مرّت 9 سنوات على ثورة 25 يناير التي أطاحت الرئيس المخلوع، محمد حسني مبارك، من دون أن يتحقق شيء يذكر من مطالب المصريين المعيشية والاقتصادية.
وعلى عكس أمنيات المصريين من الثورة، تكشف الإحصائيات الرسمية أن أوضاع المواطنين ازدادت سوءاً، إذ تفاقم الفقر إلى مستويات قياسية وتضاعفت أسعار السلع الضرورية والخدمات في الوقت الذي لم تتزحزح فيه الأجور، وتواصلت أزمة البطالة، كما زادت الديون إلى معدلات لم يسبق لها مثيل، وانخفضت قيمة العملة المحلية بأكثر من 177 في المائة مقابل الدولار خلال السنوات التسع الماضية.
وحسب مراقبين لـ"العربي الجديد" أنه حتى مجرد المطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية لم يعد سهل المنال أمام المصريين حاليا في ظل تصاعد القمع للنظام الحالي الذي عمد إلى وأد التحركات النقابية والعمالية والجماهيرية، إلا أنهم توقعوا أن يؤدي تدهور الأوضاع الاقتصادية إلى انفجار الشارع في أي لحظة.
الغلاء وتقليص الدعم
كانت الأزمات المعيشية أحد أهم أسباب اندلاع الثورة إذ رفع المصريون شعار "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" أثناء المظاهرات التي أطاحت نظام مبارك، ولكن تحولت آمال المواطنين إلى إحباط بعد مرور 9 سنوات على الثورة، إذ زادت أعباؤهم الحياتية وسط موجات غلاء متتالية.
وشهدت أسعار مختلف الخدمات والسلع ارتفاعا قياسيا، ما ساهم في تدهور معيشة المواطنين. ووصل الأمر ليس إلى رفع الأسعار فحسب، بل إلغاء الدعم عن الوقود وتحرير أسعاره.
ولم تقم الحكومات المتعاقبة منذ اندلاع الثورة عام 2011 بأي زيادة في أسعار الوقود وحتى 2013 سوى في عهد الرئيس محمد مرسي الذي اكتفى فقط برفع سعر بنزين 95 والذي تستهلكه السيارات الفارهة في حين أبقى على أسعار البنزين والسولار وباقي المشتقات النفطية.
ولكن بدأت موجات الغلاء المتتالية والمسارعة للوقود عقب تولى عبد الفتاح السيسي الحكم في عام 2014، إذ رفعت حكوماته المتعاقبة الأسعار 5 مرات متتالية كان آخرها في يوليو/ تموز الماضي بنسب تراوحت بين 16 و30 في المائة، وهي الشريحة الأخيرة لرفع الدعم عن المحروقات.
وتسارعت زيادات أسعار الوقود بعد حصول مصر على قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار، والمقرر سداده بين عامي 2021 و2029. وارتفعت أسعار المشتقات النفطية بنسب اقتربت من الضعف في يوليو/تموز 2014، عقب تولي السيسي الحكم بأيام معدودة، ثم بنسب تراوحت بين 30 و47 في المائة في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بالتزامن مع توقيع مصر اتفاق قرض صندوق النقد، ثم بنسب تصل إلى 55 في المائة في يونيو/حزيران 2017، وبنسب تصل إلى 67 في المائة في يونيو/حزيران 2018.
ولم يتم الاكتفاء بإلغاء دعم الوقود، بل تتجه مصر نحو اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي، بهدف الحصول على قروض جديدة تساعدها على الحد من أزمتها المالية في ظل وجود اتجاه داخل أروقة الحكومة نحو إلغاء مجانية التعليم الأساسي والجامعي بصورة تدريجية خلال السنوات المقبلة، حسب تصريحات سابقة لمصادر برلمانية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، بحجة "عدم قدرة الدولة على تمويل مشروعات تطوير التعليم".
أما أسعار السلع الغذائية فشهدت ارتفاعات قياسية خلال السنوات التسع الماضية، ولا سيما عقب الاتفاق الذي عقدته الحكومة مع صندوق النقد الدولي إذ وصلت مستويات التضخم رسميا إلى نحو 35 في المائة، قبل أن تتراجع إلى أقل من 8 في المائة حاليا، حسب بيانات حكومية شكك مراقبون فيها وأكدوا عدم دقتها.
تفاقم الفقر
أدت السياسات الاقتصادية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة بعد الثورة إلى تفاقم الفقر لمستوى قياسي في البلاد، إذ أكد تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي
في يوليو/ تموز الماضي، أن نسبة الفقراء خلال العام المالي 2017/ 2018، هي الأعلى مقارنة بالأعوام العشرين السابقة، إذ بلغت معدل 32.5 بالمائة، مقابل 27.8 في المائة في تقرير 2015، بينما يشير خبراء اقتصاد إلى أن النسبة الحقيقية تتجاوز هذه المعدلات كثيراً. وكانت نسبة الفقر نحو 25 في المائة عام 2011، حسب البيانات الرسمية.
وطبقاً لتقرير مؤشر الجوع العالمي، الذي يصدر سنوياً عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، جاءت مصر في المرتبة 61 ما بين 119 دولة، ويعتمد التقرير على البيانات الأولية لمنظمات أممية منها الفاو والصحة العالمية، واليونيسف، والبنك الدولي.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، من القاهرة لـ"العربي الجديد": قامت ثورة يناير تحت شعار (عيش، حرية، عدالة اجتماعي)، واعتقد أن هذه المطالب ما زالت بعيدة المنال، ويكفى لتأكيد ذلك ما أظهرته البيانات الرسمية من ارتفاع معدل الفقر إلى ما يزيد قليلا عن ثلث عدد السكان.
وحسب عبد المطلب، يرجع السبب في عدم تمكن الثورة من تحقيق أهداف الحياة الكريمة للمواطن المصري إلى عدة عوامل أهمها، عدم وجود الوعي الكافي لدى النخب السياسية المصرية بأهمية العمل الجماهيري، وعدم وجود برنامج اقتصادي محدد لدى قوى الثورة، وعدم نجاح الحكومات المتعاقبة في تحقيق هذه المطالب.
انهيار الجنيه وتفاقم الديون
وتهاوت قيمة العملة المصرية خلال السنوات التسع الماضية، من نحو 5.7 جنيهات مقابل الدولار في يناير/ كانون الثاني 2011، إلى نحو 15.8 جنيها حاليا، أي أن العملة المحلية تراجعت بنحو 177%.
ويرجع هذا التهاوي إلى تعويم الجنيه عام 2016 في ظل اتفاق الحكومة مع صندوق النقد
الدولي. وترتب على عملية التعويم مخاطر عديدة على الاقتصاد المصري بالإضافة إلى مساهمتها في تفاقم الأوضاع المعيشية للمواطنين.
ومنذ اندلاع الثورة وحتى الآن وصلت أرقام الديون إلى مستويات تاريخية حسب الأرقام الرسمية، إذ بلغت الديون الخارجية في عهد مبارك 34.9 مليار دولار، بخلاف ديون داخلية بقيمة 962.2 مليار جنيه.
وخلال فترة حكم المجلس العسكري الذي تولّى مقاليد البلاد بعد نحو شهر من اندلاع ثورة يناير، حتى منتصف 2012، انخفض الدين الخارجي بنحو 200 مليون دولار، مسجلاً 34.7 مليار دولار، لكن الدين الداخلي زاد إلى 1.23 مليار جنيه، قبل أن تزيد في عهد الرئيس محمد مرسي، حتى 30 يونيو/ حزيران 2013 إلى 1.55 تريليون جنيه كديون داخلية ونحو 43.2 مليار دولار خارجية.
بينما واصلت الصعود في عهد المؤقت عدلي منصور، الذي عينه الجيش بعد الانقلاب العسكري على مرسي، إلى 1.7 تريليون جنيه داخلياً و46 مليار دولار خارجياً.
لكن الديون المحلية والخارجية قفزت إلى مستويات وصفها محللون بالجنونية، وغير المسبوقة منذ عقود طويلة، عقب وصول السيسي إلى الحكم في منتصف 2014. وكشف البنك الدولي، في تقرير الأسبوع الماضي عن ارتفاع إجمالي أرصدة الدين الخارجي المستحق على مصر ليصل الى 109.363 مليار دولار بنهاية سبتمبر/ أيلول 2019.
ووفقا للتقرير الشهري عن أغسطس/ آب الماضي الصادر من البنك المركزي، سجل إجمالي الدين العام المحلي 4.205 تريليونات.
وحول المخاطر المترتبة على تفاقم الديون، أكد الخبير الاقتصادي، مصطفى شاهين، أن البلاد تدفع ثمن الارتفاع الكبير للديون الخارجية والمحلية والتي وصلت إلى أرقام قياسية، حسب الإحصائيات الحكومية، مؤكدا أن الديون الباهظة أدت إلى تكتيف الموازنة العامة، وبالتالي عجزت حكومة السيسي عن ضخ استثمارات وبناء مشاريع حقيقية تساهم في امتصاص البطالة.
وأضاف شاهين أن النظام المصري يقول إن النمو وصل إلى 5.8 في المائة، ويأتي ذلك في الوقت الذي أصاب الكساد الأسواق، ما يؤكد أن الأرقام الرسمية وهمية وتهمل الواقع.
وتوقع تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مصر خلال الفترة المقبلة، ما سيؤدي إلى اندلاع احتجاجات شعبية، مشيرا إلى أن القمع كان وراء ضعف الاحتجاجات خلال الفترة الأخيرة.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي، علاء عبد الحليم، من القاهرة لـ"العربي الجديد" إن الأمر اختلف من طموحات وأحلام المشاركين في ثورة يناير بان جميع المشاكل الاقتصادية ستحل بمجرد إطاحة مبارك وعدم توريث الحكم لإبنه جمال وتولي نظام جديد حكم البلاد، ولكن هذا لم يحدث، متوقعا وقتا أطول لحل المشاكل الاقتصادية والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بالأوضاع السياسية، حسب تعبيره.
وتوقع استمرار التغييرات في المسؤولين ولاسيما في الملف الاقتصادي، طالما استمرت الأوضاع بهذا الشكل، مؤكدا لأن حل المشكلات المعيشية يحتاج إلى خطط متكاملة بين أجهزة الدولة.
بيع القطاع العام وتسريح الموظفين
وتحولت أحلام المصريين العاطلين عن العمل بالحصول على فرص عمل بعد إطاحة مبارك إلى كابوس عقب اتجاه الحكومة إلى سياسة تسريح مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين وبيع شركات القطاع العام بهدف الحد من الأزمة المالية التي تمر بها البلاد وتقليص عجز الموازنة.
وقال هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال المصري، في تصريحات صحافية مؤخرا، إن هناك ثلاث شركات حكومية جاهزة لطرح حصص منها ببورصة مصر على أن تحدد بنوك الاستثمار المكلفة بإدارة العملية توقيت الطرح.
وأضاف توفيق أنه "سيتم طرح 22-25 بالمئة من أسهم مصر الجديدة (للإسكان والتعمير) في الربع الأول من 2020، بناء على رغبة المساهمين في تطوير محفظة الأراضي في الشركة التي تمتلك أكبر محفظة للأراضي بالسوق بنحو 20 مليون متر مربع". وتابع أن "هناك ثلاث شركات جاهزة للطرح بالفعل في أوقات تحددها بنوك الاستثمار، شركة الإسكندرية لتداول الحاويات، وأبو قير للأسمدة، بالإضافة إلى مصر الجديدة".
وأظهرت بيانات رسمية أن الحكومة قلصت عدد العاملين في القطاع الحكومي بنحو 800 ألف موظف دفعة واحدة خلال العام المالي 2016/ 2017. وأشارت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) إلى بلوغ عدد العاملين في القطاع الحكومي 5 ملايين فرد بنهاية العام المالي قبل الماضي، مقابل 5.8 ملايين موظف في العام المالي السابق عليه 2015/ 2016، بانخفاض بلغت نسبته 13%.