ظل ميدان التحرير منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير عنوانا للحرية ورمزا لانهيار منظومة الظلم والاستبداد التى ظلت جاثمة على صدور الشعب عقودا من الزمان.
احتضن الميدان منذ اللحظات الأولى كل الأطياف السياسية والفكرية والعقائدية، وساوى بين الجميع، بل وحدهم تحت شعار واحد "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. يسقط النظام.. وثوار أحرار هنكمل المشوار"، وذلك لبناء عهد جديد يعيش فيه الشعب حياة ديمقراطية حقيقية تتسم بالكرامة والعزة، وقد بدأت ثمارها تتحقق بعد انتخاب أول رئيس مدنى وإقرار الدستور الجديد بنسبة تقارب الثلثين، ولكن يبقى أن تتوحد القوى من جديد لبدء مرحلة مهمة هى البناء والتنمية.
ورغم أن الميدان عقب نجاح الثورة فى إسقاط المخلوع مبارك ونظامه شهد العديد من الاعتصامات والمليونيات والمظاهرات تجمعت فيها القوى السياسية بكل أطيافها وتوجهاتها وأحيانا انقسمت داخل الميدان نفسه فى الأهداف التى تريدها من النزول للميدان، إلا أن الميدان ظل منبرا للفكر والاحتجاج السلمى والتعبير عن الرفض مرة والتأييد مرات أخرى، لكن الاعتصام الأخير الذى بدأته بعض القوى السياسية التى اعترضت على الإعلان الدستورى ثم الاستفتاء على الدستور جاء على غير ما سبقه فقد اتسم بالانفرادية والانتهازية وفرد العضلات ورفض فصيل للفصائل الأخرى أو الحوار معها فى مشهد لا يمتّ للديمقراطية بأية صلة، وجعل ميدان التحرير تحت حصار فئة تريد أن تحتكر الميدان لنفسها فقط.
وعقب استفتاء شعبى شارك فى صنع نتيجته ملايين المصريين سواء ممن صوتوا "بنعم" أو صوتوا بـ"لا"، وسقطت معه كل أسباب الرفض والاحتجاج بسقوط جميع الإعلانات الدستورية فى ظل سيادة دستور وافق عليه الشعب، ظل إغلاق مداخل ميدان التحرير ومخارجه أمام حركة المرور وتعطيل آلاف من رواد مجمع التحرير محل استنكار قطاع عريض من الشارع الذى يرى أنه لا داعى لاستمرار إغلاق الميدان، إلا مبدأ فرض الرأى بالقوة وعدم الاقتناع بانتقال البلد لمرحلة ديمقراطية جديدة.
"الحرية والعدالة" قامت بجولة ميدانية فى عدد من شوارع القاهرة فى محاولة لاستقراء رأى المواطنين حول استمرار إغلاق ميدان التحرير ومواصلة المتظاهرين الاعتصام وتعطيل حركة المرور والتسبب فى إغلاق المحال التجارية ومنع الموظفين من أداء عملهم.
محمد سهيل عز الدين- طالب فى الفرقة الرابعة بكلية التجارة جامعة القاهرة- يقول: "ليس هناك معتصمون فى الميدان، فجميع الخيام فى الميدان أصبحت ملكا للباعة الجائلين الذين يسيطرون على الميدان ويتحكمون فى حركة الدخول والخروج والتصوير".
ويضيف: "كانت البداية منذ أكثر من 35 يوما عند ما قرر متظاهرون الاعتصام فى التحرير، غير أن المتظاهرين بدءوا يتناقصون شيئا فشيئا للدرجة التى اختفى فيها أى شكل من أشكال الاحتجاج أو الاعتصام كما اختفى معها المعتصمون وأصبح الميدان مقتصرا على بعض المتفرجين والبلطجية، واحتفظ الباعة الجائلون بحكم ميدان التحرير".
ووصف المحامى علاء محمود سلامة بقاء المعتصمين فى التحرير بأنه ليس له داع، خاصة بعد إلغاء الإعلان الدستورى الذى هو سبب الاعتصام من البداية عقب إقرار الدستور الجديد، هذا بالإضافة إلى انصراف عدد كبير من المعتصمين بعد إقرار الدستور الذى يرغب المصريون فى أن يكون نافذة أمل وبداية لاستقرار الوضع الحالى بعد شهور من الاعتصامات والمظاهرات.
بينما قال الحاج فؤاد نبيل -صاحب محل أدوات كهربائية فى باب اللوق-: إن استمرار الميدان مغلقا حتى فى ظل عدم وجود متظاهرين يعطل حركة البيع والشراء ويتسبب فى خسائر يومية، خاصة بعد تكليف حارس ليلى بحراسة عدد من المحال التجارية فى الشارع فى ظل انعدام الأمن فى الميدان وخلوه من قوات الشرطة.
وطالب نبيل بضرورة أن يكون للحكومة دور قوى مع من يقوم بغلق الشوارع المحيطة بالميدان؛ لأن هذه الشوارع عمومية وليست ملكا ولا حكرا لأحد دون غيره، ويضيف أنه فى ظل جو من الحرية يستطيع من يرغب فى التظاهر والاعتصام أن يمارس حقوقه، ولكن دون الاعتداء على حقوق المارة فى الشوارع وأصحاب البيوت والمحال الموجودة فى الميدان.
من جانبه استنكر عمرو هشام -موظف فى قسم الجوازات بمجمع التحرير- قيام بلطجية بالسيطرة على الميدان والتحكم فى الممرات المؤدية إليه وحصولهم على مبالغ مالية فى مقابل أرضيات من الباعة الجائلين الموجودين أمام بوابات المجمع لحمايتهم من حصول باعة غيرهم على أماكنهم.
وطالب السلطات الأمنية بالتعامل بحزم مع تلك الظواهر السلبية حتى لا يتحول ميدان التحرير إلى ميدان عتبة آخر.
سياسة | المصدر: الحرية والعدالة - حسام عيسى | تاريخ النشر : الخميس 27 ديسمبر 2012