Akhbar Alsabah اخبار الصباح

أزمة مالية على أبواب روسيا

أزمة مالية في  روسيا ما كان لجائحة كورونا وما أسفرت عنه من تدهور أوضاع قطاع كبير من المواطنين الروس أن تمر من دون دفعهم للجوء إلى الاقتراض، لتتجاوز القيمة الإجمالية لديون الروس لدى المصارف عتبة الـ20 تريليون روبل (حوالي 275 مليار دولار)، ليرتفع إجمالي أعباء القروض إلى 11% من مجموع مداخيل سكان البلاد.

وبذلك، سجل معدل ديون الأشخاص الطبيعيين زيادة كبيرة من 14% من الناتج المحلي الإجمالي في بداية عام 2019 إلى 20% حالياً، مما زاد من مخاوف تحوّل سوق الإقراض في روسيا إلى فقاعة قد تؤدي في نهاية المطاف إلى اندلاع أزمة مالية كبرى.

ما يزيد من حالة القلق في الأسواق الروسية هو تزايد حصة الديون المتأخرة، إذ تشير البيانات الصادرة عن المكتب الوطني للتقارير الائتمانية إلى أن نسبة القروض الاستهلاكية المتأخرة بلغت 25% بحلول بداية إبريل/نيسان الماضي، وذلك بزيادة نسبتها 5% مقارنة بما كان الوضع عليه قبل عام.

ورغم المؤشرات المقلقة حيال الوضع المصرفي في روسيا، تعتبر يفغينيا لازاريفا، مديرة مشروع "الجبهة الشعبية من أجل حقوق المقترضين"، أن زيادة معدل الاقتراض عملية اقتصادية طبيعية ناتجة عن تنمية السوق المالية، داعية إلى ضرورة الاسترشاد بالدرجة الأولى بنسبة الديون المتأخرة المثيرة للقلق.

وتقول لازاريفا، في حديث لـ"العربي الجديد": "الأهم من زيادة معدل الاقتراض هو الانتباه لمعدل الأعباء القصوى للقروض والديون المتأخرة. تظهر متابعتنا أن الفترة من عام 2015 إلى عام 2019 شهدت تراجعاً ولو بطيئا للديون المتأخرة رغم زيادة معدلات الإقراض".

وحول تغيّر الوضع منذ بدء جائحة كورونا وتجلي تداعياتها الاقتصادية، تضيف: "تغير التوجه مع بدء الجائحة، وهناك زيادة في القروض المتأخرة. على إثر الأزمة الاقتصادية الناجمة عن "كوفيد-19"، واجه العديد من المواطنين صعوبات مالية، مما اضطرهم للجوء إلى الاقتراض. ولكنه يتم ردع هذا التوجه السلبي بفضل الدعم الحكومي الذي شمل تأجيل دفعات أقساط القروض والرهن العقاري، وآلية إشهار الإفلاس خارج إطار القضاء التي تم تفعيلها في سبتمبر/أيلول الماضي".

وتقر لازاريفا بتعرّض المقترضين في روسيا للعديد من الانتهاكات، قائلة: "تجدر الإشارة إلى أن السوق المالية في روسيا ناشئة إلى حد كبير، لاسيما عند مقارنتها مع الأسواق المالية للاقتصادات المتقدمة الأخرى. لذلك لا يمكن الإقرار بعد بأن انتهاكات حقوق مستهلكي الخدمات المالية في روسيا هي استثناءات لا القاعدة. وللأسف، لا تزال تحدث انتهاكات كثيرة من قبل المقرضين والغش وتجاهل الالتزام بإعلام الزبائن بشروط القرض، ناهيك عن وجود مقرضين ومحصلين غير قانونيين".

الرهن العقاري الأكثر أماناً

ويؤكد دميتري جدانوخين، مدير عام مركز تطوير أعمال التحصيل (أي تحصيل القروض المتأخرة والمتعثرة)، أنه "يمكن الحديث عن بدء تدهور حقيبة قروض المصارف والمكاتب الائتمانية على خلفية جائحة كورونا، ولكنه يصعب التنبؤ بفترة استمرار هذا التوجه".

ويقول جدانوخين، في تصريحات لـ"العربي الجديد": "تم تأجيل العديد من حالات التعثر عن سداد القروض بواسطة فرض حظر على التحصيل وإشهار إفلاس المواطنين، ولكنه بعد إلغائه تبين أن العديد من المقترضين إما خسروا وظائفهم وإما أن مداخيلهم تراجعت إلى حد أنهم عجزوا عن سداد أقساط قروضهم، ومع ذلك، يصعب تقييم مدى تراجع الالتزام بسداد الأقساط، حيث إن العديد من الأشخاص يسعون لإعادة تمويل قروضهم أو الاقتراض من أصدقائهم أو معارفهم".

ويلفت إلى أن القروض الاستهلاكية هي المصدر الأكبر للمشكلات في المرحلة الراهنة، مضيفا: "القروض الاستهلاكية غير المضمونة وبطاقات الائتمان وقروض السيارات، هي الأكثر عرضة للمشكلات، وذلك على عكس قروض الرهن العقاري التي تعيش حالة من الاستقرار النسبي، في ظل توفر آليات إضافية لإعادة التمويل ودعم الدولة، والأهم هو ارتفاع أسعار العقارات، إذ يدرك المقترضون في أحيان كثيرة أنهم في حال باعوا العقار، لن يسددوا قيمة القرض فحسب، بل سيحققون ربحاً أيضا".

وأدت جائحة كورونا وما تزامن معها من إقدام المصرف المركزي الروسي على خفض سعر الفائدة الأساسية ووضع برنامج القروض الميسرة عند الشراء بالسوق الأولية بفائدة 6.5% وتوجه أصحاب المدخرات نحو الاستثمار الآمن، إلى طفرة كبيرة في سوق الرهن العقاري الروسية التي لا تكف عن تسجيل أرقام قياسية جديدة، واحدا تلو الآخر.

وبحسب البيانات الرسمية، شهدت الفترة من يناير/كانون الثاني إلى إبريل/نيسان الماضي، منح 613 ألف قرض رهن عقاري بقيمة إجمالية 1.72 تريليون روبل (125 مليار دولار تقريبا).

على جانب آخر، هناك من يقلل من تداعيات تزايد ديون الأسر وما يرافقها من حالات تعثر في روسيا. إذ يستبعد ألكسندر زوتين، الخبير الاقتصادي المستقل، احتمال أن تشكل زيادة قروض السكان خطراً على المنظومة المالية للبلاد، معربا في الوقت نفسه عن قلقه من عدم تكون ثقافة الاستهلاك الائتماني في روسيا حتى الآن.

ويقول زوتين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "معدل اقتراض الأشخاص الطبيعيين في حد ذاته قياسا بالناتج المحلي الإجمالي لا يزال منخفضا، مقارنة بأغلبية الدول المتقدمة والنامية، ولذلك ليس هناك أي خطر على الاستقرار المالي".

وحول تقييمه للسلوكيات الائتمانية للروس، يضيف: "هناك مخاوف من عدم تكون ثقافة السلوك الائتماني، صحيح أنه يمكن اللجوء إلى الاقتراض لتحقيق مصلحة ما، مثل التعليم والطب وتنمية الأعمال، أما الاقتراض الاستهلاكي مقابل أسعار فائدة مرتفعة، فهو في أغلب الأحيان طريق زلج إلى الفقر، وربما يجب حظر نشاط المكاتب الائتمانية التي تقرض مدمني القمار وغيرهم مقابل فوائد مرتفعة".

ومع تزايد ديون الروس لدى المصارف، تظهر البيانات الرسمية، تسجيل القطاع المصرفي ربحاً بلغ 1.6 تريليون روبل خلال العام الماضي، وذلك خلافا للعديد من القطاعات الاقتصادية التي تضررت من تداعيات كورونا.

الروس قلقون من ارتفاع الأسعار

من مؤشرات تزايد قلق الروس من أوضاعهم الاقتصادية والمالية مع استمرار جائحة كورونا، نتائج استطلاع أجري حديثا وأظهر أن مستوى التوتر لدى الروس في عام 2021 تراجع مقارنة بالعام السابق، ولكنه لا يزال عالياً إلى حد كبير، وأكثر ما يقلق الروس هو ارتفاع الأسعار وتدني الأجور.

وأظهرت دراسة أجرتها مؤسسة "رومير" وأوردت صحيفة "إر بي كا" نتائجها في منتصف الأسبوع الماضي، أن أكثر من 50% من الروس لا يزالون يشعرون بالتوتر، بينما كانت القضايا التي تثير أكبر قلق لدى الروس، هي التضخم وارتفاع الأسعار، وفق 62% من المستطلعين، بينما أشار 56% إلى أن تدني الأجور هو أكثر ما يقلقهم، و30% أشاروا إلى أزمة الاقتصاد، وأبدى 27% قلقهم من زيادة البطالة، و25% من التفاوت الطبقي.

ويعتبر المعالج النفسي يفغيني إدزيكوفسكي، استمرار توتر الروس في ظروف الجائحة أمراً طبيعياً، قائلا في تعليق لـ"العربي الجديد": "هناك تزايد في القلق بالتزامن مع زيادة أعباء الديون وإفقار السكان، كما أن هناك توجها لدى الناس في كافة أنحاء العالم وفي كل الأزمنة لتحميل غيرهم المسؤولية عن أوضاعهم".

ومع ذلك، يبدو تخوف الروس من البطالة وتراجع أوضاعهم الاقتصادية مبررا، إذ أسفرت إجراءات الإغلاق ومواجهة كورونا في العام الماضي عن زيادة نسبة العاطلين عن العمل من 4.8% في مارس/آذار 2020 إلى 6.4% في أغسطس/آب من العام ذاته.

ومع ذلك، بدأ معدل البطالة في التراجع منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لينخفض إلى 5.4% بحلول مارس/آذار 2021، وفق بيانات وزارة العمل والرعاية الاجتماعية، وسط رهان السلطات الروسية على أن يؤدي توسيع حملة التطعيم من كورونا إلى عودة الحياة إلى طبيعتها بشكل كامل في أقرب وقت.
إقتصاد | المصدر: العربي الجديد | تاريخ النشر : الاثنين 24 مايو 2021
أحدث الأخبار (إقتصاد)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com