
حذرت تنسيقية لجان المقاومة في الفاشر غربي السودان، اليوم الجمعة، من أن مليشيات "الدعم السريع" المدعومة من دولة الإمارات بدأت بالتحشيد وإلقاء ثقلها العسكري على إقليم كردفان، خاصة شمال كردفان، مشيرة إلى أنها اتخذت طريقها بوضوح لمحاولة إعادة حصار مدينة الأبيض، مركز ولاية شمال كردفان، بدلاً من التقدم نحو بابنوسة كما كانت التوقعات.
وقالت في بيان نشرته عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك": "تحاول المليشيا جاهدة إعادة حصار مدينة الأبيض لعلمها التام بأهميتها الاستراتيجية في إدارة عمليات إقليم كردفان في الزحف نحو دارفور"، محذرة من أنه "ما لم تنفتح قواتنا في جميع المحاور، وتتقدم في وقت قريب، ربما نشهد المزيد من الانتكاسات الكبيرة والتراجعات الميدانية". وحذرت التنسيقية من أن الإمارات، التي تدعم قوات الدعم السريع، تعلم تماماً حقيقة الوضع، وتجهز لمعركة طويلة الأمد، مشيرة إلى أنها قامت بإنشاء قواعد عسكرية وغرف إدارة عمليات ومستشفيات ميدانية في الدول المجاورة، مثل تشاد، وليبيا، وجنوب السودان، والصومال.
وشددت التنسيقية على ضرورة الصمود والمقاومة، مؤكدة أن المعركة مصيرية ووجودية. من جانبها، قالت شبكة أطباء السودان، في بيان عبر "فيسبوك"، إن ولاية شمال كردفان تشهد موجة نزوح متسارعة من محلية بارا باتجاه مدينة الأبيض، نتيجة لتدهور الأوضاع الأمنية، واستمرار انتهاكات الدعم السريع ضد المدنيين. ولفتت إلى أن التقارير الميدانية لفرقها تشير إلى أن عدد النازحين تجاوز 4500 شخص، من بينهم 1900 شخص وصلوا إلى الأبيض، بينما لا يزال الباقون في طريقهم، وسط ظروف قاسية، ونقص حاد في الغذاء والمياه والمأوى.
ودانت الشبكة عمليات التهجير القسري ضد المدنيين العزّل من "الدعم السريع" في مدينة بارا، معربة عن قلقها البالغ من تفاقم الوضع الإنساني، داعية المنظمات الإنسانية والسلطات المحلية إلى التدخل العاجل لتوفير الاحتياجات الأساسية للنازحين. وناشدت منظمة الصحة العالمية وشركاء القطاع الصحي، دعم المرافق الطبية في مدينة الأبيض، مؤكدة أن استمرار هذا النزوح ينذر بأزمة إنسانية جديدة ما لم يتم التحرك الفوري لتدارك الموقف.
وبعد سيطرة مليشيا "الدعم السريع" على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، الأحد الماضي، عمد الجيش السوداني إلى إعلان الاستنفار العام في جميع الولايات الخاضعة له، خصوصاً بعد تهديدات "الدعم السريع" بشن المزيد من الهجمات على مدن جديدة. وبدأ الجيش والقوات المساندة له بالدفع بتعزيزات عسكرية إلى خطوط المواجهات في إقليم كردفان المحاذي لإقليم دارفور، الذي بات أغلب مناطقه تحت سيطرة "الدعم"، والذي شنّ بالفعل هجمات على عدد من المناطق الصغيرة في ولاية شمال كردفان، واشتبك مع الجيش.
ودعت "القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح" (حركات موقعة على سلام مع الحكومة) في بيان أمس الخميس، جميع الشباب إلى "حمل السلاح والدفاع عن الأرض والعِرض، والتوجه فوراً للانضمام إلى التحركات العسكرية في جبهات القتال لدعم جهود تأمين وحماية المواطنين، والحفاظ على أمن وسلامة الوطن". ووصفت هذه المعركة بأنها "معركة وجود وكرامة"، وتوعّدت بالقصاص من "الدعم السريع" وتحقيق العدالة لضحاياها. وأعلنت حكومة ولاية شمال كردفان في بيان أمس، أن "الدعم السريع" قصفت بلدة الزريبة في الولاية، التي تضم معاهد دينية، ما تسبب بسقوط قتلى وجرحى بين المدنيين، مضيفة أن المنطقة مدنية بالكامل ولا وجود فيها لأي مظاهر عسكرية، وتستضيف آلاف الأسر النازحة.
وارتكبت مليشيا "الدعم السريع" مجازر في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، بعد استيلائها عليها يوم الاثنين الماضي، ما أدى إلى مقتل الآلاف وتشريد آخرين حسب منظمات محلية ودولية، وما زال الأمر مستمراً في المدينة. وكانت بعثة تقصي الحقائق التي شكّلها مجلس حقوق الإنسان في 11 أكتوبر 2023، قالت في تقرير أصدرته في 5 سبتمبر/ أيلول 2025، إن مليشيات الدعم السريع ارتكبت خلال حصارها للفاشر والمناطق المحيطة بها، مجموعة واسعة من الجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل، والتعذيب، والاسترقاق، والاغتصاب، والاستعباد والعنف الجنسي، والتهجير القسري، والاضطهاد على أسس عرقية واجتماعية وسياسية. وأضافت أن "الدعم" وحلفاءها استخدموا التجويع وسيلةً من وسائل الحرب، من خلال حرمان سكان الفاشر من المواد الأساسية اللازمة لبقائهم على قيد الحياة، "وهو ما قد يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية والتي تُعتبر جريمة ضد الإنسانية".
إلى ذلك، أعلنت قوات الدعم السريع، في بيان نُشر في وقت متأخر من ليل الخميس، توقيف عدد من مقاتليها المشتبه بارتكابهم انتهاكات إبان سيطرتها الأحد على مدينة الفاشر. وقالت في بيانها، وفق "فرانس برس": "تنفيذاً لتوجيهات القيادة، والتزاماً بالقانون وقواعد السلوك والانضباط العسكري أثناء الحرب، ألقت قواتنا، القبض على عددٍ من المتهمين في التجاوزات التي صاحبت تحرير مدينة الفاشر، وعلى رأسهم المدعو أبو لولو"، مضيفة: "باشرت اللجان القانونية المختصة التحقيق معهم توطئة لتقديمهم للعدالة".