Akhbar Alsabah اخبار الصباح

علامات الإزالة تهاجم التراث الإسلامي في القاهرة

مقابر في منطقة السيدة عائشة وسط القاهرة حالة من الغضب تسيطر على المصريين مع بدء معدات الهدم بإزالة مقابر استقرت في منطقة السيدة عائشة وسط القاهرة، منذ 1400 عاما، إذ انتقدوا ما اعتبروه «عدم احترام التاريخ» إثر مشاهد لمقابر هدمت، وأخرى لشواهد كتبت بالخط الكوفي تدخل ضمن الآثار غير المسجلة عثر عليها باحثون في مواقع الهدم، فضلا عن علامة «إزالة» وضعتها الأجهزة التنفيذية على مقابر شخصيات أثرت في تاريخ البلاد.

الراوي ورش

هذه العلامات طالت مقابر عدة لشخصيات هامة في التاريخ، منها ضريح الراوي ورش في مقابر الإمام الشافعي، صاحب الرواية المشهورة في قراءة القرآن (ورش عن نافع) تمهيدا لإزالة المقبرة وإقامة طريق جديد ضمن المشاريع القومية التي تنفذها الدولة في منطقة الإمام الشافعي، حسب باحثين في التراث.
هيثم أبو زيد، الباحث في التراث المصري قال لـ «القدس العربي» إن «المؤسسات الأكاديمية في العالم الإسلامي تجمع على قبول النص القرآني عبر قراءات الأئمة العشرة ورواتهم، لكن من الناحية العملية، يقتصر الانتشار الشعبي المتفاوت للقراءات على أربع روايات فقط، على رأسها حفص عن عاصم، ثم ورش وقالون عن نافع، ثم الدوري عن أبي عمرو، وإذن، فرواية ورش هي إحدى الروايات الأربع الباقية جماهيريا إلى اليوم».

وأضاف: «أغلب الدول الإسلامية تقرأ القرآن وفقا لرواية حفص عن عاصم، بينما تنتشر رواية قالون في ليبيا وتونس، وبقدر أقل في الجزائر، أما أهل المغرب فيقرأون برواية ورش عن نافع، ومعهم كثيرون من أهل الجزائر وموريتانيا، وتكاد رواية الدوري عن أبي عمرو لا تخرج عن مناطق محددة في السودان».

وزاد: «ظلت رواية ورش هي السائدة في مصر إلى القرن الخامس الهجري، ثم انحسرت تدريجيا لحساب رواية الدوري عن أبي عمر، ومع دخول العثمانيين بدأت رواية حفص عن عاصم في الانتشار، ومنذ سنوات اعتبرت المملكة المغربية أن رواية ورش تمثل جزءا من التراث الثقافي للشعب المغربي، فأصدرت وزارة الثقافة المغربية قرارا بمنع دخول المصاحف برواية حفص حفاظاً على رواية ورش التي تكاد تنقرض في الجزائر، بسبب ممارسات بعض السلفيين».
وتابع: «من المهم أن نشير إلى أن الحكومة المصرية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر سجلت الروايات الأربع المنتشرة (حفص ـ ورش ـ قالون ـ الدوري عن أبي عمر) بصوت الشيخ محمود خليل الحصري».
والإمام ورش، شيخ قراء القرآن المحققين، وأحد أعلام التلاوة، وهو أبو سعيد عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمرو بن سليمان، ولقّبه شيخه الإمام نافع المدني بلقب «ورش» نظراً لأنه كان ناصع البياض، والورش طائر معروف.
ولد الإمام ورش في صعيد مصر عام 110 هجرية، ورحل إلى المدينة المنورة كي يتتلمذ على يدي شيخه الإمام نافع بن عبد الرحمن أبي نعيم المدني، تلميذ الإمام مالك بن أنس. توفي الإمام ورش، شيخ المقارئ المصرية، في مصر سنة 197 هجرياً، عن عمر ناهز 87 عاماً، ودفن في مدفنه في قرافة الإمام الشافعي.

مقبرة البارودي

علامة إزالة أخرى وضعتها الجهات التنفيذية داخل مقبرة الشاعر محمود سامي البارودي. والأخير ولد في 6 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1839 في حي باب الخلق في القاهرة لأبوين من أصل شركسي، ولقب بفارس السيف والقلم.
وكان أحد أبطال ثورة عرابي ضد الخديوي توفيق، وقد أسندت إليه رئاسة الوزارة في 4 فبراير/ شباط 1982. وقررت السلطات نفيه مع زعماء الثورة العرابية في 3 ديسمبر/ كانون الأول 1982 إلى جزيرة سريلانكا، وظل هناك لأكثر من سبعة عشر عاماً، وتوفي في مصر في 12 ديسمبر/ كانون الأول 1904.

مقبرة المراغي

كذلك مقبرة شيخ الأزهر الأسبق محمد مصطفى المراغي، طالتها خطة الإزالة، حسب تصريحات لحفيدته شيرين تحسين، إذ قالت في تصريحات متلفزة، إن الأسرة تلقت قراراً من محافظة القاهرة بنزع ملكية مقبرة جدها، ونقلها إلى منطقة العاشر من رمضان لاستخدامها في المنفعة العامة.
وأضافت: «لا نعترض على تحقيق المنفعة العامة، لكن جدي الراحل يعتبر أحد رموز الأزهر الشريف، وتولى مشيخة الأزهر، كما أن له إسهامات عديدة في تطوير المؤسسة الدينية».

وتولى المراغي مشيخة الأزهر الشريف، مرتين، الأولى في الفترة من عام 1928 حتى استقالته عام 1930، والثانية من 1935 إلى وفاته في 1945.
عشرات المنشورات عج بها موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» يشكو أصحابها من هدم مقابر عائلاتهم التي تعود لمئات السنوات.
وكتب عز الدين العربي: «هدم مقابر سيدي جلال في السيدة عائشة، وفيها رفات جدي المرحوم الحاج إبراهيم سيد أحمد حيث دفن فيها ودفنت بعده جدتي وأشقاء والدتي وأبناؤهم وزوجاتهم، ولا أعرف مصير الرفات ولا كيفية التعامل معها للأسف وليس لدى أي إثبات لملكيتها فأقف حزينا مكتوف الأيدي».

واستغاثت رانيا عز العرب بالمسؤولين لوقف هدم مقبرة عائلتها، التي تعود لجدها محمد عز العرب أحد قادة ثورة 1919.
وكتبت على صفحتها على «فيسبوك»: «أوقفوا هدم مدافن الإمام الشافعي والسيدة نفيسة،
أوقفوا الهدم والظلم وضجيج رافعاتكم التي لا تهدأ، هذه الرافعات التي رأيتها أمس بعيني رأسي خافضة رافعة وكأن القيامة قد قامت في مدافن الإمام في المنطقة المتاخمة للأوتوستراد».

وتابعت: «أوقفوا الهدم لأن للموت حرمة، ولأن الأسباب الشرعية التي من أجلها تنبش قبور الموتى غير متوفرة ولأن المنفعة العامة ليست من ضمن الأسباب الشرعية التي تبيح انتهاك حرمة الموت، ولكل مشكلة – مرورية كانت أو غيرها – مئة حل، فلماذا اختيار حل هدم المدافن وانتهاك حرمة موتانا وقتل أهلهم وذويهم أحياء بخنجر الانتظار المسموم كل يوم وكل ساعة».
وزادت: «أوقفوا الهدم لأن أحداً لم يخطرنا رسمياً أبداً، بل ساد التعتيم والتكتم وكأن أصحاب هذه الفكرة الشيطانية ومنفذيها تعمدوا أن يتركونا فريسة للقلق والهواجس فحكموا علينا أن نعيش الخوف والفزع والإحساس بالقهر والظلم وفقد أحبائنا مرتين وحمل هم دفنهم مرتين».
وواصلت: «أوقفوا هذه المهزلة فجدي محمد عز العرب، صديق سعد زغلول وفقيد الوطنية – بشهادة صحف أوائل القرن العشرين – ونقيب المحامين الشرعيين في طليعة القرن نفسه وسكرتير عام حزب الوفد وأحد قادة ثورة 1919، فقيد الوطنية الذي طالما دافع عن حقوقنا جميعًا – نحن المصريين – كمناضل وكمحامِ شرعي لا يجد الآن من يدافع عن حقه ليس في الحياة الكريمة كما كان ينادي، وإنما في أن يرقد في سلام هو وكل موتانا في منطقتي الإمام الشافعي والسيدة نفيسة».

مبادرة شواهد مصر

عمليات الإزالة دفعت باحثين مصريين في التاريخ الإسلامي، إلى تدشين مبادرة تحت اسم «شواهد مصر» لإنقاذ الآثار غير المسجلة في حيز منطقة تنفيذ مشروع توسعة طريق صلاح سالم.
ويحكي الطبيب مصطفى صادق، أحد أعضاء المجموعة على صفحته على «فيسبوك»: «دخلنا أحد الأحواش في منطقة مقابر الإمام الشافعي الشهيرة، وكان المكان مليئا بالركام وقطع الحجارة المتناثرة هنا وهناك نظرا لأعمال الإزالة التي تشهدها المنطقة، ولفتت انتباهنا قطعة مختلفة موجودة داخل جزء من جدار قديم ملقى جانبا».
وأضاف: «القطعة التي عثرنا عليها هي شاهدة مقبرة لسيدة توفيت عام 229 أو 221 هجريا، أي منذ 1179 عاما على الأقل، ومكتوب عليها بالخط الكوفي غير المنقوط، اسم صاحبة المقبرة، أمامة ابنة محمد ابن يحيى ابن خلد ابن يحيى، توفيت يوم الجمعة لعشر ليال خلون من ذي الحجة سنة تسع وعشرين ومائتين».

خطة تطوير القاهرة

على مدار الأشهر الماضية، تواصلت أزمة هدم المقابر في إطار خطة تطوير القاهرة، وطالت عمليات الهدم مقابر رموز تاريخية وثقافية، منهم يوسف صديق أحد اعضاء ثورة 1952، والشيخ محمد رفعت الذي عرف بقيثارة السماء، والشاعر حافظ إبراهيم الذي عرف بـ«شاعر النيل» والأديب يحيى حقي، كما تراجعت السلطات عن هدم مقبرة عميد الأدب العربي طه حسين، بعد تهديد أسرته بنقل رفاته الى خارج البلاد.
ومخطط تطوير القاهرة 2050 أطلقه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، حين كان رئيساً لهيئة تطوير المجتمعات العمرانية عام 2009.
بدأت أزمة هدم المقابر التاريخية في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وتم كشف مذكرة بشأن المدافن التي وقعت في نطاق الإزالة في مشروع تطوير محور صلاح سالم من محور جيهان السادات حتى حديقة الفسطاط بامتداد 6 كيلومترات، تتخللها جبانات المجاورين وباب الوزير وسيدي جلال والسيدة نفيسة والطحاوية والإمام الشافعي وسيدي عمر.

وفي عام 2020 أثير جدل بشأن عدد من المقابر في منطقة منشية ناصر في قلب القاهرة التاريخية، يُزعم أنها «جبانة المماليك» وتعود لنحو 5 قرون من أجل إنشاء جسر. وتعد مقابر المماليك أقدم جبانة إسلامية في مصر، وتحتل موقعا متميزا وسط العاصمة، وكانت تسمى قديما «صحراء العباسية» إذ وقع اختيار المماليك عليها لتكون مضمارا لسباقات الخيل، وفي النصف الأول من القرن الثامن الهجري بدأ ملوك مصر وأمراؤها بإنشاء المساجد والخوانق بهذه المنطقة والحقوا بها مدافن لهم.
ورغم تأكيد السلطات اهتمامها بالقاهرة التاريخية، يتهمها مهتمون بالتراث بإزالة عشرات المدافن، من بينها مقابر شخصيات تاريخية في منطقة «قرافة المماليك». وهي مقابر سجلت ضمن قائمة التراث العالمي لليونيسكو وتعود للقرن السابع الميلادي، وتضم مدافن سلاطين وأمراء من المماليك وشخصيات تاريخية والكثير من العامة.
ونفت الحكومة مرارا أن يكون أي من المدافن التي يجري هدمها مسجلة في عداد المباني الأثرية، مؤكدة حرصها على الحفاظ على المناطق الأثرية. لكن في السنوات الأخيرة، كررت اليونيسكو شكواها من الإهمال الذي تتعرض له المنطقة، وهددت بشطبها من قائمة التراث العالمي.
إسلامنا | المصدر: القدس العربي | تاريخ النشر : الخميس 25 مايو 2023
أحدث الأخبار (إسلامنا)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com