Akhbar Alsabah اخبار الصباح

سينما وموسيقى صاخبة في بلاد الحرمين

السينما في السعودية على وقع الموسيقى الصاخبة، وفي أجواء من البهجة والاندماج والتحفز، افتتحت السعودية أول دار للسينما بعد حظر دام أكثر من ثلاثة عقود، وسط أجواء "غير تقليدية" تعكس جزءا من مظاهر التحولات الجارية في السعودية.

تسابقت وسائل الإعلام وكاميرات التصوير لالتقاط مشاهد دالة من حفل افتتاح أول دور السينما السعودية، ووصفت إحدى وكالات الأنباء الصورة بقولها إنها "مشاهد غير تقليدية وغير مألوفة في السعودية" بعد أن استعرضت جزءا من التفاصيل: "امرأة حاسرة الشعر في كامل زينتها ترتدي زيا أحمر يمتد لمسافة طويلة على الأرض مشكلا سجادة السينما الحمراء، وزير الثقافة يأكل الفشار.. حضور مختلط بين رجال ونساء في قاعة العرض".

يبدو مثل هذا المشهد طبيعيا ومعتادا في الغالبية الساحقة من بلدان العالم بما فيها الدول الخليجية المحيطة بالمملكة العربية السعودية، لكنه يبدو غريبا وغير مألوف، خصوصا وأنه يأتي مسبوقا بتاريخ طويل من تحريم السينما أو منعها بشكل كامل على أقل تقدير.

حضور متنوع
وتم افتتاح أولى دور العرض السينمائي بالسعودية من قبل وزير الثقافة والإعلام السعودي رئيس مجلس إدارة هيئة الإعلام المرئي والمسموع عواد بن صالح العواد، وبحضور عدد من المسؤولين والدبلوماسيين والمختصين وخبراء عالميين وعرب في مجال صناعة السينما، بينهم الرئيس التنفيذي لشركة "أي أم سي" الأميركية آدم آرون.

وأقيم هذا العرض السينمائي بصالة تتسع لـ620 شخصا في مركز المؤتمرات بمركز الملك عبد الله المالي الذي يحتوي على سبع صالات عرض سينمائية.
وتخطط السلطات السعودية لتدشين ثلاثمئة دار سينما، مزودة بألفي شاشة عرض بحلول عام 2030، وبعوائد متوقعة تتجاوز تسعين مليار ريال (نحو 24 مليار دولار)، مما سيوفر ثلاثين ألف فرصة عمل إضافية.

كما ستستثمر الرياض 240 مليار ريال (نحو 64 مليار دولار) في قطاع الترفيه خلال السنوات العشر المقبلة، على أن يتم جمع هذه الأموال من الحكومة والقطاع الخاص.

وحظرت المملكة دور السينما في أوائل ثمانينيات القرن الماضي تحت ضغط من التيار الديني المحافظ الذي نادى بتقييد وسائل الترفيه العام والاختلاط بين الجنسين.

ترحيب وتنكيت وتخويف
لاذت غالبية العلماء والمشايخ في المملكة بالصمت، في حين ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالنقاش حول السينما ترحيبا وتنكيتا وتحذيرا.

ومن ضمن الذين احتفوا بها عبد العزيز الموسى عضو الإدارة العامة للتوجيه والإرشاد بالمسجد الحرام في مكة المكرمة سابقا، حسب حسابه الموثق على تويتر الذي غرد قائلا "الحمد لله الذي بلغنا #السينما_في_السعودية ولا عزاء للغلاة"، قبل أن يضيف "من السخرية أن يحرك المجتمع فتوى تحرم في بلادهم ما يمارسونه خارجها، فأغلب من يستنكر #السينما_في_السعودية هم من يرتادونها في خارج السعودية، ولكن غلبتهم التبعية والاستشراف".

واختار آخرون طريقة أخرى في الترحيب بالتطور الجديد تتماهى مع الخطاب الرسمي في نقد ظاهرة الصحوة الإسلامية وتحميلها مسؤولية كل الشرور والأخطاء التي حدثت في البلاد خلال العقود الماضية.

ومن هؤلاء مغردة تسمى هيلة المشوح‏ كتبت على تويتر "السينما تعود للسعودية بعد سنوات الصحوة العجاف التي جثمت على صدورنا وأوقفت كل مظاهر الحياة.. لا بارك الله فيها من غفوة بائسة"، ثم رأت في تغريدة أخرى أن يوم انطلاق السينما "سيكون يوماً حاسماً في تاريخ الصحوة وكل مؤدلج طامر على هاشتاغات رفض المجتمع للترفيه.. عودوا إلى جحوركم يا أوغاد ويا أعداء الحياة فالسينما قادمة رغم حربكم المستميتة لمنعها وقذف كل من نادى بها!".

وحذر آخرون من هذه الخطوة، فكتب مغرد يسمى الثوري "أول الغيث قطرة ستنهمر بعدها المنكرات والموبقات والمحرمات والفساد والإفساد وتدمير الدين والقيم والأخلاق، هيئة الترفيه بقيادة #الدب_الداشر". وتساءلت أخرى "افتتاح #السينما_في_18_أبريل! قبل الاختبارات النهائية! وقبل دخول رمضان الكريم! ماني عارفه على أيش مستعجلين!!"

واختار آخرون أسلوب التنكيت لنقد الخطوة وملابساتها، حيث تساءل أحدهم متى افتتحت أول سينما في السعودية؟ وأجاب "سنة الجرب والبالوت"، وغرد آخر "أهم شيء مجلسين الوزير والكباريه بأول صف يحسبونه اكشخ (أفضل) مكان بالسينما"، وأضاف آخر "يوم كان فيه فلوس كنّا محرومين من أي نوع من أنواع الترفيه، يوم جلدونا ضرائب وطفرنا جابوا كل أنواع الترفيه!! تستهبلون أنتم!؟".

النمر الأسود.. أم طموح ابن سلمان؟
اختار المسؤولون السعوديون المعنيون فيلم "النمر الأسود" (Black Panther) ليكون أول الأفلام المعروضة في دور السينما السعودية، دون الكشف عن أسباب اختيار هذا الفيلم بالذات.

وقد أنتج هذا الفيلم عام 2018 وهو من بطولة تشادويك بوسمان ومايكل بكاري جونسون ولوبيتا نيونغو، ومن توزيع شركة ديزني وإخراج راين كوغلر، وحقق سابقا أكثر من مليار دولار في شباك التذاكر. ويتحدث الفيلم عن "تي تشالا" ملك "واكاندا" الأفريقية والمعروف باسم "النمر الأسود" الذي يتولى الحكم بعد موت أبيه ويتعين عليه الدفاع عن أرضه من التمزق. ويتمتع هذا الملك بقوة هائلة بفضل جرعة من دواء سحري.

وفيما يبدو مساهمة في إسقاطات دلالات ومضامين الفيلم على السياسة المحلية في السعودية، كتب الصحفي والكاتب السعودي المقيم في أميركا جمال خاشقجي مقالا في واشنطن بوست قال فيه إنه في فيلم "بلاك بانثر" نجد ملك واكاندا الشاب توشاله (شادوك بوسمن) محتارا بين أن يخفي مملكته وثراءها ورخاءها عن العالم الخارجي أم يتفاعل معه"، وهو -حسب خاشقجي- "سؤال يشغل السعوديين هذه الأيام، خاصة مع الفوضى والحروب الأهلية من حولهم بالشرق الأوسط".

ويخلص خاشقجي إلى أن "ملك واكاندا الشاب يختار في نهاية الفيلم أن يستخدم قوة بلاده لجلب السلام للعالم، فهل سيفعل الأمير محمد بن سلمان الذي سيصبح قريبا ملكا على بلاده الأمر نفسه ويجلب السلام للعالم المحيط به؟".

على حطام الإفتاء
وبالانطلاقة الفعلية للسينما في السعودية تتحطم أسوار الفتاوى التي وقفت سدا منيعا ضد الفن السابع، خصوصا أن صوت هيئة الترفيه في المدة الحالية أعلى وأكثر جاذبية للسلطة السعودية من صوت هيئة كبار العلماء.

يذكر أن المفتي العام للسعودية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، وهو رئيس هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة، قد حذر في 2017 من أن الحفلات الغنائية والسينما "لا خير فيها وضرر وفساد، كله مفسد للأخلاق ومدمر للقيم ومدعاة لاختلاط الجنسين".

وفي حين قامت معادلة السلطة والحكم في السعودية من أول يوم على المزاوجة بين السياسي والديني -ضمن اجتهادات اختارتها المدرسة الدينية السعودية منهجا لها وخطت بها طريقا خاصا بها-، يسعى الحكام الجدد إلى التخفف من ذلك الإرث عبر "التطبيع" مع أنماط ووسائل الثقافة والتسلية المعاصرة من مسرح وغناء ورقص ورياضات متنوعة.

تزاوج السعودية في ظل العهد الجديد -وفق مراقبين- بين انغلاق سياسي وتكميم للحريات وسجن للمعارضين و"الموالين"، وبين انفتاح اجتماعي آخذ في التصاعد والتوسع، فيما يبدو مقايضة للحريات السياسية بالحريات الاجتماعية.

ويزيد غلاء الأسعار وفرض الضرائب وتراجع المداخيل من وتيرة نقد النظام في السعودية، ومن الضغط على السلطة الحاكمة التي تحاول التعويض عن ذلك بفتح مسارب أخرى لتنفيس غضب الناس وشغل أوقاتهم.

وفي ظل ذلك يسعى ابن سلمان -وفقا لمراقبين- إلى تقديم أوراق اعتماده من خلال هذه التغييرات الجذرية في بلد عرف بالمحافظة المتشددة إلى دوائر غربية عديدة باعتباره الأقدر على تحديث السعودية وجرها إلى فضاءات التجدد والانفتاح مهما كره الكارهون ورفض "المتنطعون".

وعلى إيقاع عهد سينمائي جديد، يطوي عهد الفتاوى سجادته، وعلى حطام الفتاوى ومشارف الحرمين الشريفين سيبدأ عهد جديد ومشاهد متعددة، يتحدث كثيرون عن أنها مشاهد ممثلة، وأن اللاعبين الأساسيين فيها ليسوا أكثر من مؤدي أدوار، وقد يتم استبدالهم في أي وقت.
إسلامنا | المصدر: نافذة مصر | تاريخ النشر : الجمعة 20 إبريل 2018
أحدث الأخبار (إسلامنا)
يمكنكم متابعة احدث اخبارنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة
facebooktwitterRss
®أخبار الصباح AkhbarAlsabah.com