Akhbar Alsabah اخبار الصباح

صاروخ تركي فرط صوتي جديد تتحدى به أنقرة الخصوم

صاروخ تركي فرط صوتي في يوليو/تموز الماضي، كشفت الصناعات الدفاعية التركية أثناء معرض الدفاع الدولي (IDEF) في إسطنبول عن أول صاروخ فرط صوتي تُطوِّره البلاد محليا، إذ أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده "تزيح الستار عن أول صاروخ فرط صوتي مُصنَّع في تركيا"، في خطوة تُعدُّ من أبرز مشاريع أنقرة في مجال التسلُّح المتطور.

الصاروخ الجديد، الذي يحمل اسم "تايفون بلوك-4″، يمثل مرحلة مفصلية في برامج الصواريخ التركية، فهو ينتمي إلى فئة الصواريخ الباليستية القادرة على التحليق بسرعات تتجاوز 5 ماخات (أي 5 أمثال سرعة الصوت، أو حوالي 6 آلاف كيلومتر في الساعة)، مما يضعه ضمن أنظمة الصواريخ فرط الصوتية التي تسعى دول قليلة حول العالم لتطويرها، وهو نادٍ حصري لا يضم سوى 4 دول هي الصين وروسيا وإيران والولايات المتحدة.

وتشير الجهات الرسمية في أنقرة إلى أن مدى صاروخ بلوك-4 يتراوح بين 800 وألف كيلومتر، مما يُعزِّز قدرات الردع التركية ويُوسِّع نطاق عملياتها المُحتملة. وفي تصريح له، قال المدير التنفيذي لشركة "روكيتسان" مراد إكينجي إن امتلاك منظومة فرط صوتية محلية "يُوفِّر مستوى حاسما من الردع" ويدعم سعي تركيا إلى "تعزيز أمنها بقدراتها الذاتية".

وعقب عرضه الأول في يوليو/تموز الماضي، دخل الصاروخ تايفون بلوك-4 مرحلة اختبارات ميدانية متسارعة. وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت مصادر دفاعية تركية نجاح تجربة إصابة هدف بحري يبعد أكثر من 500 كيلومتر، حيث جرى إطلاق الصاروخ من منصة أرضية متنقلة، وتجاوزت سرعته -وفق البيانات الرسمية- حاجز 5 ماخات، محققا إصابة مباشرة أكدت قدرته على ضرب أهداف متحركة بدقة عالية، مع تسجيل معدل خطأ دائري لا يتجاوز 5 أمتار، كما أن نجاح الصاروخ في إصابة هدف بحري يفتح الباب أمام دور مضاد للسفن، مما يضيف بعدا تكتيكيا يتجاوز استهداف مواقع أرضية ثابتة.

وتُعدُّ هذه التجربة أول اختبار حي مُعلَن لنسخة بلوك-4، مما يدعم الرواية التركية بشأن تقدُّم برنامجها فرط الصوتي. وقد وصفت الجهات الرسمية الاختبار بأنه محطة مفصلية ضمن سلسلة تجارب تتجه نحو الجاهزية التشغيلية الكاملة. وفي هذا السياق، أكد مراد إكينجي أن الإنتاج الكمي لصاروخ تايفون بلوك-4 سيبدأ عام 2026.

وترى أنقرة في تايفون بلوك-4 مشروعا ذا دلالة إستراتيجية، وتُقدِّمه بوصفه تطوُّرا يمكن أن يُسهِم في إعادة تشكيل توازنات القوة، لا سيَّما في مواجهة اليونان في البحر المتوسط، وكذلك في مواجهة روسيا في البحر الأسود. ويواصل أردوغان وكبار مسؤولي قطاع الدفاع عرض البرنامج على أنه دعامة رئيسية في منظومة الردع الإستراتيجي وتعزيز الاكتفاء العسكري لتركيا.

صاروخ تركي فرط صوتي
تُعرَّف الصواريخ فرط الصوتية عموما بأنها تلك التي تتجاوز سرعتها 5 ماخات، وهي عتبة تكتسب أهميتها من كون السرعات العالية تُقلِّص زمن رد الفعل لدى الخصم إلى مستويات شبه معدومة. ورغم أن الصواريخ الباليستية التقليدية قد تبلغ هذه السرعات أثناء مرحلة السقوط الحر، فإن الصاروخ فرط الصوتي الحقيقي هو الذي يحافظ على سرعات تتجاوز 5 ماخات على مدار فترة مُعتبرة من مساره، أو الذي يستطيع تغيير اتجاهه وهو ما يزال يُحلِّق عند تلك السرعات.

وتُصنَّف الأسلحة فرط الصوتية عادة ضمن 3 فئات رئيسية، وهي مركبات الانزلاق الباليستية التي تُطلق عبر معزز ثم تنزلق بسرعات فرط صوتية نحو الهدف، وهناك صواريخ كروز المزودة بمحركات "سكرامْجِت" (Scramjet-powered) التي تعتمد على سحب الهواء من الغلاف الجوي للاندفاع بسرعات تفوق 5 ماخات، بالإضافة إلى الصواريخ الباليستية عالية السرعة التي تستند إلى دفع صاروخي تقليدي لكنها مُزوَّدة بأنظمة توجيه متقدمة ورؤوس مناورة قادرة على تعديل المسار في المراحل النهائية.

ويقع صاروخ تايفون بلوك-4 ضمن المجموعة الثالثة، أي فئة الصاروخ الباليستي فرط الصوتي، فهو يستخدم معززا يعمل بالوقود الصلب على نفس نمط الصواريخ الباليستية، لكن ما يُميِّزه هو امتلاكه رأسا حربيا قادرا على المناورة في مرحلة العودة، مما يسمح له بتغيير مساره بصورة تجعل اعتراضه أكثر تعقيدا من اعتراض صاروخ باليستي تقليدي يتحرك في مسار يمكن التنبؤ به.

وبينما لا يعتمد بلوك-4 محرك "سكرامْجِت" ولا مسار انزلاقي طويل، فإنه يحقق تأثيره فرط الصوتي عبر السرعة العالية والمناورة في مرحلته النهائية، ومن هذا المنظور، يحقق الصاروخ الخصائص نفسها التي تجعل الأسلحة فرط الصوتية محط اهتمام عالمي، بضربات شديدة السرعة يصعب اعتراضها في الزمن المتاح، ويشير محللون أميركيون إلى أن الصواريخ فرط الصوتية تملك تأثيرا إستراتيجيا حاسما، لأنها بتلك السرعات العالية تتجاوز قدرات معظم الدفاعات الجوية الموجودة الآن، تاركة الأهداف المحتملة بهامش محدود للغاية للرد أو المناورة.

تايفون بلوك-4
يُعَد حجم صاروخ تايفون بلوك-4 أكبر بوضوح من الإصدارات السابقة ضمن عائلة صواريخ تايفون، وفق البيانات المنشورة التي تضع طوله عند 10 أمتار وقطره عند حوالي متر، مع وزن إطلاق يقترب من 7200 كيلوغرام. ويستخدم الصاروخ محركا يعمل بالوقود الصلب المُركَّب يمنحه جاهزية إطلاق سريعة وقدرة على العمل في مختلف الظروف الجوية.

كما يُنقَل الصاروخ ويُطلَق عبر منصة إطلاق متحركة من طراز "فولات" (VOLAT)، مما يتيح مرونة عالية في المناورة والإخفاء قبل الإطلاق. ويعتمد الصاروخ أثناء التحليق على ملاحة بالقصور الذاتي مُدعَّمة بتحديثات الأقمار الاصطناعية، وهو مزيج يمنح توجيها دقيقا، مع تقدير لمعدل الخطأ الدائري بين 5 و10 أمتار.

وتصف التقارير الرسمية الرأس الحربي بأنه رأس شديد الانفجار ومتعدد المهام وقادر على العمل في بيئات مختلفة، وأنه صُمِّم للتعامل مع الأهداف المُحصَّنة ومواقع البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك بطاريات الدفاع الجوي وحظائر الطائرات المُحصَّنة ومراكز القيادة.

ومن المفترض أن يحافظ تايفون بلوك-4 على سرعات فرط صوتية طوال جزء كبير من مساره، إذ توضح تقارير روكيتسان ووسائل إعلامية تركية أنه يقطع معظم الرحلة عند سرعات تتجاوز 5 ماخات، وهي سرعات تُشكِّل تحديا صعبا أمام منظومات الدفاع الصاروخي مثل باتريوت باك-3 الأميركية أو إس-300 الروسية، التي ستواجه صعوبة في اعتراض الصاروخ في مرحلته المتوسطة.

ويُقدَّر مدى التشغيل بنحو 800 كيلومتر على الأقل، مع خطط لزيادة المدى إلى أكثر من ألف كيلومتر في النسخ المستقبلية عبر تحسين الوقود وأنظمة التوجيه. ويمنح هذا المدى تركيا قدرة على تنفيذ ضربات بعيدة تمتد من شرق المتوسط مرورا بجنوب القوقاز ووصولا إلى آسيا الوسطى، وهو ما قد يدفع أطرافا إقليمية إلى إعادة تقييم حساباتها العسكرية وفق ما تُلمِّح إليه المصادر الرسمية التركية.

وخلاصة الأمر، يُقدم تايفون بلوك-4 بوصفه صاروخا باليستيا فرط صوتي قصيرا إلى متوسط المدى، يجمع بين بنية ثقيلة، ومحرك يعمل بالوقود الصلب، وإطلاق من منصة متنقلة، بالإضافة إلى نظام توجيه متقدم ورأس حربي شديد التأثير. وتضعه سرعته ومداه ودقته في مستوى يقترب من أحدث الأنظمة فرط الصوتية عالميا، مع تصميم يهدف إلى العمل في مختلف البيئات ومواجهة محاولات التشويش، لضمان إصابة الأهداف الحيوية بكفاءة عالية.

البرنامج الصاروخي التركي
لم يأت السعي التركي لإنتاج صاروخ فرط صوتي في ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة تراكم يمتد لعقود داخل برنامج الصواريخ الباليستية، بدءا من التعاون التقني مع الصين في التسعينيات، حتى دخول صاروخ "بورا" الخدمة أواخر عام 2017.

وفي عام 2018، دخل الصاروخ القصير المدى الاستخدام الميداني، برأس حربي يزن نحو 470 كيلوغراما ومدى يبلغ 280 كيلومترا، بالتوازي مع العمل على النسخة المتقدمة "بورا-2". وقد شكّلت مشروعات "بورا" تطويرا مهما في تقنيات الدفع والتوجيه والتصنيع، ومهَّدت لانتقال تركيا إلى فئة المدى الأعلى.

وقد تصاعدت وتيرة برنامج الصواريخ التركية مع أول اختبار معلن لصاروخ تايفون في أكتوبر/تشرين الأول 2022، حين قطعت التجربة 561 كيلومترا في نحو 456 ثانية مع إصابة دقيقة للهدف، في أول مؤشر رسمي على قدرات الصاروخ.

وتلا ذلك اختبار ثانٍ في مايو/أيار 2023، أعلنت بعده أنقرة بدء الإنتاج الضخم لنسخة تايفون بلوك-1، قبل أن تؤكد وزارة الدفاع في الشهر نفسه انطلاق الإنتاج الكمي رسميا. وقد كانت نسخة بلوك-1 نسخة قصيرة إلى متوسطة المدى (300–600 كيلومتر) مخصصة لتلبية متطلبات ضربات خطوط الاشتباك.

وفي سبتمبر/أيلول 2024 برزت مؤشرات أولى على تطوير نسخة فرط صوتية، بعد تداول صور تزعم اختبار نموذج يقترب من سرعة 5 ماخات، وسط تصريحات رسمية تحدثت آنذاك عن نية تطوير قدرات فرط صوتية حقيقية. وجاء التأكيد العملي لاحقا عبر اختبار بحري في فبراير/شباط 2025، حين أصاب صاروخ تايفون سفينة على مسافة مئات الكيلومترات بهامش خطأ يقارب 5 أمتار، في أول دليل حي على قدرة النظام على تنفيذ ضربات دقيقة بعيدة المدى ضد أهداف متحركة، وهذا مهَّد الطريق لاعتماد تصميم بلوك-4.
سياسة | المصدر: الجزيرة | تاريخ النشر : الأحد 07 ديسمبر 2025
أحدث الأخبار (سياسة)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com