تتواصل خسائر الصيادين في قطاع غزة، في ظل تعمد الاحتلال الإسرائيلي تدمير قوارب الأرزاق، لتتجاوز نحو 60 مليون دولار منذ بداية العدوان المستمر منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وخلال الحرب توقفت عملية الصيد بشكل كامل باستثناء محاولات محدودة في بعض المناطق مثل الزوايدة ودير البلح وسط القطاع ومرفأ الصيادين في مدينة غزة، وكلها بلا مقومات حقيقية للصيد، وكانت أشبه بمحاولات لتوفير الحد الأدنى من الطعام وتحمل الكثير من المغامرة والموت، وفق عاملين في القطاع.
وفرض الاحتلال الإسرائيلي منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حصاراً مشدداً على القطاع أغلق فيه المعابر ومنع حركة الصيادين، وطلب من السكان النزوح نحو مناطق الوسط والجنوب في غزة تحت ادعاء أنها مناطق آمنة. وخلال العدوان فقد مئات الصيادين الفلسطينيين منازلهم، واضطرت غالبيتهم للنزوح نحو مناطق وسط وجنوب القطاع تحت وطأة القصف الإسرائيلي، فيما كان الاحتلال الإسرائيلي يقوم بعمليات تدمير وإحراق للمرافئ والقوارب الخاصة بهم.
وبحسب تقديرات نقابة الصيادين الفلسطينيين، فإن حجم الخسائر المالية التي تعرض له قطاع الصيد في غزة تتجاوز 60 مليون دولار منذ بداية الحرب، فقد دمرت قوات الاحتلال غرفة للصيادين في ميناء غزة، و10 غرف في ميناء شمال غزة و50 غرفة في وسط قطاع غزة، و30 غرفة في ميناء خانيونس جنوب قطاع غزة و25 غرفة في ميناء رفح جنوب القطاع.
تعكس هذه التقديرات الاستهداف الممنهج الذي سعى الاحتلال إلى تكرسيه في قطاع الصيد، باعتباره من القطاعات الإنتاجية التي تسهم في تحقيق الأمن الغذائي لأكثر من 2.4 مليون نسمة يعيشون في القطاع. ويؤكد منسق لجان الصيادين في اتحاد العمل الزراعي زكريا بكر أن قطاع الصيد توقف بنسبة 100% منذ بداية العدوان الإسرائيلي على القطاع، حيث تعرض لخسائر مالية وبشرية واسعة.
يقول بكر لـ"العربي الجديد" إن أكثر من 150 صياداً فلسطينياً فقدوا حياتهم منذ بداية الحرب على غزة، واضطر المئات للنزوح من غزة والشمال نحو مناطق الوسط وجنوبي القطاع في ظل اشتداد الحرب. ويلفت إلى أن الاحتلال تعمد تدمير القوارب التي تعمل بواسطة المحركات حيث لا يوجد قارب يعمل الآن، ولقد حاول بعض الصيادين العمل بواسطة القوارب التي تُحرَّك يدوياً بواسطة المجداف وقام الاحتلال باستهدافهم.
ووفق منسق لجان الصيادين، كان عدد القوارب التي كانت تعمل بواسطة محركات قبل الحرب على غزة 1900 قارب، بالإضافة إلى 900 قارب بدون محرك وبنظام التحريك اليدوي، فيما دمرت غالبية القوارب التي تعمل بالمحركات. ويشير إلى أن عدد الصيادين الذين يعملون في هذا القطاع كان خمسة آلاف صياد فلسطيني، تحولوا اليوم جميعاً إلى عاطلين من العمل لا يستطيعون تلبية احتياجات عوائلهم في ظل تواصل الحرب الإسرائيلية. وتدمير قطاع الصيد يمس بمصادر دخل الصيادين الفلسطينيين المتضررين منذ قبل الحرب على غزة بالأساس نتيجة للاستهدافات الإسرائيلية المتكررة خلال عملهم وعمليات الاعتقال التي كانت تطاولهم.
قبل الحرب كان الاحتلال الإسرائيلي يسمح للصيادين بالصيد على مسافة معلنة تتراوح بين تسعة واثني عشر ميلاً بحرياً من ميناء غزة حتى جنوب القطاع فيما كانت المسافة المسموح لها لصيادي غزة والشمال ستة أميال في أفضل الظروف وفترات الهدوء.
ونصت اتفاقية أوسلو المبرمة بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي عام 1993 على السماح للصيادين الفلسطينيين بالصيد حتى مسافة 22 ميلاً بحرياً، وهو ما لم يلتزم به الاحتلال الإسرائيلي.
في الأثناء يقول المختص في الشأن الاقتصادي محمد أبو جياب، إن قوات الاحتلال دمرت ما يزيد عن 80% من مكونات قطاع الصيد البحري في القطاع منذ بداية الحرب المتواصلة للشهر الحادي عشر على التوالي. ويضيف أبو جياب لـ"العربي الجديد" أن الحرب حولت أكثر من أربعة آلاف صياد إلى صفوف البطالة ومعدومي الأمن الغذائي في القطاع، بينما تضرر أكثر من عشرة آلاف مستفيد غير مباشر من قطاع الصيد في غزة، نتاج توقف الأعمال على مدار شهور.
ويؤكد أن الاحتلال دمر بالفعل قطاع الصيد بشكل شبه كامل، ويمارس حصاراً خانقاً على من تبقى من الصيادين ومعداتهم وتقتلهم في البحر دون أي مبرر، وهو أمر سيكون له تداعيات تتمثل في الإفقار والقضاء على مصدر رزق، وعيش أكثر من 60 ألف نسمة في غزة هم مجمل عائلات الصيادين والعاملين في قطاع الصيد. ويرى المختص في الشأن الاقتصادي أن قطاع الصيد في القطاع سيحتاج إلى ما لا يقل عن عشرة ملايين دولار من أجل العودة للعمل فقط، بخلاف التعويضات والإصلاح والإعمار لما تم تدميره في الحرب المتواصلة.
وبحسب تقديرات الجهات الحكومية في غزة، فإن الاحتلال الإسرائيلي دمر قرابة 70% من البنية التحتية المدنية والمنازل والمدارس والمستشفيات، فضلاً عن تجريف عشرات الكيلومترات من الطرق. خلفت الغارات الجوية الإسرائيلية أكثر من 42 مليون طن من الحطام في جميع أنحاء القطاع، وفقاً للأمم المتحدة.