساجد ضخمة وقصورا رئاسية، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة ديون خانقة جعلتها من بين أكثر الدول مديونية عالميا، مع اعتماد متزايد على قروض صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي ودول الخليج، دون أن ينعكس ذلك على تحسن فعلي في حياة المواطنين.

ويركز العمل على الدور المتنامي للمؤسسة العسكرية، التي يراها الوثائقي لاعبا مهيمنا لا يقتصر دوره على الأمن والدفاع، بل يمتد ليشمل قطاعات اقتصادية استراتيجية مثل قناة السويس والموانئ والمشاريع القومية الكبرى وقطاع البناء والبنية التحتية.

ويكشف الفيلم، عبر شهادات مباشرة، أن منطق الإدارة العسكرية يطغى على عملية صنع القرار، حيث تدار المشاريع بعقلية “السرعة مهما كان الثمن”، من دون اعتبار للكلفة الاجتماعية أو الاقتصادية بعيدة المدى.

كما يسلط الوثائقي الضوء على مناخ القمع والخوف الذي يخيم على المجال العام، من خلال شهادات لمواطنين تحدثوا بهويات مخفية خشية الملاحقة الأمنية، إلى جانب مشاهد مسربة من السجون وروايات معتقلين سابقين تكشف قسوة المنظومة العقابية وتحول القمع إلى أداة بنيوية في إدارة الدولة.

ويقدم الفيلم صورة لدولة تدار عبر الردع الأمني، حيث بات الصمت شرطا للبقاء خارج دائرة الاستهداف.
ويستضيف العمل أصواتا سياسية وتحليلية بارزة، من بينها الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا هولاند، الذي يتحدث عن تجربته خلال افتتاح قناة السويس الجديدة، مؤكدا أن القرار في مصر تحكمه العقلية العسكرية.

كما يشارك مهندس فرنسي عمل في تنفيذ أنفاق قناة السويس، موضحا أن المشاريع كانت تدار بميزانيات مفتوحة وتحت إشراف الجيش المباشر، فيما يشرح الباحث السياسي يزيد صايغ كيف تحولت الدولة المصرية إلى “جيش في الداخل”، يحظى بقبول دولي باعتباره شريكا في حفظ الاستقرار الإقليمي، رغم السجل الحقوقي المتدهور.

ويعتمد الوثائقي مقاربة رمزية لافتة، عبر استحضار مفهوم الفرعونية بوصفه أداة حديثة للهيمنة السياسية، حيث يقدم السيسي كـ“فرعون جديد” يختزل الدولة في شخصه، ويبرر تركيز السلطة والمشاريع العملاقة مهما بلغت كلفتها الاجتماعية، مستندا إلى خطاب القوة والعظمة.

ويرى الفيلم أن هذا النموذج يعمق الشرخ الاجتماعي ويسهم في تآكل الطبقة الوسطى، في ظل تضخم متصاعد ورفع للدعم عن السلع الأساسية، وعلى رأسها الخبز.

وفي خاتمته، يطلق الوثائقي تحذيرا واضحا من “وضع انفجاري” محتمل، معتبرا أن استمرار الهوة بين دولة الأبراج والقصور ومجتمع الشوارع المنهكة قد يقود إلى انفجار اجتماعي واسع، إذا لم يعاد النظر في نموذج التنمية القائم على البهرجة والعسكرة والاستدانة.

ويخلص العمل إلى أن «السيسي: فرعون مصر الجديد» ليس مجرد فيلم وثائقي، بل تشريح سياسي-اقتصادي قاس لنظام حكم ينظر إليه على أنه استبدادي، يستخدم رموز الماضي لتكريس سلطة مطلقة في الحاضر، على حساب العدالة الاجتماعية والحريات والكرامة الإنسانية.
سياسة | المصدر: عربي 21 | تاريخ النشر : الاثنين 15 ديسمبر 2025
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com