أظهرت بيانات للبورصة السعودية أن بيع الأسهم من جانب المستثمرين الأجانب لا يزال أكثر من الشراء، للأسبوع الثالث على التوالي، في أعقاب الحملة الكبيرة التي شنّتها السلطات بدعوى محاربة الفساد، وشملت اعتقال أمراء ووزراء ورجال أعمال كبار.
وأثارت الحملة التي شملت احتجاز العشرات من كبار المسئولين ورجال الأعمال وتجميد أكثر من ألفي حساب بنكي بالسعودية انزعاج المستثمرين، الذين يخشون أن تلحق ضررًا بالاقتصاد، وأن تجبر على عمليات بيع كبيرة للأصول. بحسب وكالة رويترز.
وتظهر الأرقام استمرار بيع الأجانب للأسهم، وإن كان بهامش أقل من الأسبوع السابق.
وأوضحت البيانات أنَّ المستثمرين الأجانب باعوا أسهمًا بقيمة 835 مليون ريال (223 مليون دولار)، واشتروا بما قيمته 598 مليون ريال في الأسبوع المنتهي يوم 23 نوفمبر 2017، أي بهامش بيع 237 مليون ريال.
يأتي ذلك مقارنة مع هامش بيع بلغ 309 ملايين ريال، في الأسبوع المنتهي في 16 نوفمبر2017، و1.08 مليار ريال في الأسبوع المنتهي في التاسع من نوفمبر، فور الإعلان عن الحملة.
وأظهرت البيانات الأخيرة أيضًا انحسار عمليات البيع من جانب المستثمرين السعوديين الأفراد. فقد باعوا أسهمًا بقيمة 10.5 مليار ريال في الأسبوع الأخير، واشتروا بما يصل إلى 9.5 مليار ريال. وفي الأسبوع السابق وصل هامش البيع إلى 2.4 مليار ريال.
حيلة حكومية
واتجهت المؤسسات السعودية، وأغلبها صناديق استثمار وشركات، إلى الشراء منذ انطلاق الحملة، ويعتقد مديرو أصول إقليميين أن أغلب الشراء من صناديق مرتبطة بالدولة، بهدف دعم السوق لتفادي أي حالة ذعر.
وأظهرت البيانات أن المؤسسات كانت مشتريًا صافيًا بهامش 1.34 مليار ريال فقط، في أحدث أسبوع، مقارنة مع 2.87 مليار في الأسبوع السابق ، بحسب" رويترز".
وقال أحد مديري الصناديق "كان هناك بيع مكثف من المستثمرين الأفراد الأثرياء الذين يريدون سحب أموالهم".
ويخشى كثير من المستثمرين أن الأشخاص المحتجزين ربما يضطرون في نهاية المطاف إلى بيع حيازات كبيرة من الأسهم.
وأبلغ مصرفيون رويترز أنه تم تجميد أكثر من 1200 حساب في البنوك السعودية حتى الآن، وهو ما يزيد القلق بأن الشركات التي تواجه بالفعل ركودًا ربما تتضرر بشكل أكبر جراء تأجيل مدفوعات.
الاستثمارات الأجنبية
وكانت هيئة السوق المالية السعودية قد أعلنت أنَّ المملكة ستيسر الإجراءات المطلوبة من المؤسسات الأجنبية للاستثمار في سوق الأسهم مع سعي الرياض لجذب مزيدٍ من الأموال إلى السوق قبيل إدراج أرامكو السعودية النفطية الحكومية العملاقة.
وفتحت هيئة السوق المالية البورصة أمام الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال المؤسسات الأجنبية المؤهلة في عام 2015 وخفضت الحد الأدنى للإجرءات المطلوبة من تلك المؤسسات العام الماضي. وتقترح الهيئة الآن جولة جديدة من الإصلاحات، مانحة الجمهور مهلة مدتها 14 يومًا للتعليق على المقترحات.
ومن بين الإصلاحات، خفض الحد الأدنى لقيمة الأصول المدارة المطلوب من المؤسسة للتأهل كمستثمر إلى 1.875 مليار ريال (500 مليون دولار) من 3.75 مليار ريال ، بحسب شبكة " سي أن بي سي" .
وسيتم تبسيط الإجراءات الإدارية في عملية التأهل، وتستطيع المؤسسات تأهيل شركات تابعة وصناديق تديرها بدون تقديم طلب تأهيل منفصل لكل منها.
ولا تزال حصة ملكية المستثمرين الأجانب مجتمعين، بما في ذلك الذين يقومون بالاستثمار المباشر من خلال عقود المقايضة، نحو أربعة في المئة فقط في سوق الأسهم السعودية التي يبلغ رأسمالها حوالي 436 مليار دولار.
لكن الإصلاحات الاقتصادية، التي تهدف إلى تنويع اقتصاد المملكة وتقليص اعتماده على صادرات النفط، تجذب المزيد من اهتمام الأجانب، ولدى السعودية الآن ما يزيد عن 100 مستثمر أجنبي مؤهل من المؤسسات، بحسب ما قاله رئيس مجلس إدارة هيئة السوق المالية محمد القويز الشهر الماضي. وتم تسجيل ما يزيد عن 20 في المئة منهم في الثلاثين يومًا الأخيرة.
وربما يؤثر عدد الصناديق الأجنبية العاملة في المملكة على خطة الحكومة لبيع حصة بنحو خمسة في المئة في أرامكو العام القادم؛ حيث من المحتمل أن تبلغ حصيلة البيع حوالي 100 مليار دولار وفقا لتقييم السلطات للشركة. وربما تصبح الصفقة أكبر عملية طرح عام أولي في العالم على الإطلاق.
وسيتم إدراج بعض أسهم أرامكو في الرياض، لكن مسؤولين يدرسون إدراجًا متعددًا يتضمن بورصة أجنبية واحدة أخرى أو أكثر، مثل نيويورك ولندن وهونغ كونغ وطوكيو.
هروب رؤوس الأموال
وكانت وكالة بلومبيرج الأمريكية، كشفت أن عددًا من أبرز الأثرياء السعوديين حرصوا على نقل أصولهم وممتلكاتهم إلى خارج المملكة، لتجنُّب خطر إلقاء القبض عليهم، في إطار ما أطلقت عليه السلطات السعودية "حملة ضد الفساد"، وذلك وفقاً لستة أشخاص مُطَّلِعين على المسألة.
وأشارت الوكالة إلى أن النخبة السعودية كانت هدفاً لبنوك عالمية مثل دويتشه بنك، وبنك كريدي سويس، وبنوك عالمية أخرى تسعى لإدارة ثرواتهم. والآن تجد تلك النخبة نفسها مطاردة في حملةٍ استهدفت بعض أبرز الأمراء والمليارديرات والمسؤولين السعوديين.
وقال فيليب دوبا-بانتاناسشي، وهو اقتصادي وخبير استراتيجي جيوسياسي في شركة ستاندرد شارترد للخدمات المالية والمصرفية، مقيم في لندن: "لا شك أنَّ الكثير من المستثمرين في الخارج يعيدون تقييم نظرتهم للخليج كمكانٍ مستقر يمكن التنبؤ بأحداثه للقيام بالأعمال فيه. هناك نظرة متنامية بأنَّ الحوكمة تصبح تعسُّفية على نحوٍ متزايد، أو على الأقل تصبح أقل ارتكازًا على القواعد".
وتوقع محللون أن تؤدي ملاحقة شخصيات بارزة في أوساط المال والأعمال إلى اهتزاز ثقة المستثمرين بالمملكة، ما يمكن أن يُخرج خطة الأمير الاقتصادية الشاملة، التي تسمى "رؤية 2030"، عن مسارها، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.