
ألغى وزير داخلية جنوب أفريقيا، لياون شرايفر، الإعفاء من التأشيرة لحاملي جوازات السفر الفلسطينية، وذلك على خلفية الجدل الذي أثارته رحلة جوية مشبوهة حطّت في البلاد الشهر الماضي، حاملةً على متنها 153 فلسطينياً من قطاع غزة. وذلك بعدما أقلعت بداية من مطاريّ "عوفدا" العسكري، مروراً "برامون" الإسرائيليَين، وصولاً لجوهانسبوغ ـ على ما أثبتته سجلّات تتبع الرحلات الجوية ـ وذلك من دون حمل المسافرين وثائق وأختام خروج إسرائيلية، بموازاة قرائن على وقوف جهات إسرائيلية وراء ما وُصف بمخطط تهجير ممنهج.
وطبقاً لموقع IOL الإخباري الجنوب أفريقي فإن قرار وزير الداخلية أتى استناداً إلى التحقيقات وتوصيات أجهزة الأمن القومي، وبعد مشاورات خاضتها الأجهزة الأمنية الجنوب أفريقية، والتي أكّدت أن الإعفاء من التأشيرة لمدة 90 يوماً لحاملي جواز السفر الفلسطيني العادي قد استغلته عامدةً وبشكل ممنهج جهات إسرائيلية مرتبطة بما يُسمى "الهجرة الطوعية" لسكان قطاع غزة.
ومع أن الوزير شرايفر أكد أن الإعفاء من التأشيرة لفترة قصيرة يهدف إلى تشجيع السياحة في البلاد لمدة محدودة، فقد شدد على أن التحقيق في رحلة الفلسطينيين التي وصلت من كينيا كشف أن السفر "لم يكن بغرض السياحة والبقاء لفترة قصيرة، بل لنقل فلسطينيين من مكان إقامتهم في غزة". وأضاف أن الفلسطينيين لم يشتروا تذاكر السفر بأنفسهم، بل نظّم الرحلة وكلاء رحلات جوية، وصلت إلى حد استغلال المسافرين أنفسهم، بينما كان منظمو الرحلة على استعداد لتركهم في جوهانسبورغ.
ولفت الوزير إلى أن سلطات بلاده تحقق في الأثناء في واقعة مشابهة سُجّلت في نهاية أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي، حين وصل فلسطينيون إلى جنوب أفريقيا عبر نيروبي من دون وثائق، إلا أن تلك الحادثة لم تُثِر ضجة مماثلة في حينه. وقال الوزير إن "إلغاء الإعفاء هو الوسيلة الأكثر فعاليّة لمنع تكرار مثل هذه الحالات، بينما نُمكّن في الوقت نفسه الفلسطينيين من زيارة جنوب أفريقيا من دون الإضرار بهم"، مشدداً على أن بلاده "لن تتسامح مع أي محاولة لاستغلال الفلسطينيين أو فصلهم عن غزة".
القرار الجديد أتى بعد شهر على هبوط طائرة في مطار جوهانسبوغ وعلى متنها 153 فلسطينيين وصلوا من قطاع غزة دون المستندات المطلوبة، قبل أن يُحتجزوا في الطائرة مدة 12 ساعة من دون طعام ولا ماء، إلى أن سمحت السلطات الجنوب أفريقية بدخولهم، وسط توجيه الأخيرة أصابع الاتهام نحو إسرائيل باعتبارها الجهة المسؤولة عن الرحلة الغامضة.
وفي وقتٍ لاحق على ذلك، تكشّف أن جمعية تُدعى "المجد أوروبا" والمملوكة للإسرائيلي- الإستوني تومر يانار ليند، هي التي تقف خلف تنظيم الرحلة، التي بدأت بعد نقل الغزيين من رفح إلى مطار رامون، ومن هناك إلى جنوب أفريقيا عبر كينيا في رحلة طيران تابعة لشركة رومانية تُدعى Flyyo. وكانت هذه الأخيرة وفقاً لسجلات تتبع الطيران قد حطّت في "رامون" قادمة من "عوفدا" العسكري.
وكشف الفلسطينيون الذين كانوا على متن الرجلة إلى جنوب أفريقيا أنهم دفعوا نحو 2000 دولار للفرد الواحد مقابل الحصول على تذاكر سفر. وأفادت تقارير في جنوب أفريقيا الشهر الماضي بأن بعض الركاب كانوا يحملون تذاكر سفر إلى كندا وأستراليا، بينما كان معظمهم يعتقد أن الوجهة النهائية للرحلة هي الهند. وبالتوازي كشفت وسائل إعلام إسرائيلية مختلفة، بينها "هآرتس"، و"يديعوت أحرونوت" أن شركة "المجد" تواصلت مع "مديرية الهجرة الطوعية" في وزارة الأمن الإسرائيلية، والتي بدورها نقلت تفاصيل 153 فلسطينياً الذين كانوا على متن الطائرة إلى وحدة "منسق أعمال الحكومة في المناطق"، في إشارة إلى منسق أعمال حكومة الاحتلال في الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة وقطاع غزة.
في غضون ذلك، قدّمت "المجد أوروبا" نفسها كمنظمة إنسانية تعمل في الشيخ جراح بمدينة القدس المحتلة، لكن المعلومات المتوفرة حولها أثارت الكثير من الشبهات خصوصاً أن البحث الميداني أكد أنها لا تملك أي مكتبٍ في القدس. فضلاً عن ذلك، تستعين المنظمة بصور مولدة بالذكاء الاصطناعي، للترويج لأحد عامليها ويُدعى مؤيد صيدم سبق أن هاجر على متن رحلة من تنظيمها. وبينما تأكد "العربي الجديد" من أن صيدم شخص حقيقي، يزعم أنه "يساعد الفلسطينيين في الحصول على حياة ومستقبل أفضل"، فإنه لم يجد أي معلومات حول شخص آخر تقدمه المنظمة على أنه أحد عامليها ويُدعى "عدنان".
فضلاً عما تقدّم، تسرق المنظمة صوراً من وكالات مختلفة لاستخدامها في الترويج لأنشطتها "الإنسانية". من بين ذلك مثلاً سرقت صورة لفتاة ظهرت في احتفالية نُظّمت في طرابلس شمال لبنان بالتزامن مع سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، ليدعي أن الصورة "تعود لفتاة من حلب ساعدتها المنظمة لتخطي آثار الحرب في بلدها بعدما نزحت إلى لبنان في عام 2013". إلى جانب ذلك يذكر الموقع الإلكتروني للمنظمة أنها تأسست عام 2010 في ألمانيا، رغم أن تسجيل نطاق الموقع لم يتم إلا في فبراير/شباط من العام الجاري، لدى إعلان وزارة الأمن الإسرائيلية عن إقامة مديرية الهجرة الطوعية.