تزايدت معاناة التونسيين من شح السلع المدعمة، خلال الفترة الأخيرة، ما اضطرهم إلى شراء نظيرتها من السوق الحرة بأسعار مرتفعة، الأمر الذي ضاعف أعباءهم المعيشية. وفي المقابل تبرر الحكومة نقص السلع المدعمة بزيادة نشاط المحتكرين والمضاربين في هذا المجال.
وإلى وقت قريب كانت سلة المواد المدعومة من صندوق التعويض الحكومي تشمل الحليب ومعجون الطماطم وزيت الطهو النباتي، غير أن مطالبة القطاعات المصنعة بتحرير الأسعار ورغبة الحكومة في تقليص مخصصات الدعم التقيا من أجل تقليص المواد ذات السعر المدعم في الأسواق، ما دفع التونسيين إلى التزود مكرهين بالسلع ذات الأسعار المرتفعة.
وفي مقابل تذمر التونسيين من شح التزويد بالمواد المدعمة، تقول وزارة التجارة إنها تواصل تزويد السوق بنفس الوتيرة السابقة غير أن المحتكرين والمضاربين يتسببون في اختفاء المواد المدعمة التي تستفيد منها المطاعم والمقاهي وغيرها من القطاعات المستهلكة، ما يحرم المستحقين من حقهم في هذ المواد التي توفرها الدولة.
وتقول المديرة العامة للمنافسة والأبحاث الاقتصادية بوزارة التجارة كريمة الهمامي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن الوزارة تشن حملات مراقبة واسعة على مخازن المضاربين والمحتكرين من أجل تحرير السلع المخزنة لديهم وإعادة ضخها في مسالك التوزيع والحد من غلاء بعد المواد.
وتشير المسؤولة إلى أن كل المواد المدعمة تحافظ على أسعارها ولم تراجع في إطار اتفاق حكومي للمحافظة على القدرة الشرائية للطبقات الضعيفة والمتوسطة مؤكدة ضرورة إعادة النظر في منظومة الدعم لتوجيهه نحو مستحقيه الفعليين.
وتشمل قائمة المواد الغذائية التي تواصل تونس دعمها ومشتقات الحبوب (الخبز، السميد، العجين الغذائي والكسكسي) والزيوت النباتية والورق المعد لصنع الكراس المدرسي والحليب المعقم نصف الدسم والسكر ومعجون الطماطم. ورغم التأكيد الحكومي على إبقاء مستوى أسعار هذه المواد على ما هو عليه، إلا أن الواقع يكشف حقيقة مغايرة، حسب مواطنين ومختصين لـ"العربي الجديد".
تقول التونسية سامية برهومي (42 سنة) إن رحلة تقليص الدعم وتعويد التونسيين على "الزيادات الناعمة للأسعار" انطلقت باختفاء الزيت النباتي المدعم منذ ما يزيد عن السنتين من مسالك التزويد بالمساحات الكبرى ومتاجر التجزئة حيث تكتفي وزارة التجارة بضخ بعض الكميات في الأسواق التي غالبا ما تتبخر في سويعات قليلة ما يدفع التونسيين إلى شراء الزيت النباتي غير المدعم بـ4 دنانير للتر الواحد عوضا عن الزيت المدعم الذي لا يتجاوز سعره 1.2 دينار.
وتضيف برهومي في حديثها لـ"العربي الجديد" أن قائمة المواد المسحوبة من قائمة الدعم تتوسع من يوم إلى آخر، مشيرة إلى أن الألبان المدعمة مختفية منذ أشهر مقابل توفر باقي منتجات الألبان المحرر سعرها سواء كامل الدسم والأجبان وغيرها.
وفي حديث لـ"العربي الجديد" قال رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك سليم سعد الله إن الحكومة تعتمد سياسة الجرعات المخففة في زيادة الأسعار وتتجنب الزيادات المباشرة التي تصدم التونسيين، مشيرا إلى أن شح بعض المواد ودفع المستهلكين إلى اقتناء سلع مماثلة خارج دائرة الدعم في استجابة غير معلنة لمطالب القطاع الخاص بالتحرير التام للأسعار.
وأضاف سعد الله أن مصنعي الحليب على سبيل المثال فرضوا الزيادات التي طالبوا بها منذ أشهر بطرقهم الخاصة، مشيرا إلى أن تواصل تجفيف مسالك التزويد بالحليب المعقم نصف دسم المدعم مقابل توفير بقية أصناف الألبان ليس إلا سياسة فرض الأمر الواقع على التونسيين.
وانتقد سعد الله التدخلات الضعيفة للحكومة لمكافحة غلاء الأسعار، لافتا إلى أن وزارة التجارة اكتفت بتوفير كميات من الحليب المورد لا تتجاوز حاجيات السوق لأسبوع واحد تاركة التونسيين في مواجهة مصيرهم مقابل الزيادات اليومية للأسعار غير المعلنة.
وأعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد، الإثنين الماضي، أمام البرلمان عن إعادة تفعيل اللجنة الوطنية للأسعار التي سيشرف عليها شخصيا من أجل مكافحة الزيادات في الأسعار، مؤكدا عزم الحكومة في المدة القادمة على تغليظ العقوبات على المحتكرين والمضاربين من أجل ترشيد الأسعار وكبح الغلاء.
وقال الشاهد إن مراجعة منظومة الدعم ستدرس في إطار مشترك مع النقابات العمالية، معتبرا مقاومة الغلاء معركة الحكومة القادمة.
وأظهر مشروع قانون المالية، مواصلة الحكومة تقليص مخصصات الدعم الموجهة للمحروقات، مع الإبقاء على دعم المواد الأساسية في نفس مستوى العام الجاري.
وحسب وثيقة المشروع، قدّرت الحكومة نفقات إجمالي الدعم للعام المقبل بنحو 4.35 مليارات دينار (1.55 مليار دولار)، مقابل 4.9 مليارات دينار (1.75 مليار دولار) في 2018. ومن المنتظر، خلال العام القادم، خفض دعم المحروقات إلى 2.1 مليار دينار (750 مليون دولار)، مقابل 2.7 مليار دينار (964 مليون دولار) في العام الجاري.