Akhbar Alsabah اخبار الصباح

لماذا يستحضر البعض الذنوب وعقاب الله عند الزلازل والكوارث الطبيعية؟

عقاب الله عند الزلازل زلزال تركيا وسوريا كان مباغتاً وقوياً وفظيعاً، وتسبّب بدمار هائل، وهدم للمنازل على أصحابها، وما زال بعض الأحياء تحت الأنقاض، والكارثة كبيرة جداً، والناس هلعون وهائمون بالشوارع، وغير مستوعبين للواقع، وهم في كرب شديد (من الموت والفقد والخوف والبرد والتشرد…).

كل هذا، ويأتي من يتفلسف، ويتألى على الله، ويقول "هو غضب وعقوبة" ليستاءل البعض: هل الزلزال عقاب من الله؟

فأين ذهب رفع الدرجات والمثوبة؟!

وإن هذه معانٍ خطيرة، ولا يصح نشرها، والناس في محنة، يحتاجون للرحمة، وللأمل، وللدعم وللكلمة الحلوة، وللتصبير والنصرة.

والمصيبة أنهم يتناقلون هذه الفكرة، التي صيغت في مقالات ومنشورات، مذيَّلة بضرورة الرجوع إلى الله والاستغفار والتوبة.

ولا شك أن الاستغفار محبَّذ ومحمود في كل وقت، وأجره كبير، وهو يدفع البلاء، ولكن لهؤلاء الذين يتألون نقول: "الآن وقت اللهفة والنخوة والمروءة والأخوة، وليس وقت التحليل واللوم والمواعظ والتعالم".
وعلينا جميعاً تجنب هذه الإساءات الثلاثة:

١ – التفكّه بمعاناة الناس، وجعلها مادة للاتهام والنصح.

٢- نشر ما يحبط ويخوِّف.

٣ – استغلال المُصاب الجلل للتشفي، وتصفية الحسابات الخاصة مع الأعداء والخصوم، بذريعة أن الله عاقبهم لأنهم أساؤوا! فيلبسها لبوساً دينياً، وهي مسألة شخصية، أو خلافات فكرية.

هل الزلزال عقاب من الله حقاً؟

وسأفصل بموضوع "العقوبة والغضب" قليلاً، لأنه بات يتكرر كثيراً، وكلما وقع بلاء، قالوا هو جزاء، فقالوها أيام الربيع العربي، وقالوها "أيام كورونا" حتى تجرأ وقتها أحدهم، وعمم وقال إن "الله قد طردنا من رحمته بهذا المرض" حين منعونا من الصلاة بالمساجد! وانساق الناس خلفه، وجعلوها بكائية ولطمية، وجعلوا كثيرين يكتئبون وييأسون!؟

هل الزلزال عقاب من الله

وهناك من تراسلني على الخاص إذا وقع بها بلاء (وخاصة من النساء)، فتكون خائفة أن يكون مصابها لغضب من الله، وتسألني كيف تعرف، وكيف تفرّق بين رفع الدرجات وبين العقاب؟

وهذا الرد والجواب:

المصائب والابتلاءات لها 3 أسباب مباشرة، حسبما جاء بالقرآن والسنّة (طبعاً إلى جانب حكمة الله تعالى التي لا نعلمها):

السبب الأول- الذنوب والمعاصي

فبالفعل قد يكون البلاء بسبب الذنوب والمعاصي، على أنها ليست أي ذنب، وليست أي معصية، فالله خلقنا بشراً، نخطئ ونصيب، والإنسان قد يغلبه الهوى والشهوة… وإنما العقاب لمن:

– يعمل "الكبائر".

– ولمن يُصرّ عليها.

– ولمن يجاهر بها ولا يستتر (فهي 3 شروط ضمنية).

وهنا قد يعاقب الله الفرد الذي يقوم بالإثم، وأقول "قد"، وأركّز على "الفرد"، لأن الله يعفو عن كثير: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (الشورى/30).

ولأن الله يمهل، وقد يؤجل العقوبة، فلعل المسلم يرجع ويستغفر ويتوب.

ولأن الله سبحانه يعاقب المخطئ، ولا يعمِّم العذاب، وقد يكون تعجيل العقوبة حباً بالعبد، فقد روى الترمذي عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

2- على أنه إذا عمَّت البلوى، وانتشرت بين الناس، فقد يعاقب الله بعضهم، ليرجع بعضهم الآخر.

وأما عموم العذاب بالاستئصال، فهذا كان للأقوام السابقة الذين ذكرت قصصهم بالقرآن، وكان لكفرهم وتكذيبهم بالرسالات والنبوات.

السبب الثاني- أنها جزء من طبيعة الدنيا

1- فالزلازل والبراكين والأمطار والأعاصير، والخسوف والكسوف وغيرها: كلها ظواهر طبيعية، ولها تفسيرات علمية، وقد تكون في المدن فتؤذي الناس، وقد تكون في الصحارى والبحار وبأمكنة لا يقطنها أحد فلا تضرهم.

2- والبلاء والمصائب والمصاعب: أيضاً جزء من طبيعة الحياة الدنيا، ولم يخف الله ذلك عنا، فقد قال في كتابه الكريم: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ".

ولذلك قد تكون هذه الظواهر الطبيعية -أحياناً- جزءاً من البلاء:

– فتكون للتخويف: "وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا"؛ والهدف من التخويف أن يقبل الناس على الله، ويتضرعوا إليه: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ".

– إظهار قدرة الله وعظمته وجبروته لكيلا يستكبر المرء ولا يستعلي: {قلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ ٱنظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلْءَايَٰتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} (الأنعام:65).

– للتذكير بيوم القيامة وأهواله: فالزلزلة الصغرى تذكِّر بالزلزلة الكبرى، ونسأل الله الرحمة.

وصحيح أن الله سبحانه قد أخبرنا أن الإيمان والتقوى يجلبان البركة من السماء والأرض، وأن التكذيب والكفر يجلبان العذاب والهلاك، وأن المتقين يعيشون حياة طيبة والكافرون في ضنك، ولكن ورغم ذلك لا بد من البلاء.

وإن في البلاء خير؛ لأنه يخرج الخير من النفوس، ولقد رأينا من التناصر والتباذل والعطاء والإغاثة بين المسلمين… ما تدمع له العيون تأثراً، وتفرح به القلوب رحمة وإنسانية، وتتفاءل به العقول نصرة وأملاً.

فالمصائب تنسي المشاحنات والأحقاد، وتكظم الغيظ، وتستخرج الطيبة والتضحية والإيثار: "وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ".

السبب الثالث – رفع درجات:

فيكون الابتلاء لرفع مقام المؤمنين الصابرين المحتسبين: "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين"؛ فلا يظنن المؤمنون أنه إذا نزل البلاء بهم، وعوفي الكفرة منه، أنه الله يحابي الظالمين؛ بل هو حب للمؤمنين واصطفاء لهم، ورفع درجات: "وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ".
هل الزلزال عقاب من الله

وقد جاء بالحديث الصحيح الذي رواه أبو داوود عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِه"، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ" . وروى البخاري: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً". وروى سعد بن أبي وقاص: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ البَلاَءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ .

ولأن الإنسان قد يعمل العمل ويراه هيناً وهو عند الله عظيم (مثل: النميمة، وسوء الظن…)، فيكون من الصعب أحياناً التفريق بين البلاء ورفع الدرجات، ولذلك ولمن بقي في نفسه شيئاً، ولمن بقيت خائفة أن يكون ما أصابها ممن البلاء عقاب، فإن هناك قرائن تريح وتطمئن:

1- فالإيمان واجتناب الكبائر، علامة أنه لرفع درجة.

2- وأما اللمم والصغائر، مع اجتناب الجهر والمكابرة، فهذه بإذن الله ورحمته، لا تستوجب العقوبة الكبيرة.

3- ولماذا يكون العقاب لبعض المسلمين دون بعضهم الآخر؟!

4- ولماذا يكون للمؤمنين الملتزمين، ولا يكون لمن يجترحون السيئات، ويعملون الموبقات من المسلمين؟!

5- ولو غُم عليكَِ، ولم يُعرف السبب؛ فالبلاء -في كل حال- أجر وثواب، وعداد لجمع الحسنات. وهذه أهم فكرة.

وإن في البلاء خير، وهو يقوي ويُعلِّم الحكمة والصبر، وكل ما يصيبنا في كتاب من قبل أن نبرأها، وما أصاب المؤمن لم يكن ليخطئه.
وبكل حال الْنفس ُالمؤْمِنُة إذَا فَعَلَت سَيِّئَةً فَإِنَّ عُقُوبَتَهَا تَنْدَفِعُ بِثلاثةِ أَسْبَابٍ:

1- التوبة والتَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ.

2- والاستغفار فَيُغْفَرُ الله لَكَِ.

3- العمل الصالح وإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ.

ونسأل الله تعالى أن يرحمنا ويغفر لنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، ويأجرنا في مصائبنا، إنه سميع مجيب الدعوات.
إسلامنا | المصدر: عربي بوست - عابدة المؤيد العظم | تاريخ النشر : الأربعاء 08 فبراير 2023
أحدث الأخبار (إسلامنا)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com