Akhbar Alsabah اخبار الصباح

مخاوف من احتكار إماراتي للألبان بمصر

ألبان مصر "الحكومة بتحاربنا في أرزاقنا، ولم يعد أمامي إلا بيع الأبقار وتصفية مشروعي الصغير لإنتاج الألبان"، بانفعال وأسى يشرح المزارع المصري محمد عبد العظيم كيف صار مصدر رزقه مهددا بعد أن تراكمت عليه الديون، واتجاه الحكومة إلى منافسة صغار منتجي الألبان بمشروع ضخم.

حال عبد العظيم كحال معظم الفلاحين وأصحاب المزارع الصغيرة في مصر، خاصة في قريته "إبشواي الملق" بمحافظة الغربية، والتي تعد كبرى القرى المصرية في تربية المواشي وإنتاج الألبان.

ويوضح عبد العظيم في حديثه للجزيرة نت أن أسعار الماشية تدهورت مع ارتفاع تكاليف ومستلزمات التربية، وتراكمت الديون على أغلب المزارعين في ظل الأسعار المتدنية التي تفرضها عليهم الشركات للحصول على الألبان، ويضطرون لقبولها لأن سلعتهم سريعة التلف.

دولة تحارب مواطنيها
يقول المزارع الأربعيني إن "الكابوس يكتمل الآن بإعلان الحكومة صراحة أنها تنوي محاربتنا في أرزاقنا بمنافسة غير عادلة".

ففي الشهر الماضي أعلن وزير قطاع الأعمال هشام توفيق إقامة مشروع عملاق للإنتاج الحيواني والدواجن على مساحة 28 ألف فدان في توشكي بأقصى جنوب مصر، بالشراكة مع الصندوق السيادي المصري "ثراء"، لمواجهة "استحواذ صغار ملاك الأبقار على إنتاج الألبان".

وبرر توفيق المشروع بقوله إن 80% من الألبان التي يتم تجميعها من السوق مصدرها أفراد يمتلكون ما بين بقرة وخمس بقرات، وهو ما يعني أن "السوق مفتت ويحتاج لمشروع عملاق لتفادي أي أزمة قد تحدث إذا ما قرر الأفراد التخلي عن تربية أبقارهم".

وأثار تصريح الوزير التساؤلات عن الأسباب التي قد تدفع ملايين المربين إلى الخروج مرة واحدة من سوق الإنتاج، واعتبره مراقبون مؤشرا على افتعال النظام الأزمات أو تعمد عدم حلها، لدفعهم إلى التخلي عن تربية الماشية وإنتاج الألبان، مما يفتح المجال واسعا لاحتكار هذه السلعة الحيوية.

ووفقا لأحدث بيانات وزارة الزراعة، فإن قطاع الثروة الحيوانية يساهم بنسبة 70% من معيشة الفقراء، كما يسهم بدرجة كبيرة في الأمن الغذائي لسكان الريف.

وحذر رئيس اتحاد الفلاحين محمد فرج من أن انخفاض أسعار الألبان سوف ينعكس على سعر الماشية الحلابة، مما يؤدي لخروج ملايين المربين الصغار من السوق وارتفاع أسعار الألبان.

شراكة إماراتية
وزير قطاع الأعمال كشف عن سعيه لاجتذاب مستثمرين إماراتيين للمشاركة في هذا المشروع، مشيرا في تصريحات صحفية إلى أن وزارته عرضت المشروع على الصندوق السيادي قبل زيارته للإمارات، مثنيا على ما وصفها بـ"الخبرة المتميزة والمكانة" التي وصلت لها الإمارات في الصناعات الزراعية والإنتاج الحيواني.

وخلال زيارة عبد الفتاح السيسي الأخيرة للإمارات في نوفمبر الماضي، أعلن الطرفان عن منصة استثمارية مشتركة بقيمة عشرين مليار دولار، دون تحديد المشروعات والاكتفاء بتسمية قطاعات على إطلاقها.

وتبلغ الثروة الحيوانية في مصر أكثر من 18 مليون رأس من الأبقار والجاموس والأغنام والماعز، وبلغ الإنتاج المحلي من الألبان حوالي 6.7 ملايين طن، يأتي معظمها من المزارع الصغيرة والتربية المنزلية، وفقا لتقرير قطاع الثروة الحيوانية والداجنة في وزارة الزراعة الصادر في سبتمبر/أيلول الماضي.

وبحسب التقرير، فإن مزارع الماشية النظامية أنتجت 733 ألفا و837 طنا من الألبان، وأنتجت المزارع الصغيرة والمتوسطة 3 ملايين و21 ألفا و816 طنا، وحققت التربية المنزلية إنتاجا بلغ مليونين و940 ألف طن من الألبان.

وبلغت القيمة الإجمالية لمنتجات الألبان للعام 2017/2016 حوالي 35 مليارا و301 مليون جنيه (الدولار نحو 16 جنيها)، وهو ما يمثل نحو 21% من إجمالي قيمة الإنتاج الحيواني، وحوالي 7.5% من الإجمالي العام لقيمة الإنتاج الزراعي، بحسب جهاز التعبئة العامة والإحصاء.

ويعتبر الخبراء مصر من الأسواق الناشئة المهمة في مجال الألبان المعبأة، حيث يبلغ معدل الزيادة السكانية حوالي مليوني طفل سنويا، كما تعد مصر من أكثر دول العالم استهلاكا للجبن الأبيض، وهو ما يجعل هذا السوق محط أنظار الشركات العالمية.

الشركات المهيمنة
تسيطر مجموعة صغيرة من الشركات الخاصة المحلية والأجنبية على سوق منتجات الألبان المعبأة في مصر، بعد أن خرجت الشركات الحكومية من السوق، إما بالتوقف أو الاستحواذ عليها من قبل مستثمرين.

وتستحوذ شركة جهينة على النصيب الأكبر من سوق الحليب بنسبة 70% ونحو 30% من سوق الزبادي، وتنافسها شركات، مثل بيتي (المملوكة للمراعي السعودية وبيبسيكو الأميركية) ونستله السويسرية ودانون ولاكتيل الفرنسيتين.

وتحتل مزارع دينا (المملوكة لشركة القلعة القابضة) مركز الصدارة في سوق الحليب الطازج بحصة سوقية قدرها 70% ومبيعات تصل إلى 220 مليون جنيه خلال العام الجاري.

وتهيمن شركتا "دومتي"، و"عبور لاند" على معظم سوق الجبن الأبيض المعبأ، وتبلغ الحصة السوقية لكل منهما حوالي 42%، في حين تتقاسم شريحة من الشركات الصغيرة (حوالي 15 شركة) النسبة المتبقية من حجم السوق.

مشروعات بديلة
تركت الحكومة المنافسين الأقوياء في سوق منتجات الألبان واتجهت إلى منافسة الحلقة الأضعف وهم مواطنوها الفقراء رغم وجود فرص استثمارية كبيرة يمكن للحكومة دخولها وتشجيع القطاع الخاص أيضا، مثل إنشاء مصانع ومزارع للأعلاف، حيث لا يوجد سوى 200 مصنع أعلاف فقط، بحسب تصريحات لنقيب الفلاحين.

وتحتاج مصر أيضا لإنشاء مصانع للألبان المجففة لتقليل فاتورة استيراده التي تتراوح بين خمسمئة مليون ومليار دولار سنويا، بحسب غرفة الصناعات الغذائية، وهو ما يساعد على تصريف منتجات المربين الصغار.

كما يساعد إنشاء مراكز تجميع وتبريد الألبان وتوفير سيارات مجهزة للنقل في عمليات التسويق، ويمثل حلقة وصل بين منتجي الألبان والمصانع والمستهلك.

ووفقا لتقارير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (أف أي أو)، فإن دعم القدرة التنافسية للمشروعات الصغيرة لإنتاج الألبان وتنميتها يجعلها أداة قوية في الحرب على الفقر وخفض مستوياته، ورفع مستويات التغذية، وتحسين موارد المعيشة لسكان الريف.

التعاونيات حل مثالي
سعي الحكومة للقضاء على صغار المنتجين دفع العديد من نشطاء مواقع التواصل إلى مقارنة قرار الحكومة المصرية بما تشهده الدول المتقدمة من دعم لصغار المنتجين عبر ما تسمى التعاونيات.

وتنتشر تعاونيات إنتاج الألبان في العديد من الدول المتقدمة والنامية، حيث يتشارك آلاف الفلاحين والمزارعين الصغار في إنتاج الألبان وجمعها وتصنيعها، ويحصلون على عوائد تمثل نسبة مشاركة كل منهم، ويتم اختيار مجموعة منهم للإدارة، وتمثل هذه التعاونيات حلا مثاليا لمواجهة احتكار رجال الأعمال وحماية صغار المزارعين.

وتمكنت تعاونيات الألبان حول العالم من التفوق على شركات عالمية عملاقة، مثل "فونتيرا" في نيوزيلندا (يتقاسم ملكيتها أكثر من 10 آلاف مزارع، وتوفر ثلث إمدادات العالم من الألبان بمبيعات سنوية تصل إلى 13 مليون دولار)، و"تينا" في النرويج (يمتلكها أكثر من 11 ألف مزارع، وتصدر منتجاتها إلى ست دول)، و"آرلا فودز" (تعاونية تضم 13 ألفا و500 من مزارعي منتجات الألبان في سبع دول أوروبية).
إقتصاد | المصدر: الجزيرة | تاريخ النشر : الثلاثاء 17 ديسمبر 2019
أحدث الأخبار (إقتصاد)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com