يبدو أن خطط التحوّل الأوروبية إلى السيارات الكهربائية وفق جداول زمنية لطالما حددتها دول القارة سابقًا أصبحت في دائرة الإرباك والتراجع بسبب رفض شرائح كبيرة من المستهلكين الطرازات غالية الثمن أو عجزهم أصلًا عن تأمين الأموال المطلوبة. في هذا السياق، أوردت بلومبيرغ في تقرير موسّع حول هذا الموضوع، اليوم الجمعة، أن شركتَي فولكسفاغن وفولفو قلصتا هذا الأسبوع طموحاتهما الكبرى لتحدي شركة تسلا الأميركية ومنافسيها الصينيين الجدد، وهو ما يعود إلى سببين: أولًا عدم وجود ما يكفي من النماذج بأسعار معقولة، وما أدى إليه تخفيض الحوافز الحكومية من تراجع في اهتمام العملاء بهذه السيارات.
أما النتيجة بالأرقام، فكانت انخفاضًا حادًا في المبيعات، مثلما حصل في يوليو/ تموز، حيث تراجعت عمليات تسليم السيارات العاملة بالبطاريات بأكثر من 10% في جميع أنحاء أوروبا، وهو ما يرجع أساسًا إلى انخفاض بنسبة 37% في ألمانيا التي تُعد أكبر سوق في دول الاتحاد الأوروبي، في تطور فاجأ الشركات المصنعة وأدى إلى عدم التوافق بين خطط الاستثمار المستقبلية ومجريات السوق الآنية.
وتنقل بلومبيرغ عن مدير مركز أبحاث السيارات في بوكوم فرديناند دودينهوفر قوله: "نفقد في أوروبا مزايا الكلفة بشكل أسرع من أي وقت مضى، والمحصلة أن تستمر الصين في توسيع مزاياها التنافسية الطبيعية في السيارات الكهربائية، وستستمر هياكل الكلفة في أوروبا في التخلف عن الركب"، فيما يأتي تباطؤ طلب السيارات الكهربائية مع بقاء سوق السيارات في المنطقة أقل بنحو الخُمس عن مستويات ما قبل وباء كورونا، بما يؤدي إلى استنزاف ربحية السيارات التقليدية أيضًا.
وكان من الشواهد على ذلك ما حصل يوم الأربعاء الماضي، عندما ألغت فولفو خطة لبيع السيارات الكهربائية بالكامل فقط بحلول عام 2030 بعد الطلب المخيب للآمال على تشكيلة سياراتها الكهربائية، علمًا أن الشركة المملوكة لشركة جيلي الصينية تستهدف الآن أن تشكل طرازات السيارات الهجينة التي تعمل بالكهرباء والبطاريات فقط ما لا يقل عن 90% من مبيعاتها في نهاية العقد الحالي.
وفولفو، إلى جانب فولكسفاغن، هي من بين الشركات التي غيّرت مسارها حديثًا. كما أثارت مجموعة مرسيدس بنز مخاوف بشأن وتيرة تطورات السوق. فبعد التعهد في البداية بالتحول إلى السيارات الكهربائية بالكامل بحلول عام 2030، قال الرئيس التنفيذي للشركة أولا كالينيوس، في اجتماع للمساهمين في مايو/أيار، إن الشركة من المرجح أن تقدم موديلات بمحركات احتراق داخلي في العقد المقبل، مشيرًا إلى أن "التحول قد يستغرق وقتًا أطول من المتوقع".
وتأتي هذه التطورات فيما يكافح المصنعون الأوروبيون لإنتاج سيارة كهربائية يمكن تسويقها على نطاق واسع، إذ إن الموديلات الراقية، مثل بورشه تايكان التي تبلغ كلفتها 107 آلاف يورو وبي إم دبليو i7 التي تبلغ كلفتها 116 ألف يورو، تُعد ملائمة لاحتياجات نخبة المستهلكين، في حين أن البدائل غير المكلفة الأوروبية الصنع لا تزال نادرة، علمًا أن كلفة النسخة الكهربائية من سيارة فيات 500، والتي تُعد تقليديًا رمزًا للتنقل بأسعار معقولة، نحو 35 ألف يورو، أي ضعف سعر نظيرتها التي تعمل بمحرك الاحتراق. (اليورو = 1.11 دولار).
السيارات الكهربائية الصينية تستغل بطء التحوّل الأوروبي
في غضون ذلك، تستغل شركات صناعة السيارات الكهربائية الصينية التحول البطيء في أوروبا، وتنظم حملات تسويق لسيارات بأسعار تنافسية، مثل بي واي دولفين (BYD Dolphin)، بقيمة 33 ألف يورو، مقارنة بسعر ابتدائي يبلغ 37 ألف يورو لسيارة فولكسفاغن ID.3، علمًا أن شركة صناعة السيارات العملاقة الألمانية ومقرها فولفسبورغ كانت قد تعهدت بتقديم سيارة كهربائية صديقة للميزانية، لكن تكاليف إنتاجها المرتفعة لا تزال تشكل عقبة.
وقد أصبح التسعير أكثر أهمية في الآونة الأخيرة، حيث ساهم غزو روسيا أوكرانيا عام 2022 موجة تضخم أضرت بميزانيات الأسر وجعلت المركبات الجديدة بعيدة عن متناول الكثير من الناس، فيما أضافت زيادات أسعار الفائدة بقرارات من البنوك المركزية حول العالم إلى كلفة تمويل قروض شراء السيارات. وتزامن ذلك مع تراجع الحكومات عن دعم مسار التحوّل إلى السيارات الكهربائية بالكامل.