كشف مصدر اقتصادي مقرب من الحكومة المصرية اتجاهها فعلاً لتخفيض قيمة الدعم على السلع الاستراتيجية كالزيت المستورد من الخارج، والوقود، ومنها الخبز المدعم، الذي لمحت الحكومة إلى زيادة مرتقبة في سعره بسبب ارتفاع أسعار القمح.
وتحدّث وزير المالية المصري، محمد معيط، عن ارتفاع تكلفة دعم الخبز الذي يُكلف الحكومة 115 قرشاً ويُباع إلى 63 مليون مواطن بـ5 قروش فقط، كما أن الزيادات التي أحدثها تحرير سعر الصرف تسببت في ارتفاع تكاليف تدبير القمح.
وأمام هذه المؤشرات أصبح المصريون ينتظرون نتائج تحرير سعر الصرف، وتخفيض قيمة الجنيه مقابل الدولار، وهي ارتفاعات مرتقبة في مجموعة من السلع والمواد الغذائية والخدمات الأساسية.
رفع سعر الخبز المدعم.. القرار الصعب أمام الحكومة المصرية
من جهته، كشف مصدر مطلع بوزارة التموين المصرية إلى أن زيادة تكلفة توريد القمح من المزارعين يترتب عليها مباشرة زيادة قيمة الدعم الموجه إلى الخبز، وهو أمر ستحاول الحكومة التخفيف من حدته من خلال قرارات ستكون صعبة.
وحسب المتحدث فإن الحكومة أمامها خيارات قليلة، إما أن يتم رفع سعر رغيف الخبز، أو تقليل حصة الفرد الواحد في الشهر، مع زيادة سعر الخبز الحر الذي تبيعه مخابز الحكومة إلى المواطنين ممن ليس لديهم بطاقات تموينية، وفي النهاية فإن ذلك سيترك آثاره على زيادة أسعار الخبز السياحي الذي قد يصل إلى أربعة جنيهات.
وقال مصدر "عربي بوست" إن الحكومة تبقى مترددة بشأن رفع سعر الخبز المدعم، لأنها تلقت إشارات سلبية من المواطنين الذين حملوها مسؤولية ارتفاع فاتورة الدعم بسبب القرارات الاقتصادية التي قادت لانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار بشكل سريع وضخم خلال سنوات قليلة.
وأشار المصدر إلى أن هناك قناعة لدى الفقراء بأنهم تحملوا كثيراً من الصعوبات الاقتصادية التي ترتب عليها ارتفاع أسعار كافة أسعار السلع والخدمات، ويبقى الخبز هو السلعة الوحيدة التي تساعد على سد جوعهم، وهو ما يجعل الاقتراب من تحريك الأسعار محل نقاشات أكبر من وزارة التموين ومن الحكومة، ويظل قراراً رئاسياً يصعب التوقع بإمكانية الإقدام عليه من عدمه.
يذكر أن الحكومة المصرية قررت زيادة سعر توريد أردب القمح (150 كيلوغراماً)، ليكون 2000 جنيه، وذلك قبل بدء موسم توريد القمح في مصر مع بداية أبريل/نيسان المقبل، ويمتد إلى منتصف أغسطس/آب التالي.
تضمّنت وثيقة التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري بين عامي 2024 و2030، والمرتبطة بدعم التموين ونظم التجارة الداخلية رفع دعم السلع التموينية من 90 ملياراً إلى 127,7 مليار في الموازنة الحالية للمستفيدين من الدعم النقدي لسلع البطاقات التموينية.
وذكرت الوثيقة نفسها أنه تم تقدير الدعم وفقاً للافتراض بأن كمية القمح المطلوب توفيرها هي 8.3 مليون طن لتوفير 93,5 مليار رغيف مدعم، بالإضافة إلى 554 ألف طن لتوفير دقيق المستودعات، حيث تبلغ قيمة المخصص لدعم الخبز 92 مليار جنيه بدلاً من 57 ملياراً بسبب زيادة أسعار القمح إلى 1500 جنيه للأردب.
تعويض التموين بدعم مباشر
كشف مصدر "عربي بوست" أن النقاشات حول زيادة سعر رغيف الخبز لم تتوقف منذ الصيف الماضي، حينما أقدمت الحكومة على جس نبض المواطنين بإمكانية رفع أسعاره إلى 25 قرشاً.
وأضاف المتحدث أن الحكومة أجلت الخطوة بسبب الانتخابات الرئاسية، وردود الأفعال غير الإيجابية التي تلقتها، مشيراً إلى أنها ترى سعر الخبز المدعم غير منطقي، لأن فئة 5 قروش أصلاً لم تعد متوفرة، كما أنه يقدم كغذاء للطيور في كثير من المناطق الشعبية والنجوع.
وأوضح المصدر ذاته أن صندوق النقد الدولي لم يشترط زيادة أسعار الخبز، لكن لديه تعليقات عديدة على قيمة الدعم الحكومي الموجه إلى السلع التموينية، وبينها الخبز، وكذلك دعم الوقود والكهرباء.
وأشار المتحدث إلى أن الاتفاق على زيادة قيمة القرض شهد الوصول إلى تفاهمات ستذهب الحكومة بمقتضاها لمزيد من تحرير دعم الخدمات التي تقدمها، في محاولة للتعامل مع تشوهات الاقتصاد المصري، وبما يضمن تنفيذ برنامج الصندوق.
وشدد المصدر على أن الحكومة وبتوافق مع صندوق النقد ستتوسع في برامج الحماية الاجتماعية من خلال الدعم النقدي المباشر، بدلاً من الدعم العيني للسلع التموينية والخبز، ومن المتوقع توسيع دائرة مبادرة تكافل وكرامة، إلى جانب زيادة القيمة المالية بما يحافظ على قدر من الاستقرار المطلوب لدى الفقراء.
ويشير إلى أن الدعم الذي تقدمه الحكومة من خلال البطاقات التموينية التي تقدم السلع الرئيسية مثل الزيت والسكر والأرز تراجع بشكل تلقائي مع تخفيض قيمة الجنيه، وأن المواطنين سوف يشعرون بقيمة هذا التراجع حينما تتم إتاحة تلك السلع بالأسعار الجديدة وفقاً لقيمة استيرادها.
وأكد مصدر "عربي بوست" أن الحكومة تتحدث عن زيادة الدعم المخصص للسلع التموينية، إلا أن أصحاب البطاقات لم يستفيدوا منها بسبب ارتفاع معدلات التضخم التي تتجاوز 40%.
وحصة المواطن من بطاقة التموين هي 50 جنيهاً، كانت تكفي لشراء نصف لتر من الزيت، أو كيلو من السكر، ومع اتخاذ قرار التعويم قد لا تكفي لشراء كيلو سكر واحد، وهو ما يجعل الدعم يتلاشى تقريباً دون أن تتحدث الحكومة عن أي قرارات من المتوقع اتخاذها لزيادة قيمة الحصة التموينية للفرد الواحد.
وانخفض سعر الجنيه المصري مقابل الدولار في البنوك متخطياً حاجز 47 جنيهاً لأول مرة في تاريخه، وذلك بعد أن قرر البنك المركزي المصري رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية بواقع 600 نقطة أساس، ليصل إلى 27.25% و28.25% و27.75% على الترتيب.
هل سيرفع الدعم عن الخبز السياحي؟
كشف المصدر لـ"عربي بوست" أن النقاشات تدور حالياً حول إمكانية تحرير سعر الخبز المقدم إلى الهيئات الحكومية الرسمية، بما فيها المدن الجامعية وغيرها من الجهات الإدارية والأمنية.
وحسب المصدر، فإن هذه الهيئات الحكومية تحصل على الخبز بسعر بطاقة التموين (5 قروش للرغيف)، وهذا التحرير سيساعد في خفض فاتورة دعمه، على أن يكون هناك فصل تام بين دعم المواطن بطريقة مباشرة وبين الدعم المقدم للهيئات الحكومية والطلاب والجنود.
ورفعت الحكومة المصرية دعم السلع التموينية في موازنة 2023/ 2024 إلى 451.7 مليار جنيه مقارنة بـ331.2 مليار جنيه في الموازنة الماضية، بزيادة بلغت نسبتها نحو 36%، وقد حظيت 5 هيئات اقتصادية بالزيادة الحاصلة في الدعم بالموازنة الجديدة.
ويعتبر أحد أعضاء شعبة المخابز في القاهرة، الذي تحدث لـ"عربي بوست"، أن حديث الحكومة المصرية عن زيادة دعم السلع التموينية لم يقرب من 50 مليون مواطن يستهلكون الخبز السياحي.
وقال المتحدث إن القطاع الخاص الذي دخل في منافسة مع الحكومة العام الماضي للحصول على توريد القمح المحلي من المزارعين وبعد رفع سعر الأردب من 1800 إلى 2000 جنيه في بعض الأحيان بحاجة لتعويض.
وأضاف المتحدث أن نسبة الارتفاع هي 100% مقارنة بسعر أردب القمح في عام 2022، ولم يتجاوز سعره 1000 جنيه، وهو ما يجعل هناك مطالب مستمرة بضرورة دعم تكلفة رغيف الخبز الذي تستهلكه قطاعات كبيرة من المصريين، ووصل سعره إلى 3 جنيهات وأكثر.
وأوضح المتحدث أن القطاع الخاص وأصحاب المخابز يواجهون أزمة كبيرة في الوقت الحالي، لأنهم مع رفع أسعار الخبز، إلا أن ذلك لن ينهي خسائرهم، نتيجة الارتفاعات المستمرة في أسعار الدقيق المستخدم في إعداد الخبز.
كما أنهم سيواجهون معضلة توفير الأموال اللازمة لشراء مستلزماتهم الإنتاجية مع بدء موسم حصاد القمح، في حال لم تدعم الحكومة رغيف الخبز السياحي، وليس من المستبعد أن يصل سعره إلى 6 جنيهات.
ويرى المصدر نفسه أن الشركات الخاصة التي تقوم بتوريد الدقيق إلى المخابز السياحية ومخابز الفينو أمام وضعية مشوشة وغير واضحة المعالم، لأن عملية استيراد القمح من الخارج بأسعار مخفضة، واستغلال انخفاض الأسعار العالمية في الوقت الحالي غير مضمون.
وأشار إلى أن الحكومة لم تعلن عن توفيرها الدولار اللازم لاستيراد القمح من جانب القطاع الخاص حتى الآن، كما أن الأزمات المستمرة في البحر الأحمر قد تجعل هناك صعوبات في عمليات الاستيراد، ما يُعني الاعتماد بشكل أكبر على القمح المحلي الذي ارتفع سعره، وقد يشهد ارتفاعات أخرى خلال الأشهر المقبلة.
رفع الدعم عن المواد البترولية
يعد الوقود من ضمن المواد الأساسية التي تناقش الحكومة المصرية رفع الدعم عنها، بعد تعديل وزارة المالية متوسط سعر البرميل من 80 دولاراً لـ85 دولاراً في موازنة 2023-2024.
وقالت وزارة المالية في التقرير نصف السنوي للأداء المالي عن العام المالي الحالي، إن ارتفاع أسعار النفط العالمية عن السعر المتوقع في الموازنة بقيمة دولار واحد للبرميل، سيسهم في تدهور صافي العلاقة بين الخزانة العامة للدولة مع هيئة البترول بقيمة تتراوح ما بين 3 و4 مليارات جنيه.
وأوضح خبير اقتصادي قريب من الحكومة لـ"عربي بوست"، أن هناك نقاشات مستمرة حول رفع أسعار الوقود؛ نظراً لارتفاع تكلفة توفيره من الخارج بعد انخفاض سعر الجنيه، مشيراً إلى أن لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية التي لم تنعقد في بداية العام الجاري، لتزامن ذلك مع انتخابات الرئاسة، من المقرر أن تنعقد خلال الأيام القادمة أو الأسبوع الأول من أبريل/نيسان على أقصى تقدير، لتعلن عن الزيادات المقررة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
ولفت إلى أن الزيادات المتوقعة قد تكون 10%، أي جنيه لكل لتر، ولكنه يرجح أنها ستصل إلى أكثر من 20% بسبب تخفيض قيمة الجنيه، وقد تطال السولار أيضاً هذه المرة، وأن ارتفاع النسبة يرجع لأن اللجنة لم تحدد أسعارها خلال الربع الأول، كما أن اتفاقها مع صندوق النقد تضمن التحرك بخطوات أكثر سرعة لرفع دعم المواد البترولية.
يشار إلى أن آخر زيادة بدأ العمل بها في 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتراوحت بين 1 و1.25 جنيه للبنزين، وكانت الزيادة الكبيرة من نصيب بنزين أوكتان 80 و92، وهما الأكثر استعمالاً في مصر، لتكون الزيادة الثانية خلال العام الماضي.