Akhbar Alsabah اخبار الصباح

مخاوف في تونس من التقشف وخفض الأجور

التقشف وخفض الأجور يلقي المشهد السياسي المتأزم في تونس بظلال سلبية قاتمة على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، لتقترب البلاد من دخول العام الجديد 2022 من دون موازنة مالية، ما يزيد من حدة الارتباك الاقتصادي والمالي، فيما تتصاعد مخاوف المواطنين من إجراءات تقشفية جديدة تطاول خفض الأجور وتؤثر على مستويات الخدمات بينما تتصاعد موجات الغلاء والفقر.

ويفترض، وفق الآجال القانونية التي يحددها الدستور، أن تحيل الحكومة إلى البرلمان، يوم 15 أكتوبر/ تشرين الأول، مشروع قانون الموازنة، غير أنّ تجميد أعمال البرلمان منذ 25 يوليو/ تموز الماضي، بمقتضى التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد، أربك المشهد، ما يضع البلاد أمام سيناريو دخول العام الجديد من دون موازنة لأول مرة في تاريخها.

ووفق دستور عام 2014، يجب أن يُصادق مجلس النواب على مشروع قانون الموازنة قبل العاشر من ديسمبر/ كانون الأول من كلّ سنة.

ويمثل الكشف عن ملامح الموازنة عنصر طمأنة مهم لمجتمع الأعمال والمواطنين على حد سواء، إذ يترقب الجميع السياسات المالية الحكومية للعام الجديد، خصوصاً ما يتعلق بالمخصصات الاجتماعية والدعم والأجور، وكذلك الجباية (الضرائب) والبنود المتعلقة بالاستثمار.

وفي ظل غياب خريطة الطريق الاقتصادية لحكومة نجلاء بودن وعدم الكشف عن بنود قانون الموازنة القادم، يخشى التونسيون أن تكون جيوبهم مصدراً لتمويل الموازنة بفرض ضرائب جديدة على الدخول أو إقرار مساهمات ظرفية لتعبئة الموارد المالية الحكومية.

ويتوقع خبراء اقتصاد أن يتضمن قانون موازنة العام الجديد تدابير تقشفية تحد من الدعم الحكومي للمواد الأساسية والفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة، وذلك ضمن خطة إصلاحات تتفاوض عليها الحكومة مع صندوق النقد الدولي من أجل حصول الدولة على قرض من الصندوق.

ويقول الخبير الاقتصادي خالد النوري لـ"العربي الجديد" إنّ قانون المالية التعديلي للعام الحالي، والذي نشرته وزارة المالية مؤخرا، كشف عن مؤشرات خطيرة بيّنت ارتفاع نفقات الدولة مع ارتفاع عجز الموازنة ليبلغ 9.7 مليارات دينار (3.39 مليارات دولار )، مقابل عجز متوقع بـ7 مليارات دينار في المشروع الرئيسي الذي أقره مجلس النواب المجمدة أعماله في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

ويضيف النوري أنّ البيانات نفسها أظهرت زيادة مبلغ اعتمادات التعهد لنفقات الميزانية من 43.9 مليار دينار إلى 48.4 ملياراً، فيما زادت موارد الاقتراض الداخلي من 5.5 مليارات دينار إلى 8.1 مليارات دينار.

ويرجح أن يكون الغموض وراء عدم الإعلان عن الموازنة للعام المقبل يرجع إلى استحالة التوصل إلى تعبئة الموارد المالية الخارجية في شكل قروض خارجية من المؤسسات المالية الدولية، أو دول وعدت بمواصلة دعم البلاد بعد 25 يوليو/تموز الماضي.

ولم تتحقق الوعود بتقديم دعم مالي لتونس من دول خليجية، خصوصاً الإمارات والسعودية، بعد مضي نحو 5 أشهر على إعلان الرئيس التونسي التدابير الاستثنائية، فيما أعلنت الجزائر عن دعم مالي بقيمة 300 مليون دولار، غير أنّ هذه القيمة لا تعدو أن تكون مسكّناً مؤقتاً يلبي استحقاقات عاجلة لموازنة تحتاج إلى تمويلات لا تقل عن ملياري دولار لإغلاق السنة الحالية، وفق الخبير الاقتصادي التونسي.

حكومة بودن تبحث عن تمويلات خارجية

بدوره، يفسر المحلل المالي محمد منصف الشريف تأخر الإفصاح عن مشروع الموازنة الجديدة بمواصلة الحكومة البحث عن الموارد المالية لتمويل النفقات الأساسية، لا سيما مخصصات الرواتب خلال الأشهر الأولى من السنة المقبلة.

ويقول الشريف لـ"العربي الجديد" إنّ الحكومة قد تضطر إلى إصدار مشروع موازنة مؤقتة لثلاثة أشهر في انتظار إتمام الاتفاق المتوقع مع صندوق النقد الدولي في الربع الأول من السنة القادمة.

ويرجح ألّا تقل احتياجات التمويل للعام المقبل عن 8 مليارات دولار، تتعين على الحكومة تعبئتها من القروض الخارجية، وبدرجة أقل من البنوك المحلية التي استنفدت العام الحالي كلّ قدرتها على مواصلة دعم الموازنة.

وفي ما يتعلّق بزيادة الضغط الضريبي على الشركات والأفراد، يتوقع المحلل المالي أن تشمل الزيادة في الضرائب، فقط، المؤسسات الكبرى التي حققت أرباحاً رغم جائحة كورونا، إلى جانب زيادة ضرائب المواد التي توفر تمويلات مباشرة لخزينة الدولة، ومنها التبغ والمشروبات الكحولية.

ويضيف أنّ اعتماد موازنة تقشفية أمر ثابت في غياب مصادر تمويل للموازنة الجديدة، مرجحاً أن يشمل التقشف الاستثمارات الحكومية في انتظار استكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، التي ستكون محددة في سياسة الحكومة الاجتماعية مستقبلاً.

ويرى أنّ "الحكومة لن تقرر أي إجراء بشأن الدعم والأجور ما لم تتفق مع صندوق النقد الدولي"، معتبراً أنّ "كلّ ما يتم الإعلان عنه حول خفض رواتب الموظفين وإلغاء الدعم وتجميد زيادات الأجور خمس سنوات هو مجرد مشاريع، يحتاج تنفيذها إلى وحدة صف وطنية لا تتوفر في تونس في الوقت الراهن".

وفي وقت سابق من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أعلن الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي أنّ الحكومة اقترحت على المركزية النقابية خفض أجور التونسيين بنسبة 10% وتجميد زيادة الرواتب مدة خمس سنوات.

ارتفاع معدلات الفقر وتراجع الطبقة المتوسطة

وتبدو مهمة حكومة نجلاء بودن في المفاوضات مع المؤسسات الأوروبية والدولية المانحة صعبة للغاية، بسبب تشديد تلك المؤسسات على ضرورة احترام تونس المسار الدستوري والديمقراطي من جانب، والضغوط الاجتماعية التي يمكن أن تواجهها الاصلاحات الاقتصادية من جانب آخر.

ووفق تقرير صادر عن البنك الدولي منتصف العام الجاري، ارتفعت نسبة الفقر المدقع في تونس من 2.9% قبل ظهور جائحة كورونا إلى 6.9%، كما زادت نسبة الفقر من 16.7% إلى 20.2%.

وتراجع حجم الطبقة المتوسطة، التي لطالما تباهت بها تونس، إلى 50% في 2020، بعدما كانت تمثل 70% من المجتمع التونسي عام 2011.
إقتصاد | المصدر: العربي الجديد | تاريخ النشر : الأحد 19 ديسمبر 2021
أحدث الأخبار (إقتصاد)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com